السبيل إلى العزة والتمكين

الأربعاء، 9 مارس 2016

الصراط المستقيم


الصراط المستقيم

 لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله
تحميل المحاضرة بصيغة mp3
تفريغ المحاظرة :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد :
معاشر الكرام : هذه ساعة طيبة ولحظات كريمة أكرمنا الله عز وجل بها وتفضل وهو المان والمتفضل وحده جل في علاه أن يسَّر لنا هذا الاجتماع المبارك في بيت من بيوته جل في علاه ، ولا يخفى على الجميع عظم فضل الاجتماع في بيوت الله في الذكر والعلم والفقه في دين الله ، وقد جاء في صحيح مسلم عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)) وجاء في صحيح مسلم من حديث معاوية رضي الله عنه قال : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((مَا أَجْلَسَكُمْ؟)) قَالُوا: «جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا»، قَالَ: ((آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: «وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ»، قَالَ: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ)) . فانظر رعاك الله هذا الشرف العظيم وهذا الفخر وهذه المنقبة الجليلة التي يحظى بها من يكرمه الله سبحانه وتعالى بمثل هذا الجلوس ؛ ولهذا معاشر الكرام ينبغي أن نحتسب جلوسنا هذا عند الله ، وأن نرجو به ما عنده جل في علاه ، فإن صلاح النية مطلوبٌ من المرء في كل مقام ومن ذلكم مقام العلم والتعلم والتفقه في دين الله ؛ فإن طلب العلم عبادة بل كما قال بعض السلف «ما تقرب إلى اللعه متقرب بمثل طلب العلم» .
وحديثنا معاشر الكرام عن «الصراط المستقيم» ، وقد جاء ذكر هذا الصراط في آيٍ كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى بيانًا لعظيم شأنه وعليِّ مكانته ووجوب لزومه والتحذير من الانحراف عنه وأن الله سبحانه لا يرضى لعباده غير صراطه المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}[الأنعام:153] ؛ هذه وصية الله جل في علاه ؛ أن يلزم المرء صراط الله المستقيم وأن لا ينحرف عنه لا ذات اليمين ولا ذات الشمال .
وهذا يتطلب من المرء مجاهدةً للنفس على الاستقامة كما أُمر العبد على صراط الله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}[هود:112] ، وأن يكون في حذر شديد وحيطة كاملة من الانحراف عن الصراط يمنة أو شملة ، وأن يكون أيضا في دعاء مستمر أن يهديه الله جل وعلا صراطه المستقيم ، بل إن هذه أن تدعو الله عز وجل أن يهديك صراطه المستقيم أعظم دعوة على الإطلاق ، ولعِظم هذه الدعوة ورفعة شأنها افترضها الله على العباد في اليوم والليلة سبعة عشر مرة بعدد ركعات الصلوات المفروضة ، فإن قراءة الفاتحة ركن في كل ركعة ، وعدد الركعات في الصلوات المفروضة سبعة عشرة ركعة ، وفي كل ركعة منها تدعو الله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} ، وليس في الدعوات دعوةٌ افترضها الله وأوجبها على العباد كما هو الشأن في هذه الدعوة العظيمة ؛ وهذا مما يبين أهمية الصراط ولزومه وأهمية مداومة دعاء الله سبحانه وتعالى بأن يهديك صراطه المستقيم ، ولهذا قال العلماء : ينبغي أن ينبه العوام أن هذه دعوة ، لأن كثير من العوام يقرأ الفاتحة ولكنه لا يستشعر أن قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}دعاء ، ولهذا ينبغي أن ينبه العوام على أن قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}هذا دعاء عظيم جدًا أُتبع ببيان من هم أهل الصراط المستقيم؟ وأيضا من هم الحائدون عنه المنحرفون؟ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } هؤلاء هم أهل الصراط {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} هؤلاء المنحرفون عن الصراط .
وقوله { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أي بالعلم النافع والعمل الصالح ، فإن صراط الله المستقيم علمٌ وعمل ، ليس علمًا بلا عمل ، ولا أيضًا عملا بلا علم ، بل صراط الله المستقيم علم وعمل ، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ }[التوبة:33] ، فالهدى: العلم النافع ، ودين الحق:  العمل الصالح ؛ وهذا هو دين الله وصراطه المستقيم . وكلما عظم حظ العبد من العلم النافع مع العمل به كان أكثر حظًا وأوفر نصيبًا من صراط الله المستقيم ؛ ولهذا فإن الناس يتفاوتون في السير في صراط الله المستقيم بحسب حظهم من العلم والعمل ، يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا ، وأما المنحرفون عنه فهم صنفان : مغضوب عليهم ، وضالون . والمغضوب عليه: من عنده علم لكن لا يعمل به ، والضال: من كان يعمل بلا علم . ودين الله وصراطه المستقيم علمٌ نافع وعملٌ صالح مع المداومة على ذلك والاستمرار ، وقد كان من هدي نبينا عليه الصلاة والسلام كل يوم بعد صلاة الصبح بعد أن يسلِّم يقول في دعائه : ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا طَيِّبًا ، وَعَمَلاً صالحا وفي رواية عملًا مُتَقَبَّلاً)) ، وهذا يفيد أن هذا أمر مطلوب من المسلم كل يوم ، وإذا أصبح جدَّد العبد الرغبة والصدق مع الله سبحانه وتعالى ودعاءه جل في علاه أن يعينه على الأمرين العلم النافع والعمل الصالح المقرِّب إلى الله سبحانه وتعالى .
وقد جاء في المسند حديثٌ عظيم الشأن في بيان الصراط المستقيم جديرٌ بكل مسلم أن يتأمله ، لأن الحديث المشار إليه فيه مثل عظيم جدًا ضربه الله سبحانه وتعالى لعباده ليعرفوا من خلاله صراطه المستقيم . والأمثال المضروبة في الكتاب والسنة شأنها عظيم جدًا في تقريب المعاني وتوضيحها وتيسير فهمها ، حتى إن الأمثال لتجعل المعاني بمثابة الأمور المشاهدة المعاينة المحسوسة ، فتأملوا رعاكم الله هذا المثل ينفعكم الله به .
جاء في المسند وغيره بسند ثابت عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ-جداران- فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ)) انتبهت! هذا مثل عظيم ضربه الله سبحانه وتعالى لعباده ليعوا من خلاله صراطه المستقيم ، وتصور هذا المثل في ذهنك طريق ممتد مستقيم ليس فيه انحراف ولا التواء ولا اعوجاج ، وعلى جنبتي الصراط وأنت تسير فيه سوران على يمينك وعلى يسارك ، وفي السورين من الجانب الأيمن والأيسر أبواب كثيرة وهذه الأبواب ليس عليها أقفال كوالين وإنما عليها ستائر ستور مرخاة ، قال : ((وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تعوجوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ )) هذه الأبواب التي على يمينك وعلى يسارك لا تفتح أي باب منها لماذا ؟ ((فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)) ما معنى تلجه ؟ أي تخرج من الصراط ، تصبح خارج الصراط ، ((فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)) إن ولجت فالولوج خروج من الصراط ، جور عن الصراط ، انحراف عن الصراط ، لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه . ثم بيَّن ذلك قال ((وَالصِّرَاطُ: الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ : حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى)) مناطق محرمة محظورة شر بلاء ، محارم الله حرم الله سبحانه وتعالى على العبد أن يدخل ، ليست محارم الله بابًا واحدا ولا اثنين ولا ثلاثة، أبواب كثيرة جدا طول سير المرء على الصراط لا تزال تمر على يمينه وتمر على شماله وتستهويه بأن يخرج ، ويدخل من هذه الأبواب التي تحرف الإنسان وتجلبه وتبعده عن الصراط ، قال ((وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) ؛ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الإسراء:9-10] . ((وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)) انظر هذه النعمة العظيمة ما أجلَّها! فإن كل مسلم قد جعل الله سبحانه وتعالى في قلبه واعظ ، ولهذا تجد كثير من الناس عندما تحدثه نفسه أو يدعوه قرين سوء إلى مسلك محرم أو طريق منحرف يجد في نفسه انقباض يجد وحشة يجد عدم ارتياح ، هذا واعظ جعله الله سبحانه وتعالى في قلب كل مسلم ، لكن والعياذ بالله إذا كثر الإمساس بطل الإحسان وذهب ، إذا دخل الإنسان في المنزلقات المحرمة وتعمق فيها تذهب عنه هذه الحال ، وإنما توجد في قلب المسلم وشأنها عظيم جدا وينبغي على المسلم أن يحافظ عليها ، ومن هذا المعنى ما جاء في الحديث ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ)) إذا وجدت قلبك غير مرتاح غير مطمئن قلق ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ )).
فهذا مثل عظيم جدا ضرب في بيان صراط الله المستقيم وحقيقة جدير بكل مسلم أن يستحضر هذا المعنى أن يستحضر هذا المثل حتى يعي من خلاله هذا الصراط الذي أمر الله سبحانه وتعالى بسلوكه ولزومه والثبات عليه والمداومة عليه والاستمرار دون انحراف يمين أو شمال . ولما سُئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سأله رجل عن الصراط المستقيم ما هو ؟ قال «طريق تركنا النبي صلى الله عليه وسلم في أوله ونهايته في الجنة» ؛ طريق تركنا النبي صلى الله عليه وسلم في أوله أرشد الأمة إليه ودعاهم إلى دخوله ولزومه والمحافظة عليه ، والمنتهى الجنة .
ولهذا كما أن الدنيا فيها هذا الصراط الذي أُمر العباد بلزومه والسير عليه والثبات فإنه يوم القيامة ينصب على متن جهنم صراط مستقيم أدق من الشعر وأحد من السيف ويؤمر الناس بالمرور عليه ، لا طريق إلى الجنة إلا من فوقه قال الله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا } بالعبور عبور الصراط {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا} أي النار { جِثِيًّا}[مريم:71-72] .
وقد أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن من يعبرون على الصراط لا يعبرون على مستوى واحد في السير بل بينهم تفاوت كبير جدا ؛ منهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل ، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يمر ركضا ، ومنهم من يمر مشيا ، ومنهم من يمر زحفا ، لماذا ؟ لأنهم لم يكونوا على مستوى واحد في السير على الصراط المستقيم في الحياة الدنيا ، تفاوتوا سيرًا في الدنيا فتفاوت سيرهم على الصراط يوم القيامة . ومن خرج عن الصراط وجار عن الصراط كان على خطر عظيم يوم القيامة عندما يُنصب ذلك الصراط على متن جهنم ويؤمر الناس بالمرور على متنه ولا طريق لهم إلى الجنة إلا بالمرور عليه .
ومثل هذا المثل مثلٌ آخر صح عن نبينا عليه الصلاط والسلام في تعليم جميل جدًا حتى إنه عليه الصلاة والسلام جلس على الأرض من شدة نصحه وحرصه وتعليمه وخط على الأرض خطا مستقيمًا صلوات الله وسلامه عليه ، ثم خط من جنبتي الخط خطوطًا كلها خارجة من هذا الخط المستقيم يمين وشمال ، ثم قال عليه الصلاة والسلام مشيرا للخط المستقيم ((هَذَا صِرَاطُ اللهِ مُسْتَقِيمًا، وَهَذِهِ السُّبُلُ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ)) ؛ فبين عليه الصلاة والسلام في هذا المثل الواضح البين أن صراط الله من صفته الاستقامة لا اعوجاج فيه ؛ ولهذا مطلوبٌ من العبد ان يكون على جادة مستقيمة على هدي سوي لا يروغ روغان الثعلب مرة هنا ومرة هناك متبعًا الأهواء جاريا وراء حظوظ النفس والشهوات ، بل يجب عليه أن يكون على جادة على صراط مستقيم كما أمره الله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}[هود:112] ، ويحذر أشد الحذر من الخروج عن الصراط والانحراف عنه يمينا وشمالا .
وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام ((عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ)) هذا يفيد فائدة لابد من التنبه لها ألا وهي : أن الشيطان -اللهم أعذنا وذرياتنا منه- قاعد لابن أدم بأطرقه مثل ما جاء في الحديث الصيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال : ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ)) أي أي طريق يسلكه المرء فإن الشيطان قاعد له ، حتى طريق المسجد الشيطان قاعد له في طريقه للمسجد حتى يضيِّع عليه صلاته ، ولهذا شرع لنا كل مرة ندخل فيها من باب المسجد أن نقول: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ، وشُرع لنا -وهذا يغفل عنه كثير من الناس- أن نتعوذ أيضا بعد الخروج من المسجد وهذا ثابت هذا يغفل عنه كثير من الناس شرع لنا حين الخروج من المسجد أن نقول «بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» يشرع لك أيضا في هذا الموطن أن تقول «وأعذني من الشيطان أو اعصمني من الشيطان» وهذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام لماذا ؟ لأنه حتى إذا خرجت من المسجد الشيطان قاعد للإنسان في هذا الطريق ، وهذا المعنى الذي في هذا الحديث دل عليه القرآن قال :{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أين قعوده؟ {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:16] ؛ { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } يتناول كل طريق خير يسير العبد فيه ، بعض المفسرين وهذا من التفسير للآية ببعض أفرادها قال : «لأقعدن لهم طريقك المستقيم : مكة» هذا تفسير للشيء ببعض أفراده ، وإلا مكة هذا من الطرق المستقيمة الموصلة إلى رضوان الله ، الشيطان قاعد لهم في هذا الطريق ، بل قال مجاهد ابن جبر رحمه الله : «ما خرجت رفقة في حج إلا وأرسل الشيطان معهم مثل عددهم» كل حملة حج أو عمرة بحملة شياطين إلا أرسل الشيطان معهم بعث معهم مثل عددهم لماذا ؟ يريد أن يفوت عليهم ، يريد هذا المطلب الذي هو يعمل لأجله { وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ، بغية الشيطان ومطلبه إخراج الناس من هذا الصراط ، إبعادهم عن هذا الصراط ، حرفهم عن هذا الصراط ، وهو عدو يراك ولا تراه ، «وعدو يراك ولا تراه شديد المؤمنة» لكن ليس له سبيل على الملتجئ إلى الله المتوكل على الله المستعيذ بالله منه ، قال لله تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الإسراء:64-65] ؛ عبادي: أي الذاكرون الله ، المقبلون على طاعة الله ، المتوكلون على الله المستعيذون من الشيطان ،الملتجئون إلى الله ليس للشيطان عليهم سبيلا ، لأن من استعاذ بالله أعاذه تبارك وتعالى ووقاه ولا يكون للشيطان عليه سبيل .
ولهذا من مهمات الثبات على الصراط المستقيم الإكثار من التعوذ من الشيطان ولاسيما في المواطن التي جاء تنصيصٌ على الاستعاذة بالله من الشيطان فيها ، وهي مواطن عديدة جاءت بها سنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه حتى يوقى العبد ويسْلم بإذن الله تبارك وتعالى من الشيطان ، وذكر الله عمومًا عصمة وأمنة للعبد من الشيطان ، والغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى مجلبة للشيطان {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }[الزخرف:36] أي ملازم . والشيطان له وصفتان جاءا في سورة الناس {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)} فإذا ذُكر الله خنس وإذا غفل عن ذكر الله وسوس .
فينبغي على العبد للثبات على هذا الصراط المستقيم وللمداومة عليه أن يكون معتنيًا بالتعوذ بالله سبحانه وتعالى من الشيطان لأن الشيطان يريد -بل هذا مبتغاه- يريد خروج الإنسان من هذا الصراط المستقيم .
وينبغي على السائر في هذا الصراط أن يعلم أن في طريق السير عوائق ومنعطفات تحرف العبد عن صراط الله المستقيم ، بعضها تخرجه من الصراط كليةً يخرج من الدين أصلا ، وبعضها تبعده بُعدًا شديدا عن صراط الله المستقيم ، وبعضها دون ذلك ؛ وهذا أمرٌ لابد من الفقه فيه فقهًا في صراط لالله المستقيم .
§     فأعظم أمرٍ يُبعد عن الصراط وهو يخرج من دائرة الدين الشرك بالله والكفر به سبحانه وتعالى وهو أظلم الظلم وأعظم الجور والانحراف عن صراط الله المستقيم قد قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، وقال جل وعلا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48]، فالشرك بالله سبحانه وتعالى هو أعظم العوائق وأخطر المنعطفات التي تحرف المرء عن صراط الله المستقيم بل وتخرجه من دائرة دين الله سبحانه وتعالى .
§     ومن العوائق: الفتن والأهواء فإن الله عز وجل لا يُعبد إلا بما شرع ، لا يعبد بالأهواء والبدع ، بل لا يقبل الله سبحانه وتعالى عبادة عابد إلا إذا كانت وفق شرعه الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام قولًا جامعًا في هذا الباب : ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) ، قال في رواية : ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) أي مردود عليه وليس مقبولا منه .
وهذان الأمران -أعني البدعة وما قبلها الشرك- هما أخطر الأمور التي تحرف المرء عن صراط الله المستقيم ، قد قال الله سبحانه وتعالى في آخر آية من سورة الكهف {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} ، والعمل الصالح لا يكون إلا بمجانبة البدع ، والعمل الخالص لا يكون إلا بمجانبة الشرك ، وفي آية أخرى قال الله سبحانه وتعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك:2] قال بعض السلف في الآية وهو الفضيل بن عياض : «أخلصه وأصوبه» ، قيل وما أخلصه وأصوبه ؟ قال «إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة » .
§     ثم الأمر الثالث من الأمور التي هي انحراف عن صراط الله المستقيم: المعاصي والذنوب ؛ وهذا أيضا باب خطير ينبغي على العبد المؤمن أن يكون في حيطة وحذر محافظةً على سيره على صراط الله المستقيم . والذنوب فيها عظائم وكبائر موبقات مهلكات ينبغي على المسلم الحريص على ثباته واستقامته على صراط الله المستقيم أن يكون على معرفة بها ، ولهذا فإن العلماء رحمهم الله تعالى صنفوا في هذا الباب كتبًا في بيان الكبائر ، لأن من ضروريات سلوك صراط الله المستقيم أن يعرف الكبائر التي هي جورٌ عن الصراط من أجل أن يحذرها وأن يتقيها ، وإلا كما قيل قديما «كيف يتقي من لا يدري ما يتقي» ، من لا يدري ما هي الكبائر كيف يتقيها؟ ومن لا يعرفها كيف يجتنبها ؟
ولهذا كتب العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الباب كتابات نافعة جدًا من أجودها وأحسنا «كتاب الكبائر» للإمام الذهبي ينصح باقتنائه وقراءته والإفادة منه فإنه عظيم جدًا في بابه ، وطريقته في الكتاب واضحة يذكر الكبيرة وبعض الأدلة على تحريمها ؛ الشرك الزنا القتل السرقة الكذب إلى غير ذلك كبيرة تلو الأخرى من أجل أن يكون المرء على معرفة بها وعقوباتها عند الله سبحانه وتعالى ومضراتها على العبد في دنياه وأخراه حتى يتحقق له الاجتناب والبعد عنها ، لاسيما وخاصة في هذا الزمان كثرت الوسائل والطرائق التي تغري الناس بالكبائر وتزين لهم العظائم عظائم الذنوب من خلال الوسائل الحديثة التي أصبحت على كثير من الناس بابا من أبواب الشر فتحت عليهم من أبواب الفتنة والغفلة والإعراض عن طاعة الله سبحانه وتعالى والوقوع في كبائر الذنوب وعظائم الآثام مما لم يكن له وجود في وقت سابق ، فأمام هذه الفتن العظيمة يحتاج المرء حاجة شديدة شدًا إلى أن يكون على معرفة بالكبائر ودراية بها من أجل أن يتقيها وأن يحذر منها وأن يجانبها ، ولهذا يُنصح بهذا الكتاب «كتاب الكبائر» للإمام الذهبي رحمه الله تعالى أن يُقرأ ، أن يوفر في البيوت ، أن يكون الأولاد والأهل على اطلاع عليه حتى يكونوا على معرفة بهذه الأمور التي تحرف العبد وتبعده عن صراط الله المستقيم .
أختم الحديث حول هذا الموضوع الصراط المستقيم بنقاط عديدة أرى أنها عظيمة الأهمية ألا وهي : ما الوسائل المعينة على الثبات على صراط الله المستقيم؟ أذكرها في نقاط مع إيضاح لا أطيل فيه .
v            أولا : العلم النافع ؛ أساسٌ لابد منه ، لأن السير على الصراط المستقيم لابد فيه من معرفة هذا الصراط ، ولهذا لابد من العلم ، ولهذا كان العلم نورًا لصاحبه وضياء ، وإذا لم يكن عند المرء نور يستضيء به في سيره على الصراط فهو على خطر أن يجور عن الصراط وأن ينحرف لجهله وقلة بصيرته وعدم علمه ، وأعظم ما يطلب في هذا الباب -باب العلم- العلم بالله والمعرفة بالرب العظيم والخالق الجليل سبحانه وتعالى ، فإن العبد كلما كان بالله أعرف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد وكان منه أخوف كما قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] .
v            الأمر الثاني : كثرة الدعاء ، وخاصة هذه الدعوة المباركة التي افترضها الله علينا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وكثيرًا ما يأتي في الدعوات المأثورة عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام سؤال الله الهداية وكذلك التعوذ من الضلال التعوذ من الزيغ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:8] ، وكان من أكثر دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ، حتى قالت له أم سلمة رضي الله عنها : أوإن القلوب لتتقلب؟ قال : ((ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبه كيف يشاء فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه)) فما أحوج العبد إلى ملازمة دعاء الله سبحانه وتعالى ، ولاسيما للهداية إلى الصراط والثبات على الصراط والسلامة من الضلال والزيغ والانحراف ، ما أحوج العبد إلى أن يُكثر من هذه الدعوات وهي كثيرة في المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام . جاء في الصحيحين من دعائه عليه الصلاة والسلام وتأملها دعوة عظيمة : «اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» قال أن تضلني ، فتعوذ بالله من الضلال ، يشرع لك في كل مرة تخرج من بيتك أن تقول «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ، أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» في كل مرة تخرج من بيتك ، فالدعاء هو مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة ، بل لا تنال الخيرات إلا باللجوء إلى الله فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يصرف السيئات إلا هو ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى .
v            الأمر الثالث من الأمور المعينة على الثبات على الصراط المستقيم: تخير الرفقاء الذين يعينون المرء على الخير ويشدون من أزره ؛ فإن الصاحب مؤثر في صاحبه ولابد ، والقرين مؤثر في قرينه ولابد ، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف:28] ، والقرين تأثيره على قرينه تأثير خطير في الخير أو الشر ، ولهذا ضرب النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب المثل المعروف ((مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)) . ولهذا ينبغي على المرء الحريص على الاستقامة والثبات على صراط الله المستقيم أن يحرص على مجالسة أهل الخير وأهل الفضل ، أيضا مجالس العلم والتعليم والتفقيه في دين الله سبحانه وتعالى يحرص على    ذلك حرصا عظيما ، لأن هذه كلها روافد وأمور معينة بإذن الله سبحانه وتعالى للمرء في ثباته على صراط الله المستقيم .
v            كذلك من الأمور المهمة في هذا الباب: أن يحذر من المنافذ ، منافذ الشر كثيرة جدًا مر معنا في الحديث أبواب كثيرة على يمين المرء وشماله ، يحذر من منافذ الشر أن لا تستهويه وأن لا يستجرَّه الشيطان إلى شيء منها أن لا يدخل في تلك المنافذ فيكون من الغاوين الضالين المعرضين ، يحذر أشد الحذر ، منافذ الشر يحرص على أن لا يفتح شيئا منها أن لا يدخل في شيء منها (( يا عبد الله لا تفتح الباب إنك إن فتحته تلجه)) هذا أصل مهم في هذا الباب ، أن يخاطر المرء بدينه فيفتح لنفسه المجال في النظر ينظر إلى ما شاء بدون قيد ولا ضابط ويسمع ما شاء بدون قيد ولا ضابط ثم يريد لنفسه سلامة وثباتا على صراط الله المستقيم !! هذا أمر انفتح على الناس فيه من أبواب الشر في زماننا هذا ما لم يكن لمثله نظير في وقت سابق ، وكم خرج أناس وأناس عن الصراط المستقيم بسبب هذه الأجهزة التي في أيديهم والوسائل الحديثة التي في أيديهم ، كم فُتنوا في دينهم في باب الشبهات وباب الشهوات ؛ فالشبهات التي تفسد العقائد والأدين والشهوات التي تفسد السلوك والعمل ، الشبهات التي تحرف المرء في طريق العلم والشهوات التي تحرفه في طريق العمل ، فهذه الوسائل الحديثة وهي منافذ إلا من حماه الله سبحانه وتعالى ووقاه منافذ عظيمة في الشر وولوجه والدخول إليه، وكم من أناس وأناس فتنوا والعياذ بالله من خلال هذه الوسائل ، ولهذا يحذر المرء من منافذ الشر . العوام عندهم كلمة جميلة تصلح في هذا الموضع كلمة خرجت مخرج المثل يقولون : «الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح» كلام جميل جدا ، هذه المنافذ التي تدخل عليك الشرور والأوبئة والأسقام والشبهات والشهوات ليس من الخير لك أن تبقيها مفتوحة وفي الوقت نفسه تريد السلامة ، مثل الآن لو رأيتم رجل إلى جنب بيته مثلا موضع يحصل منه عفن ويبقي نافذة البيت مفتوحة وفي الوقت نفسه لا يريد العفن يدخل عليه في بيته ، أغلق النافذة حتى لا يدخل العفن ، أيضا هذه المنافذ منافذ الشر أغلقها حتى لا يدخل على قلبك عفن الشبهات والشهوات ، والمنافذ التي يدخل من خلالها إلى القلب الشبهة أو الشهوة السمع والبصر {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78] ، هذه منافذ السمع والبصر يدخل من خلالها إلى الخلق إما ما يصحه أو ما يسقمه ، فليس من الخير للعبد أن يتيح لهذه المنافذ أن تدخِل على قلبه ما تحرفه عن صراط الله المستقيم ويجور به عن صراط الله المستقيم ثم في الوقت نفسه يريد لنفسه سلامةً ويريد لقلبه عافية . ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ! لابد من سلوك المسالك الصحيحة الطرق القويمة .
v            من الأمور التي تعين العبد على لزوم الصراط: تذكُّر الدار الآخرة والوقوف بين يدي الله وتذكر الصراط الذي يُنصب على متن جهنم ، وأن حظ العبد في السير على هذا الصراط بحسب حظه من السير على هذا الصراط الذي في الدنيا ، وإذا كانت في الدنيا شبهات وشهوات تخطف المرء وتحرفه عن الصراط فإن على متن جهنم كلاليب تخطف الناس بأعمالهم نظير الشبهات التي تخطف الإنسان وتجرفه عن صراط الله المستقيم .
ونسأل الله أن ينفعنا أجمعين بما علَّمنا وأن يزيدنا علمًا وأن يصلح لنا شأننا كله إنه سميع قريب مجيب .
وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .

0 التعليقات:

إرسال تعليق