السبيل إلى العزة والتمكين

الأحد، 24 يناير 2016

مقامات بديع الزمان الهمذاني : الَمَقامَةُ التَّمِيمِيَّةُ

الَمَقامَةُ التَّمِيمِيَّةُ :


حَدَثَّنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ :

وُلِيتُ بَعْضَ الوِلاَيَاتِ مِنْ بِلاَدِ الشَّامِ، وَوَرَدَهَا سَعْدُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو فَزَارَةَ، وَقَدْ وُلِّيَ الوِزَارَةَ، وَأَحْمَدُ الوَلِيدِ، عَلَى عَمَلِ البَرِيدِ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، عَلَى عَمَلِ المَظَالِمِ، وَبَعْضُ بَنِي ثَوَابَةَ، وَقَدْ وُلِّيَ الكِتَابَةِ وَجُعِلَ عَمَلُ الزِّمَامِ، إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَصَارَتْ تُحْفَةَ الفُضَلاءِ، وَمَحَطَّ رِحَالِهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ يَرِدُ الوَاحِدُ بَعْدَ الوَاحِدِ، حَتَّى امْتَلأتِ العُيُونُ مِنَ الحَاضِرِينَ، وَثَقُلُوا عَلَى القُلُوبِ، وَوَرَدَ فِيْمَنْ وَرَدَ أَبُو النَّدَى التَّمِيمِيُّ، فَلَمْ تَقِفْ عَلَيْهِ العُيُونُ، وَلا صَفَتْ لَهُ القُلوبُ، وَدَخَلَ يَوْماً إِلَيَّ فَقَدَرْتُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَقْعَدْتُهُ مِنَ المَجْلِسِ فِي صَدْرِهِ، وَقُلْتُ: كَيْفَ يُرَجِّى الأُسْتاذُ عُمْرَهُ؟ وَكَيْفَ يَرَى أَمْرَهُ؟ فَنَظَرَ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ اليَسَارِ، فَقَالَ: بَيْنَ الخُسْرَانِ وَالخَسارِ، وَالذُّلِّ وَالصَّغارِ وَقَوْمٌ كَرَوْثِ الحِمَارِ، يَشُمُّهُم الإِقْبَالُ وَهُمْ مُنْتِنُونَ، وَيُحْسِنُ إِلَيِّهِمْ فَلا يُحْسِنُونَ، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ وَرَدْتُ مِنْهُمْ عَلَى قَوْمٍ مَا يُشْبِهُهُمْ مِنَ النَّاسِ، غَيْرُ الرَّأْسِ وَاللِّبَاسِ، وَجَعَلَ يَقُولُ:
فِدَىً لَكِ يَا سِجِسْتَانُ البِلاَدُ ... وَلِلْمَلِكِ الكَرِيمِ بِكِ العِبَادُ
هَبِ الأَيَّامَ تُسْعِدُنِي وَهَبْنِي ... تُبَلِّغُنِيهِ رَاحِلَةٌ وَزَادُ
فَمَنْ لِي بِالَّذِي قَدْ مَاتَ مِنْهُ ... وَبِالعُمْرِ الَّذِي لا يُسْتَعَادُ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق