السبيل إلى العزة والتمكين

الثلاثاء، 26 يناير 2016

الإنفاق في سبيل الله

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد :
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، حث الإسلام على الإنفاق في الخير ووجوه البر، ورتب على ذلك الثواب العظيم قال الله جلَّ وعلا: (قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ)، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، ورَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ ومَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: "مَالُكَ مَا قَدَّمْتَ، وَمَالُ وَارِثِكَ مَا أَخَّرْتَ"، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، وسُئل صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ: "أن تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
أيها المسلم، وللنفاق في سُبل الخير فضائل عديدة: فمن فضائلها: مضاعفة الأجور، قال جلَّ وعلا: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، وقال: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)، وقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
ومن فوائد الإنفاق في سبيل الخير: أن المصدق يُدعى يوم القيامة من باب الصدقة، جاء في الحديث: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُنْفِقُ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا دُعَي في الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ هذه الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى منها أَحَدٌ قَالَ: "نَعَمْ. وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
ومن فوائدها: انشراح الصدر، وطيب النفس، يقول الله جلَّ وعلا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يُنْفِقَ سَبَغَتْ حَتَّى تعفن جلده، وتخفي بَنَانَهُ، وتمحو أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ لَصَقتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكانهَا كلما أراد أن يُوَسِّعُهَا وَهِىَ لاَ تَتَّسِعُ".
ومن فوائد الإنفاق في الخير: النجاة من النَّار، يقول صلى الله عليه وسلم مخاطباً للنساء: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، قيل لماذا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" الحديث.
ومن فوائد الصدقة: أن المصدق يعيش يوم القيامة تحت ظل صدقته إلى أن يقضى بين الناس، كما في الحديث: "كُلُّ امْرِئٍ تحت ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ".
ومن فوائدها: أن هذا العمل أحب الأعمال إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على أخيك المسلم، تكشف كربا، أو تقضي دينا، أو تطرد عنه جوعا".
ومن فوائدها: أن الصدقة تمحو الخطيئة وتمحي آثرها.
ومن فوائدها: أن الله جل وعلا يتلقاها بيمينه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم ينفق نفقة في سبيل الله ولو تمرة إلا تلقاها الله بيمينه فينميها له كما ينمي أحدكم فصيلة فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم".
ومن فوائدها: أن الله يخلف على المنفق خيرًا مما أنفق، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من يصبح الناس فيه إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط كل منفق خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفا".
ومن فوائدها: أن هذه الصدقة لا تنقص الأمانة معنويا؛ بل هي تعود عليه بالخير، كما في الحديث: "ومَا نَقَصَ مَالُ مِنْ صَدَقَةٍ".
ومن فوائدها: أن أعمالها تجري على صحابها في لحده، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، وهي برهان على قوة الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"، وهي طهرت للمال، وقف النبي على التجار فقال: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ يَحْضُرُ الْبَيْعَ الْحَلِفُ وَاللَّغْوُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ".
أيها المسلم، ولهذه الصدقة آداب ينبغي أن يتحلى بها المصدق، لعل الله أن يقبل صدقته وإحسانه:
فأول ذلك: أن يكون الباحث على الصدقة والإحسان ابتغاء وجه الله، وأن يريد بصدقته وجه الله، لا رياءً ولا سمعة، لا ثناء الناس ومديحهم؛ لكن يريد التقرب إلى الله الذي: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، يقول الله جلَّ وعلا في مدح المؤمنين: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً).
ومنها: أن يختار صدقته مالا طيبًا خاليًا من المحرمات، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا".
ومن ذلك أيضا: أن يكون منشرح الصدر بالنفقة لا ماناً بها، ولا متعاليا بها: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى).
ومنها: أن يعلم أن هذه النفقة أنه يقرض الله وينفع خيرا كثيرا، فليطمئن بذلك نفسه وليحمد الله على الثواب العظيم.
ومنها أيضا: أن ينفق في صحته وسلامته سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الصَّدَقَةِ أفضل فَقَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الروح الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا".
أيُّها المسلمون، إن الإنفاق في سبيل الخير له طرق متعددة ومجالات واسعة، لا تقف عن نوع معين؛ بل في هذا الزمان تنوعت وجوه الخير، وتعددت الأسباب لذلك، فالمسلمون يقصدون صدقاتهم وإحسانهم وجه الله، ونفع إخوانهم المسلمين، وإعانتهم على مهماتهم ومشاكل أمورهم.
أيُّها المسلم، إن الإسلام عندما حرم الربا وتوعد عليه الوعيد الشديد، أراد من الأمة أن يكون المال سببا لعز الأمة وغنى بعضها ببعض، واكتفاء بعضها ببعض، وأن تكون هذه الأموال سبب لنهوض بالأمة والرقي بها إلى المستوى اللائق بها، حارب الربا لأن حقيقته بقاء الأموال عند فئة من الناس وحرمان الآخرين، هذا المرابي لا يعمل صالحا، إنما يريد من ماله أن يربح على أكتاف الفقراء والمحتاجين ولهذا يرصدها في البنوك العالمية تقوى بها دول غير إسلامية عل المسلمين، تقوي اقتصادهم وتخلصهم من البطالة، ويصبح هذا المال عونا لهم حتى ضد المسلمين، فلهذا وقف الإسلام من الربا الموقف العظيم، وجعل المرابي محارباً لله ورسوله.
أيُّها المسلم، عالمنا الإسلامي بأمس حاجة إلى وحدة الأهداف وتعاون وتساعد، وتعاون على البر والتقوى لأجل أن يعيش المجتمع المسلم حياة سعيدة آمنة مطمئنة: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، فعالمنا الإسلامي يشكوا من أمور مختلفة، فمن عالمنا الإسلامي من يشكوا من قلة الموارد فهو بحاجة إلى دعم موارده للوقوف في حل مشاكله اقتصادية ونهوض المجتمع عن البطالة، ومن عالمنا الإسلامي من يوجد في أراضيه أنواع الخيرات والفواكه الطبيعية فهو بحاجة إلى مال ليشتغل تلك الخيرات وينهض بمجتمعه، ومنها أيضا: أيد عاملة وعقول مفكرة لكن بحاجة إلى مال لتشغيل تلك الأيادي العاملة وتساعد العقول والأفكار مع المال المسلم للنهوض بالأمة، ومن عالمنا الإسلامي من يشكوا الأمراض مختلفة والأوبئة المتعددة ونقص المياه الطيبة مما يئنوا بهم في هذه الحالة فهو بحاجة إلى دعم مشاريع خيرية، ومن عالمنا الإسلامي من يجد الجهل الأمية على أفراده فهم بحاجة إلى توعية وأنقاض من هذا الجهل وهذه الأمية التي حطمت كيانهم وأصبحوا لا يفقهون شيئا، ومن عالمنا الإسلامي من يشكوا الفاقة والفقر ويتسلط عليه المتنصرون ودعاة التنصير والتظليل والتشيع الباطل ليغيروا اتجاه وعقيدته الإسلامية إلى غير ذلك من الأضرار.
فمجال الإنفاق في الخير مجالات واسعة فمن ذلك: بناء المساجد، فبناء المساجد في عالمنا الإسلامي من الأمور المهمة يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ"، بناء المرافق الإسلامية التعليمية النافعة، كفالة الأيتام، الأوقاف النافعة، بناء المصحات والمستشفيات لإنقاذ الأمة مما أصابها من نكبات كالمشردين عن بلادهم، المبعدين عن بلادهم الذين يعانون الجوع والعري في خارج بلادهم، فإنقاذهم وتخليص مشاكلهم من الأمور المهمة، حفر الآبار، والمياه النافعة، إقامة المراكز البحثية العلمية لإنقاذ الأمة وتوجهه حتى تخلصها من جهلها وأميتها وتكون أمةً قادة على الوقوف على أقدامها بتوفيق من الله، إن الأمة المسلمة لا يقصرها رجال ولا الثروات الطبيعية؛ ولكن يقصرها قلة الإخلاص وعدم التعاون والتساعد فيما بينها، فأعداءها يفرقون شملها، ويتسلطون عليها، ويدبرون المؤامرات ضد بعضها لبعض، لكي يعيشوا هم مطمئنين والعالم الإسلامي مشغول في خلافاته، واضطراباته، وفقره وفاقته، وجهله وبعده، كل هذا أمور تخالف الشرع، فلابد من نشر الدعوة إلى الله، والمرافق الطبيبة، والبحوث العلمية، ونشر الإعلام الإسلامي، ونشر الكتب والمقالات النافعة، وتخليص الأمة من أن يؤثر عليها التنصير والتشيع الباطل الذين يرجون البلاد خرافات وجهل وضلال، إن عالمنا الإسلامي لابد أن يقف على قدميه، لابد أن يفكر في مصيره ومآله، فإن في زمن شهوه العالم الإسلامي وقلله من شأنه جهل وفقر وفاقة واختلاف ونزاع، وبعد بعضنا عن بعض هذه أسباب جعلت الأمة الذلة والهوان، فلابد للأمة أن تنهض بأمتها ومجتمعها ليكون مجتمعا متلاحما قويا، إن الأمة لا يقصرها عقول ولا أفكار ولا أيدي عاملة، ولا نقص خيرات في بلادها، فالخيرات كلها في بلاد الإسلام؛ لكن يقصرها الإخلاص، وقلة التعاون فيما بين أفرادها.
فعلى الأمة المسلمة أن تعود إلى رشدها، وأن تفكر في أمرها، وأن تعلم أن هذه الأموال الموجودة عند كثير من أثريائها، لابد أن تسخر فيما يصلح الأمة في حاضرها ومستقبلها، ليكون مالاً نافعا، مالا مؤثرا، أمَّا هذه الأموال التي تذهب لأجل الفوائد الربوية السنوية أو نحو ذلك فهي ضرر لأمة لا خير فيها ولا مصلحة منها، إن المال الإسلامي إذا استعمل واستغل فيما ينفع الأمة عاد هذا الخير على الأفراد وعلى أصحاب الأموال بخير وفضل أعظم من فوائد الربوية التي لا خير فيها، ولننعم بنعمة الله جل وعلا، وغضبه على المرابين، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يخدم الجميع لما فيه خير الإسلام في الحاضر والمستقبل إنه على كل شيء قدير، أقولٌ قولي هذا، واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ الواحدٍ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ"، هكذا المجتمع المسلم مجتمع متعاون ومتحاب ويرحم بعضه بعضا، ويعطف بعضه على بعض، ويحسن بعضه إلى بعض، ويهتم بعضه ببعض، يقول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، فمتى وجد هذا التعاون المسلم وهذا التفاهم والإخلاص والصدق فيما بين الجميع نهضت الأمة على المستوى اللائق بها، إن أمة الإسلام هي الأمة القيادية للأمة التي هيأها الله لقيادة البشرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فهم خير الناس للناس، الأمة المحمدية هي أمة القيادة، وأمة الخير، وأمة الهدى؛ لكن بشرط أن تتمسك بدينها وتجتمع على كلمة الله، ويكون التعاون بينها جميعا تعاون على الخير والتقوى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، هكذا المؤمنون، إن ما أصاب الأمة من نقض أو ضعف في كل أحوالها إنما سببه البعد عن دين الله، البعد عن تعاليم الشريعة، الزهد في تعاليم الشريعة التي جاءت بما يقوي الروابط الأخوية بين الأمة المسلمة؛ لأننا جميعا مسلمون لابد أن يأخذوا موقف أمام هذه التحديات العالمية في الاقتصاد والأفكار والآراء، لابد للأمة الإسلامية أن تثبت وجودها، وأنها الأمة المستطيعة بتوفيق الله إلى أن تقف على أقدامها ثابتةً متعاون بعضها بعضا، يشد بعضها آزر بعض، ويقوي بعضها بعضا، لتقف أمام هذه التحديات في اقتصادها وفي أمنها وفي خيرها، إن الأمة الإسلامية يجب أن تعي مواقعها وأن لا ترضى بأن تهمش من مصادر القرارات وأن تتدبر وتتداول الأمور ضدها، وهي أمة قادرة مستطيعة بتوفيق الله أن يكون موقف مؤثر في الحياة وفي المجتمع كله، أسأل الله أن يأخذ بيد الجميع لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا ولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير،اللَّهمَّ وفقه لكل خير، اللَّهمَّ أعنه على كل خير، اللَّهمَّ بارك له في عمره وعمله ورزقه ثوب الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ شد عضده بولي عهده سلمان بن عبدالعزيز وسدد في أقوله، ووفق الجميع لما تحبه وترضى، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، اللَّهمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللّهمَّ سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم لا غرق، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون  
خطبة الجمعة 24-05-1434هـ
لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ


0 التعليقات:

إرسال تعليق