السبيل إلى العزة والتمكين

الجمعة، 11 مارس 2016

ما هي الضوابط الشرعية في تكفير من يحكم بغير ما أنزل الله؟

الضوابط الشرعية في تكفير من يحكم بغير ما أنزل الله ..

 سئل الشيخ بن باز رحمه الله :

سماحة الشيخ – لو سمحت – الحكام الذين لا يطبقون شرع الله في بلاد الله هل هؤلاء كفار على الإطلاق مع أنهم يعلمون بذلك وهل هؤلاء لا يجوز الخروج عليهم وهل موالاتهم للمشركين والكفـار في مشارق الأرض ومغاربها يكفرهم بذلك؟[1]
 
فأجاب رحمه الله :
 
هذا فيه تفصيل عند أهل العلم، وعليهم أن يناصحوهم ويوجهوهم إلى الخير ويعلموهم ما ينفعهم ويدعوهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله وإلى تحكيم الشريعة وعليهم المناصحة؛ لأن الخروج يسبب الفتن والبلاء وسفك الدماء بغير حق، ولكن على العلماء والأخيار أن يناصحوا ولاة الأمور ويوجهوهم إلى الخير ويدعوهم إلى تحكيم شريعة الله لعل الله يهديهم بأسباب ذلك، والحاكم بغير ما أنزل الله يختلف، فقد يحكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أنه يجوز له ذلك، أو أنه أفضل من حكم الله، أو أنه مساوٍ لحكم الله، هذا كفر، وقد يحكم وهو يعرف أنه عاص ولكنه يحكم لأجل أسباب كثيرة؛ إما رشوة، وإلا لأن الجند الذي عنده يطيعونه أو لأسباب أخرى هذا ما يكفر بذلك مثل ما قال ابن عباس: كفر دون كفر وظلم دون ظلم. أما إذا استحل ذلك ورأى أنه يجوز الحكم بالقوانين وأنها أفضل من حكم الله أو مثل حكم الله أو أنها جائزة، يكون عمله هذا ردة عن الإسلام حتى لو كان ليس بحاكم، حتى لو هو من أحد أفراد الناس.

لو قلت إنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله فقد كفرت بذلك، ولو أنك ما أنت بحاكم، ولو أنك ما أنت الرئيس.

الخروج على الحكم محل نظر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان))[2] وهذا لا يكون إلا إذا وجدت أمة قوة تستطيع إزالة الحكم الباطل. أما خروج الأفراد والناس العامة الذين يفسدون ولا يصلحون فلا يجوز خروجهم، هذا يضرون به الناس ولا ينفعونهم.
ـــــــــ
[1] من أسئلة حج عام 1408هـ. الشريط الثالث.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون..." برقم 7056.


سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : 

فضيلة الشيخ وفقكم الله , ما حالة الحاكم بغير ما أنزل الله من العلماء والولاة والقضاة من أفراد ؛ حيث سمعت أن منهم من يكفر ومنهم من يفسق ونحوه ، فما الأصل في ذلك؟

فأجاب حفظه الله :
 
 الباب هذا والآيات بالتحاكم إلى غير ما أنزل الله، أما الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، فهؤلاء قال الله تعالى فيهم: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فالحكم بغير ما أنزل الله، الحكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، ذكر العلماء فيه تفصيلاً: قالوا: إن كان يعتقد أن حكم الله لا يصلح، وأن حكم غيره هو الذي يصلح للناس، أو أنه مخير إن شاء حكم بما أنزل الله، وإن شاء حكم بغير ما أنزل الله يعني إستباح، هذا الشيء هذا كافر؛ كافر الكفر المخرج من الملة، كفراً مخرج من الملة، إذا أستباح الحكم بغير ما أنزل الله، وقال جائز انه يحكم بالشريعة، أو يحكم بالقانون كله جائز سوى المحكمة فيها، هذا وهذا حكم بالشريعة، وحكم بالقانون، والناس مخيرون، والأمر كله سوى، هذا كافر بالله عز وجل، وكذلك من باب أولى إذا قال: ان حكم الله لا يصلح لهذا الزمان، وإنما يصلح لهذا الزمان الحكم بالقوانين الوضعية، لأن الناس تطورا، والحضارة تقدمت، والعلم كما يسمونه، وهو بالحقيقة الجهل ما هو بالعلم؛ العلم تقدم وهذا الزمان إختلف عن زمان الأولين، لازم ننظم الأمور، ونجيب أنظمة الدول الراقية، ونجعلها هي الحكم بين الناس بالمحاكم، هذا كافر هذا أشد الكفار، والعياذ بالله، أشد من اللي قال: جائزا، هذا، وهذا، هذا كافر كفرا مخرج من الملة. الحالة الثالثة: إذا أعتقد أن حكم الله هو الواجب، وأنه مخظئ في تحكيمه بغير ما أنزل الله، ولكنه فعل هذا إما لشهوة في نفسه، ورغبة ينالها في هذه الدنيا، فهذا كفرا دون كفر، هذا مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، لأنه لم يستبح تحكيم غير ما أنزل الله، لم يستبحه يعتقد تحريمه، ويعتقد أن حكم الله هو الحق وهو الواجب، فيكون هذا مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وكافرا الكفر الأصغر غير المخرج من الملة ، يجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.

سئل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله

ما هي الضوابط الشرعية في تكفير من يحكم بغير ما أنزل الله؟

فأجاب حفظه الله :

 الضوابط الشرعية تكلم عليها الكثير من العلماء ومحورها تفسير ابن عباس -رضي الله عنه-: ((ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون)) فإن كان غير مستحل فهو قد وقع في الكفر، لكنه كفر دون كفر، وإن كان مستحلا فقد وقع في الكفر الأكبر الذي يخرجه من دائرة الإسلام، هذا خلاصة ما يقوله العلماء في هذا الباب، وأما الخوارج فمذهبهم هو التكفير لمرتكب الكبيرة ولمن يحكم بغير ما أنزل الله ولو في حكم واحد، سيد قطب يقول: لو حكم بغير ما أنزل ولو في جزئية واحدة فهو كافر ما فيه تفصيل، هذا مذهب أهل السنة وإلا مذهب الخوارج؟ مذهب الخوارج.
وسئل ايضا الشيخ بن باز رحمه الله :

لقد تعرفت خلال دراستي الجامعية بجامعة الخرطوم على فتاة تقول: إن المجتمعات الآن كلها مجتمعات جاهلية، أي كافرة، وتستدل بالآتي: إن هذه المجتمعات تحكم بغير ما أنزل الله، وقد قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون

فأجاب رحمه الله :
 
لا شك أن هذا الإطلاق من هذه الفتاة ليس بصحيح، فليست المجتمعات كلها جاهلية بل فيها -بحمد الله- من أهل الخير والعلم والصلاح والاستقامة ما فيها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) فالطائفة موجودة والحمد لله، وموجودة بكثرة في محلات كثيرة، فلا يجوز أن يقال: جميع المجتمعات في الشرق والغرب جاهلية وليس فيها إسلام، هذا غلط ومنكر، نعم الأغلب جاهلية، الأكثر والأغلب جاهلية على خلاف الشرع، لكن يوجد -بحمد لله- طائفة منصورة يوجد من هو على الحق، وإن كانوا لا يحصرون في مكان معين، لكنهم -بحمد لله- موجودون، وإن خلا منهم بعض الأمكنة وبعض البلاد لكنهم -بحمد لله- في دول كثيرة وفي بلدان كثيرة، ولا سيما -بحمد الله- في هذا العصر في أول هذا القرن وآخر القرن الماضي، فقد اتسعت الدعوة إلى الله وكثرة الدعاة إلى الله ونشط الشباب الإسلامي في كل مكان إلا ما شاء الله في الدعوة إلى الله والترغيب في الخير والدلالة على الخير، والعناية بالقرآن والسنة، فالإطلاق هذا الذي قالته الفتاة غير صحيح، وعليها التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إليه وأن تخاف الله وتراقبه سبحانه وتعالى، أما وجود التحكيم بغير الشريعة فهذا إثمه على من فعل ذلك ورضي به، أما من كرهه ولم يرضَ به فليس عليه إثم منه، الله يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: من الآية164)، ومن حكَّم غير الشريعة من الدول وأعوانهم ورضوا بذلك فهم الآثمون، أما من لم يرض بهذا من الرعية من رجال ونساء في أي بلد فليس مأخوذاً بعمل غيره ولا آثماً بعمل غيره، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يجني الجاني إلا على نفسه) وهذا معنى قوله سبحانه: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: من الآية164)، فالواجب التثبت في الأمور وعدم إطلاق الأحكام جزافاً على غير بصيرة. ولا ريب أن الحكم بغير ما أنزل الله منكر عظيم ومن أنواع الكفر، كما بينه الله سبحانه وتعالى، وهو من حكم الجاهلية، كما قال سبحانه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) (المائدة: من الآية50)، وليس لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله بل هذا منكر عظيم وجريمة شنيعة، أما كونه كفراً مخرجاً من الملة فهذا هو محل التفصيل عند أهل العلم، فمن فعل الحكم بغير ما أنزل الله يستجيزه ويرى أنه لا بأس به، أو يرى أنه مثل حكم الله، أو يرى ما هو أشنع من ذلك أن الشريعة ما تناسب اليوم، أو أن القوانين أنسب منها وأصلح هذه كله كفر أكبر على جميع الأحوال الثلاثة، من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكمه أو مثل حكمه في أي وقت كان أو أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله ولو قال: إن الشريعة أفضل وأحسن، ففي هذا الأحوال الثلاث يكون قائل ذلك كافراً، وهكذا معتقد ذلك، من اعتقد أن حكم غير الله جائز أو مماثل لحكم الله أو أفضل من حكم الله فهو مرتد عند جميع أهل الإسلام، أما من فعل ذلك بغرض من الأغراض ويعلم أنه مخطئ وأنه مجرم ولكن فعل ذلك لغرض لرشوة أو مجاملة قوم أو لأسباب أخرى والله يعلم من قلبه أنه ينكر هذا وأنه يرى أنه باطل وأنه معصية فهذا لا يكفر بذلك يكون عاصياً ويكون كافراً دون كفر وظالماً ظلماً دون ظلم، وفاسقاً فسقاً دون فسق، كما قال ابن عباس -رحمه الله- ومجاهد بن جبر وجماعة آخرون، وهو معروف عند أهل العلم، وإن أطلق من أطلق كفره فمراده كفر دون كفر، أما من اعتقد جواز حكم غير الله ولو قال: إن الشريعة أفضل أو قال إنه مماثل لحكم الله أو قال إنه أفضل من حكم الله ففي هذه الأحوال الثلاثة يكون كافراً، نسأل الله العافية، كما تقدم. وأرشدك في هذا إلى مراجعة تفسير ابن كثير -رحمه الله- وابن جرير والبغوي وغيرهم على آيات المائدة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) وإلى مراجعة كلام ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين وفي الطرق الحكمية، ومراجعة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وفتاواه وغيرها، وهكذا مراجعة كلام أهل العلم في مذهب الشافعي والمالكي والحنفي وغيرهم من أهل العلم حتى تعلمي الحكم الشرعي. ومن أنسب ما يكون في هذا باب (حكم المرتد) فإنهم بينوا فيه كل شيء في جميع المذاهب الأربعة، وفي غيرها من كلام أهل العلم، وأضحوا بالتفصيل الحكم بغير ما أنزل الله، ولعلك بهذا والفتاة التي نقلت عنها لعلها يحصل لها بذلك الطمأنينة والرجوع إلى الحق وترك التعميم الذي يخالف الشرع المطهر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.


0 التعليقات:

إرسال تعليق