السبيل إلى العزة والتمكين

تفريغ الشريط رقم 170 من سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني رحمه الله


الشيخ : ويقابل هؤلاء الناس ، الذين لا يهتمون بتصحيح العقيدة وتصحيح المفاهيم ، ناس آخرون على عكس هؤلاء تماماً ، يهتمون الاهتمام الواجب في معرفة الحق مما اختلف فيه الناس ، ولكنهم يعادون أشد المعاداة ذلك الجنس الأول ، والحق بين هؤلاء وهؤلاء ، يجب إذاً أن يكون موقفنا تجاه الجماعات الإسلامية ، موقف الأخوة المؤمنة وإذا رأى المسلم في أخيه خطأً بل ولو رأي منه خطيئة فليس ينبغي في حقه أن يعاديه بل عليه أن ينصحه وأن يكون نصحه إياه بالرفق والحكمة المأمور به أو بها في الكتاب والسنة ، (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) وينبغي أن يلاحظ هؤلاء الذين يهتمون بمعرفة الحق مما اختلف فيه الناس ، أن سائر الناس إذا كانوا في خطأ ، فإنما هم كالمرض الذين يجب أن يعالجوا بكل إخلاص وبكل رفق ولا يجوز أن يعاملوا بالشدة والغلظة وفلا جرم أن الله عز وجل خاطب نبيه عليه السلام ، تعليماً لنا : (( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) فدعوتنا إذاً التي تنحصر في إتباع الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، لا تعادي جماعة من الجماعات الإسلامية لأشخاصها وإنما تخالفهم في بعض أفكارها أو مناهجها ، وهذا مما يوجب علينا أن ننصحهم وأن ندعوهم مهما اشتطوا ومهما ابتعدوا عن سبيلنا الذي هو سبيل ربنا .

السائل : هناك ملاحظة يا فضيلة الشيخ ، ألا وهو أن البعض يقول : الفروع موجودة في العقيدة وفي العبادات مثلاً موضوع رؤية الله ، هل هذا من الفروع ؟ أقصد في الدنيا ، هل النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الله في المعراج أو لم يره ؟ هل هذا من الفروع أم من الأصول ؟ إذا كان من الفروع أو من الأصول ، إذا كان من الفروع فهل يجوز قياساً على هذا الاختلاف بين الصحابة في هذه النقطة أن يختلف المسلمون في قضية العرش وبعض ما يتعلق بالأسماء والصفات .
الشيخ : الجواب على هذا السؤال يكون من ناحيتين الأولى : أن هذا السؤال نابع من العرف السائد عند المتأخرين بأن الإسلام ينقسم إلى قسمين أصول وفروع ، هذا التقسيم يجب أن نعلم أنه من محدثات الأمور ، وأنه أمر لا يعرفه الصحابة ، ولا التابعون ولا الأئمة المجتهدون وإنما هذا التقسيم نبع من المعتزلة ثم سرت عدواه ، إلى غيرهم ممن ينتمون إلى جماعة أهل السنة ، ليس هناك في الإسلام شيء اسمه فرع وآخر اسمه أصل ، وهذا على كل حال إن سلم به ، فإنما يسلم به على أنه اصطلاح وليس دينا ، وللناس أن يصطلحوا على ما شاءوا ولكن بشرط أن لا يرتبوا على ما اصطلحوا عليه أحكاماً متباينة ، من هنا يأتي الجواب من الناحية الأخرى ، إذا عرفنا أنه لا فرق بين الأصول والفروع ، بل كل ما جاء في الكتاب والسنة ، يجب إتباعه ويجب محاولة فهمه على الوجه الصحيح ، لا فرق في ذلك بين فرع وأصل ، إذا عرفت هذه الحقيقة سهل علينا الجواب ، وهو الناحية الثانية
الشيخ : يجوز الاختلاف فيما يسمونه بالأصول كما يجوز في الفروع ، لكن أي نوع من أنواع الاختلاف أن ذكرت آنفاً أن هناك اختلافين اثنين ، اختلاف يعود إلى المفاهيم ، كما وقع لأصحاب الرسول عليه السلام ، في قصة الصلاة في بني قريظة ، هذا أمر طبيعي ، واختلاف متعمد مقصود يحمل عليه التكتل الحزبي والتعصب المذهبي ، سواء كان الاختلاف من هذا النوع الثاني ، فيما يسمونه في الفروع أو في الأصول فهو مما نهى رب العالمين في كتابه الكريم ، في آية سبقت : (( فلا تنازعوا ولا تفشلوا )) ، بخلاف الاختلاف الآخر ، الذي ينتج من الاختلاف في الفهم ، فسواء كان هذا الفهم فيما يسمونه أصلاً ، أو يسمونه فرعاً ، فالمختلفون في ذلك معذورون
الشيخ : إذاً حينما نريد أن نجيب عن مثل هذا السؤال فيجب أن نتذكر أن الاختلاف اختلافين ، اختلاف مذموم ، واختلاف غير مذموم ، لا أقول ممدوح ، يجب أيضاً أن نكون دقيقين فهماً وتعبيراً ، إذا كان الاختلاف اختلاف فهم ، فهو اختلاف غير مذموم ، سواءً كان في العقيدة أو في الأصول حسب الاصطلاح المذكور أو كان في الفروع ما يضر مثل هذا الاختلاف إطلاقاً ما دام أن السبب الحاصل عليه إنما هو اختلاف أفهام الناس في فهم النصوص ، أما إذا كان الاختلاف إنما يحمل عليه تحزب وتكتل وتعصب فهذا ممقوت ومذموم سواء كان في الفروع أو كان في الأصول إذاً الاختلاف المقصود والذي لا يحاول أصحابه الخلاص منه فهو كله مذموم ، فروعاً وأصولاً والعكس بالعكس ، الاختلاف فيما يسمونه في الأصول وفي الفروع دون تعصب ودون تحزب وإنما نشأ ذلك بسبب الاختلاف في الأفهام ، فهذا أمر جائز في الإسلام بناء على القاعدة العظيمة المقررة فيه ، (( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها )) فإذا عدنا إلى المثال المطروح في تضاعيف السؤال ، أن أصحاب الرسول عليه السلام اختلفوا في كون الرسول عليه السلام رأى ربه ليلة الإسراء والمعراج أو لم يره ، فعلاً اختلفوا ، فيتوهم بعض الناس ، وهنا تأتي النكتة التي قلناها آنفاً لا بأس في أن يصطلح الناس على بعض الاصطلاحات لكن بشرط أن لا تبني أحكاماً على هذه الاصطلاحات هي أحكام مخالفة للشريعة ، فهنا يقول بعض الناس لا نستطيع أن نقول أن الرؤية رؤية الله التي اختلف فيها أصحاب الرسول فضلاً عمن بعدهم ، رؤيته لربه هي مسألة فرعية أو مسألة حكمية ، وإنما هي مسألة أصولية عقائدية ، فإذاً لماذا يأتي السؤال هنا الذي نشأ منه توجيه هذا السؤال ، لماذا تنكرون على الماتريدية ، وعلى الأشاعرة ؛ لأنهم تبنوا عقائد أو أصولاً تخالف ما كان السلف الصالح والسلف الصالح أنفسهم اختلفوا في بعض هذه الأصول في بعض هذه العقائد ، والاختلاف في زعم هؤلاء الذين قسموا الشريعة إلى أصول وفروع يقولون إنما يجوز الاختلاف غي الفروع ، دون الأصول لكنهم في الواقع يصطدمون بالواقع فيرون الصحابة اختلفوا أيضاً ليس في الفروع بل وفي الأصول فاستغلوها فرصة ليبنوا على ذلك الإنكار على الذين ينكرون على الذين يخالفون السلف في فهمهم لبعض الآيات المتعلقة بصورة عامة بالأمور الغيبية منها مسألة رؤية الرسول عليه السلام لنبيه ليلة الإسراء ، ومنها : (( الرحمن على العرش استوى )) فنحن نقول كما ننكر الاختلاف في هذه الأمور التي يسمونها أمور أصول وعقائد ، لا فرق عندنا نحن ننكر هذا الاختلاف ، كما ننكر اختلافهم في تعصبهم لقولهم هذه الصلاة صحيحة ، وأولئك يقولون باطلة ، هذا الوضوء صحيح ، وآخرون يقولون غير صحيح ونحو ذلك . كل ما كان مخالفاً للكتاب والسنة ، فنحن ننكره ونعود في ذلك ، إلى الكتاب والسنة ، بضميمة الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح ، وذلك لأنهم كانوا أطهر وأنقى الناس قلوباً وأذكاهم فهماً إلى آخر ما هناك من صفات معروفة فيهم ، من ذلك أنهم كانوا أقرب عهداً بالقرآن وبحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، إذاً خلاصة الجواب من الخطأ التفريق بين مسألة وأخرى ، بدعوى هذه من الأصول وهذه من الفروع ، وما دام أن الصحابة اختلفوا في الأصول ، فيجوز أن نختلف في الأصول ، جوابنا إذا كان الاختلاف في الأصول ناشئاً عن فهم خاص ، وليس عن تعصب لعقيدة معينة أو مذهب معين فهذا جائز ، ومن هذا الباب اختلف أصحاب الرسول عليه السلام في تلك المسألة التي ذكرها السائل كمثال وهي : هل رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه ، منهم من قال رآه ، ومنهم من قال لم يره ، ولكن ما الذي يقصده هؤلاء حينما يقولون ما دام أن الصحابة اختلفوا في الأصول في حد تعبيرهم ، فإذاً لماذا تنكرون الاختلاف علينا نحن المتأخرين بحجة أن هذا اختلاف في الأصول فقط ، نقول نحن ننكر لا لأنه اختلاف في الأصول وحده وإنما نحن ننكر الاختلاف كله ما دام صار مذهباً متبعاً ، سواء كان في الأصول أو كان في الفروع ، ونقر الاختلاف الصادر عن الإخلاص وعن الحرص في فهم النص من الكتاب والسنة ، فهماً صحيحاً ، ومع ذلك اختلفت المفاهيم ، فنحن نقر هذا ، ولا ننكره ، ومعنى نقره أي لا نتخذ الذين يخالفون رأينا في هذه المسألة التي يسمونها من العقائد لا نتخذهم أعداء وخصوصاً لنا ؛ لأنهم خالفونا باجتهاد منهم ، لكننا ننكر التعصب المذهبي بصورة عامة سواء كان هذا التعصب متعلقاً بالأصول أو الفروع ، هذا أظن جواب سؤالك هذا .
السائل : هناك البند الأخير موضوع الألوهية والربوبية ، هل هذا نص في الإسلام أو اجتهاد من ابن تيمية أو غيره ، وهل المسلم ملزم بأن يدرس التوحيد بهذه الصيغة ، أو له أن يدرس التوحيد بصيغة مختلفة على أن تؤدي إلى نفس النتيجة .
الشيخ : إذا صح سؤال السائل ، فإذا كنا نعتبر أن تقسيم بعض العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام هذه وسيلة ، وليس الأمر كذلك في اعتقادي فنحن نقول بأي وسيلة على المسلم أن يفهم شهادة أن لا إله إلا الله ، التي أمر الله بفهمها بنص القرآن الكريم : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) لكن ما هي الوسيلة التي يريدون بها ، حينما يقولون أم هو ، يفهم التوحيد بأي وسيلة كان .
السائل : عفواً شيخ هذا الاستفسار من عندي شخصياً .
الشيخ : من عندك ؟
السائل : نعم .
الشيخ : نقول سامحك الله .
السائل : آمين .
الشيخ : فإذاً ممكن أن نتحاور معك في هذا الموضوع ، كيف يمكن الوصول إلى فهم هذه الشهادة وهذه الكلمة الطيبة ، بوسيلة أخرى غير وسيلة التقسيم الذي شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، الحق والحق أقول : ابن تيمية لم يأت بشيء جديد ، توحيد الربوبية منصوص عليه في القرآن ، توحيد الألوهية ، توحيد الصفات ، كل هذه الأشياء منصوص عليها في الكتاب والسنة ، ولكن ابن تيمية أوضح هذه المعاني بتفسير نصوصها من الكتاب والسنة فصار لزاماً على المسلم أن يتبناها بهذا الإيجاز ؛ لأنه ليس كل مسلم يستطيع أن يفهم مثلاً نص توحيد الربوبية من أين جاء نص توحيد الألوهية أو العبادة من أين جاء توحيد الصفات من أين جاءت عامة الناس المكلفين بفهم شهادة التوحيد ؟ هم لا يستطيعون أن يفهموها إلا بطريق أهل العلم ، إذا غضضنا الطرف عن تقسيم ابن تيمية موضحاً لنصوص الكتاب والسنة التي استخلص منها هذه الأنواع الثلاثة من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ، ما هي الوسيلة التي يمكن أن نتصور لنصل إلى فهم هذه الحقيقة ، حقيقة لا إله إلا الله ، نحن نضرب مثلاً الآن ، كثير من الخلف ومن المتمسكين لبعض المذاهب العقائدية لا يرون حرجاً مطلقاً في أن يقول قائلهم في أناشيدهم التي يسمونها بالأناشيد الدينية         " فإن من جودك الدنيا وضرتها                       ومن علومك علم اللوح والقلم "
، قول هذا القائل وأصبح قوله ديناً متبعاً أصبح قوله أمراً مقرراً غير منكر ، بل أصبح قولاً يتبركون به ، ويحاولون الاستفادة من تلاوة هذه القصيدة ، ووضع كوز من ماء ، ليحل في هذا الماء ، بركة هذا الكفر أو هذا الشرك ، في هذا الماء فيسقى المرضى ليحصلوا على الشفاء ، هذا النوع يا تُرى إذا تركنا هذا الاصطلاح ... لكن ماذا نستطيع أن نقول إذا تركنا هذا الاصطلاح .
السائل : نقول ... مثل ما قال عليه السلام : ( ويحك أجعلتني نداً لله ) نقول له لا يجوز لو فصلنا هذا التفصيل ، قام في كل واحد من هذه البنود الثلاثة الربوبية والألوهية ...
الشيخ : نحن سميناه شرك ، نحن ما اختلفنا في هذا ، لكن هل هذا شرك يساوي شرك من أشرك بالله في عبادته ، الذي سجد للصنم شأنه شأن الذي اعتقد بأن نبيه يعلم الغيب ؟ لاشك هذا شرك ، وهذا شرك ، هذا كفر وهذا كفر ، لكن بلا شك الذي يدرس الكتاب والسنة يفهم أن هذا النوع من الشرك غير هذا النوع من الشرك ، أنا أستغرب هذا السؤال في الحقيقة وأستغرب أكثر قولك أن هذا صادر منك ومع تصديقي لك أقول هذا ليس صادرا منك لكنه صادر من الجو الذي تحيى فيه أنت ، هو هذا أكيد ، وإلا كيف يمكن لإنسان يفقه الكتاب والسنة أن يقنع فقط ، أن يقول هذا شرك .
السائل : عفواً شيخنا ، ممكن العلماء مثلاً يدرسون التفاصيل هذه ، ولكن اسأل في عامة المسلمين ، مثلهم أن يدرسوا هذا التفصيل ...
الشيخ : أخي عامة المسلمين نحن ذكرنا سلفاً ، عامة المسلمين ، لا يستطيعون أن يفهموا مصادر هذه الأنواع الثلاثة لكن عليهم أن يفرقوا بين شرك الربوبية وهو جحد الإله عز وجل ، كالشيوعية والدهريين وأمثالهم ، وبين شرك العبادة أن يسجد لعبد مخلوق مثله وبين شرك الصفات الذي يقع فيه كثير من الصالحين ، والسبب لأنهم لم يفهموا أن هذا شرك وهو من نوع شرك الصفات وليس شرك العبادة أو شرك الربوبية ، ثم أعود لنقول ماذا نقول في مثل قوله عليه السلام : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) هل نقول أشرك وانتهى الأمر ، يعني ندع العامة يفهمون النصوص على جهلهم وأنت تقول هل هم مكلفون أن يدرسوا ؟ نحن نقول لا ، عليهم أن يفهموا وهم لا يستطيعون أن يدرسوا ولكن بناء على ما نسمع نحن من بعض الناس أنه هذا التقسيم أنتم أوجدتموه ، طيب ، نحن أوجدناه ، ماذا تقولون فيمن يقول :
" فإن جودك الدنيا وضرتها     ومن علومك علم اللوح والقلم "
قال صاحبنا وبس هو ما يستطيع أن يخالف عقيدته ، لكن لا يمثل الآخرين الذين ابتلي بمصاحبتهم أو مجادلتهم ، قال هذا شرك وصدق لكن أولئك من الصعب جداً ، أن تأخذ منهم هذا الاعتراف ثم إذا سلموا لك وقالوا لك كما قلت هل فهمت أنهم فهموا هذا الشرك فعلاً ، أم قالوا لك هذا الشرك جدلاً ، كما لو قالوا لك ، وحياة رأس أبوك ، يقولون لك شرك ، طيب ، شرك لكن في الواقع هم يقرونه ، ولا يهتمون بإنكاره إطلاقاً ، كذلك يقرون هذه الأناشيد التي فيها هذا النوع من الشرك فإذاً أريد أن أقول إذا لم يفهم العامي معنى الشرك وأقسامه ، ربما خلط بين ما اصطلح على تسميته ، وأعود لا قول لا مشاحة في الاصطلاح إذا لم نخالف شرعاً ، ماذا يقولون في تقسيم العلماء وأظن أنهم لا يخالفون في هذا التقسيم ، كما هم يخالفون في تقسيم التوحيد إلى ثلاث أقسام : شرك أكبر وشرك أصغر ، هل يسلمون بهذا فيما تعلم منهم .
السائل : يسلمون .
الشيخ : حسناً ، هل في  الكتاب والسنة ، ما يسمى بشرك أكبر وشرك أصغر ؟ طبعاً لا ، لا يوجد هذا ، إذاً كيف يسلمون ، بتقسيم الشرك ، إلى شرك أكبر وأصغر مع اعترافهم ، ونحن نشهد معهم ، أنه فعلاً ما نجد في الكتاب هناك شرك موصوف بأنه شرك أكبر وهناك شرك موصف بأنه شرك أصغر ، هذا أولاً وثانياً : ما نجد في الكتاب تفصيل الشرك الأكبر لأجزاء وأجزاء وما نجد تفصيل الشرك الأصغر أيضاً أجزاء وأجزاء وإنما هذا من فهم العلماء فهماً صحيحاً ، من كتاب الله ، ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سلموا إذاً معنا في تقسيم الشرك إلى أكبر وأصغر مع أنه لا يوجد عندنا أولاً هذا التقسيم ولئن وجد جدلاً فلا يوجد عندنا تفصيل الشرك الأكبر هو كذا وكذا وكذا ، والشرك الأصغر هو كذا وكذا ، فهل نحن حينئذٍ نخلط بين الشركين ، فإذا ما حلف إنسان بأبيه أو بجده أو برأسه ، أو ما شابه ذلك في الأيمان المحرمة ، هل مجرد نقول بمجرد حلف بغير الله ، اشرك وارتد عن الدين ؟ لا ، نحن عندنا تفصيل إن ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) تارةً يكون مشركاً مرتد عن دينه ، وتارة يكون مشركاً شركاً لفظياً ، وهذا أيضاً يذكرنا بتقسيم الكفر ، وتقسيم الشرك إلى قسمين آخرين ، كفر اعتقادي ، وكفر عملي ، شرك اعتقادي وشرك عملي ، ما في الكتاب والسنة ، يعني معنى هذا الموقف باختصار : إنكار جهود العلماء بصورة مطلقة في تقريبهم نصوص الكتاب والسنة أصولا كما يقولون أو فروعاً ، فيا سبحان الله ! إنه موقف عجيب غريب ، لا ينكرون تعمق بعض العلماء في تفصيل الفروع إلى درجة أنهم تعرضوا لبيان بعض الفروع التي هي خيال لا يمكن تصور وقوعها ، والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جدا ، وبعضها مما يستحي المسلم من ذكرها خجلاً ، أنا أذكر مثالين : مثال لهذا ومثال لنقابله ليس فيه شيء من هذا الاستحياء ، ولكنه مستحيل ، إذا مات رجل وخلف سبعين جداً ، فكل جد كم يرث ، كم حقه ؟ إيه سبعين جد ممكن نصل لآدم في سبعين جد ، إيش الخيال هذا ، ما أنكر هذا النوع من التفريع ، وإذا أنكر على الخلف ، قالوا هذا من باب تشحيذ الأذهان ، لكني ما بالكم إذا قال قائلهم وهذا المثال الثاني الذي يستحى من ذكره ، إذا جلس الرجل من زوجته وأدخل عضوه فيها فانشطر عضوه قسمين ، قسم دخل فيها وقسم خرج منها ، فهل يجب عليه الغسل أم لا ؟ -يضحك رحمه الله- هذا التفريع لا أحد ينكره من هؤلاء الخلف أما لماذا تقسيم التوحيد  إلى توحيد الربوبية والألوهية والصفات ، لماذا تقسيم الشرك إلى كبير وصغير ؟ لماذا تقسيم الكفر إلى كفر اعتقادي وكفر عملي ؟ ... فهذه مشكلة عويصة جداً ، لإقرار هذا الخلاف الموجود اليوم ، بين الناس ؛ ولذلك صح فيهم قول العامة : " كل مين على دينه الله يعينه " أما فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق ، فهذا أمر لا يتمثلون به لعلي أجبتك ؟
السائل : نعم جزاك الله خيراً .
الشيخ : وأنت كذلك . خل الدور لغيرك
الطالب : القضية أن الذين جاءوا بهذا التقسيم ، في الواقع ما جاء من فراغ مثل ما تفضل الأستاذ إنما هم مسبوقون يعني ككثير من الكتاب كأبي غدة وغيره ، وواحد اسمه مرزوق الميداني أو كذا ، في كتابه براءة الأشعري ، تكلموا في هذه القضية وردوها ، وفي الواقع ردهم لهذا جاء نتيجة عملية المشاحنة التي بينهم وبين شيخ الإسلام فقط لا غير ، وبين ... والسلفيين بشكل عام ، مع أن شيخ الإسلام مسبوق بهذا بابن منده ، ابن منده في كتاب التوحيد له مثل هذا التقسيم والدكتور الفقيه المحقق للكتاب أتى بتاريخ فعلي للقضية وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام ، وأثبت أن شيخ الإسلام مسبوق بهذا وليس وحيداً ، ولو كان ليس بمسبوق ، فالأمر كما تفضل شيخنا .
السائل : ...
السائل : ... لا أدعي لأحد العصمة بعض العلماء بعده نظروا في هذا الاجتهاد ، وارتاحوا إليه ، خاصة السنيين منهم ، فهذا هو الأساس قبولهم لهذا التقسيم ، وليس تقليدهم لابن تيمية .

السائل : ثاني ...
الشيخ : ثاني في تحريف ...
السائل : ذاك الأول ما هي نصيحتكم إلى الملتزم الجديد فيما يتعلق بثقافته حول العالم الخارجي الحضارات الأخرى التي تعيش من حولنا أثابكم الله ، ومدى تضلعه في هذه الحضارات ؟
الشيخ : والله الذي أعتقده أن واجب المسلم أن لا يغتر بما يسمونه بالحضارة اليوم ، وإن كنت أعلم مع الأسف الشديد أن كثيراً من الإسلاميين اغتروا ، وصاروا يلحون على المسلمين أن يتحضروا ، وأن يعني يأخذوا بالأسباب التي أخذ بها الغرب حتى تحضروا هذه الحضارة المادية ؛ لا أرى من الصواب أن يهتم المسلم بهذه الحضارة المادية لأن المسلم خُلق لغاية في هذه الحياة الدنيا فعليه أن يسعى لتحقيقها وهي أن يعبد الله تبارك وتعالى إعمالاً لقوله عز وجل : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ولا شك أن هذه العبادة ليست كيفية بمعنى أن كل إنسان بغض النظر عن كونه مسلماً أو غير مسلم ، الآن الكلام بصورة عامة للبشر : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ليس المقصود بهذه العبادة أن يعبد كل فرد من الأفراد البشرية أن يعبد الله كما يتسنى له ، أو كما يخطر على باله أو كما ورث ذلك من آبائه وأجداده ، وإنما عليه أن يعبد الله ، كما شرع الله وحينذاك إذا تنبهنا لكون العبادة ، ينبغي أن تكون بهذا القيد : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ،  ليعبدوني على ما شرعت لهم وذلك لا يكون إلا بأن يكون مسلماً لله ولرسوله ، هذا أولاً ، وثانياً : لا يكون هذا الإسلام ، متحققاً في ذاك المسلم الذي يريد أن يحقق هذه الحكمة البالغة من خلق الله عز وجل للجن والإنس ، ينبغي أن يهتم كل الاهتمام بأن يفهم كيف تكون عبادة الله - عز وجل - ليحقق هذه الحكمة القرآنية ، وفي اعتقادي أن المسلم إذا توجه لتحقيق هذه الغاية التي من أجلها خُلق الثقلان ، فذلك سوف لا يفسح له مجالاً أن يفكر فيما يسمى اليوم بالحضارة الغربية ، وبخاصة أن هذه الحضارة لم تختص بمفهومها فيما قدمت إلى البشرية ، من خدمات جلية جليلة ، لا يمكن إنكارها فيما يتعلق بالطب ، وما يتعلق بتجسير الطرق ونحو ذلك فحدث عن هذا النوع ولا حرج ، لكن الحضارة لا تعني فقط هذه الفوائد المادية وإنما تعني منطقاً خاصاً حملهم على هذا التخصص إلا من ذلك قولهم وإعلانهم بوجوب فصل الدين عن الدولة ولذلك تورط كثير من المسلمين الذين لم يفقهوا بطبيعة الحال إسلامهم ودينهم ، رغبوا وكثيراً ما نقرأ مثل هذه الإدعاءات في جرائد اسلامية  رأوا ان يقلد المسلمين الأوروبيين والأمريكان في أن يفصلوا الدين عن الدولة ، الدين عن الحكم ، ويتمثلون بما ينقلونه عن الإنجيل " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " الحق وهذه حقيقة لا تخفى على العلماء في هذا العصر أن الأوروبيين ما نهضوا هذه النهضة المادية ، إلا حينما ابتعدوا عن دينهم ، لا أقول حينما ابتعدوا عن الدين وإنما حينما ابتعدوا عن دينهم وحُق لهم ذلك لأن دينهم الذي دخل فيه التحريف في الأصل من التوراة والإنجيل انحرف بهم عن مقتضى العقل السليم وعن الاستفادة من العلوم الكونية والطبيعية ولذلك رأوا أن لا مناص لهم من أن يبتعدوا عن نصوص الدين عندهم وأن يعملوا بمقتضى عقولهم فنجحوا في جانب وهو الجانب المادي اللي يسموه العلم الحضاري ويغتر به كثير من المسلمين ، علماً أن كثيراً من الكتاب الأوروبيين يعترفون أن أصل ما عندهم من الحضارة النافعة ومن الرقي العلمي الطبي ونحو ذلك ، فإنما استفادوه من علماء المسلمين ، هؤلاء المسلمون حصلوا تلك العلوم تجاوباً منهم مع الكتاب والسنة ، فالسنة والكتاب لا يحارب كل منهما العلم الذي يُعتمد فيه على توجيه الله عز وجل ، لما ينفع الناس ، كيف ومن نصوص السنة ، قوله عليه السلام : ( خير الناس أنفعهم للناس ) ، وقوله : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ولا يُقصر ) ، ولذلك فالإسلام باختصار أقول : يأمر بالأخذ بكل الوسائل الممكنة التي تحقق سعادة للبشرية كالمحافظة على الصحة والمحافظة على المال والمحافظة على النظام ، ونحو ذلك ولكن بشرط في حدود الإسلام ، وليس انفلاتاً من الإسلام كما هو شأن الغربيين ؛ لذلك لا يجوز لنا أن نغتر بالمدينة الغربية ، أو الحضارة الغربية ؛ لأنه فيها ما ينفع ، وفيها ما يضر وهو الأكثر ، (( ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه )) فشرهم أكثر من خيرهم ، إذا ما اتبع المؤمن سبيلهم أما إذا أخذ منهم وترك ، أخذ ما لا ينافي الإسلام ولا يخالفه ، فهذا أمر جيد وطيب ، والإسلام قد خطط لنا شيئاً يدلنا على هذا ، ويدع لهم ضلالهم وكفرهم وتبرجهم وعريهم وعدم اهتمامهم بالأخلاق والأعراض ونحو ذلك ، مما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما قد يكون له علاقة في بعض جوانب هذا الجواب ، جاء في صحيح البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ، ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس جبة رومية ضيقة الكمين ) وصفت هذه الجبة بأنها رومية أي من صنع الرومان ، فما كان ذلك ليمنع الرسول عليه السلام من أن يتخذ لباساً من هذا النوع ؛ لماذا ؟ لأنه ليس فيه الأخذ بكل عادات وتقاليد الكفار ، كما يريد بعض الناس اليوم ممن لم يفقهوا دينهم ، أو تبرأوا من دينهم أن نأخذ المدينة الغربية ، أو الحضارة الغربية من ألفها إلى يائها فنحن نأخذ كما قلنا بناءً على هذا الحديث ما ينفعنا في أمور دنيانا ، أما ما يتعلق بالثقافة الفكرية والعقلية فهذا يجب أن نقف عند حدود الشرع كما جاء في قصة " اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط " مر عليه السلام في سفر له مع أصحابه بشجرة ضخمة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم ، فقال بعض أصحابه ويبدوا أنه كان حديث عهد بالإسلام ، لم يتفقه بالإسلام لم يعرف قواعده وأصوله ، قال هذا البعض يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الله أكبر ، هذه السنن ) وفي رواية : ( هذه السنن ، لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة ) انظروا الفرق بين قول اليهود لموسى وقول بعض أصحاب الرسول للرسول ، اليهود يطلبون تحقيق الشرك ، اجعل لنا إلها نعبده من دون الله ، كما لهم آلهة ، أصحاب الرسول هذا البعض منهم لم يزد على قوله اجعل لنا شجرة ، مثل : إذا قال القائل اجعل لنا خزانة نعلق عليها أو فيها ثيابنا ، مع ذلك ما رضي الرسول عليه السلام ، هذه الكلمة لأنها في اللفظ ، وهذا هو الشرك اللفظي ، باللفظ يشبه قول أولئك (( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )) اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فعظم الأمر على الرسول عليه السلام ، وقال : ( الله أكبر ، هذه السنن ) كما أشار في الحديث في صحيح البخاري : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) فإذا ً نحن لا يجوز لنا نتبع الأوروبيين في حضارتهم لأنها ليست فقط حضارة علمية صناعية ، بل هي قائمة على الكفر ، والابتعاد عن الأديان كلها وحق لهم أن يبتعدوا عن أديانهم لأنها محرفة ، ولا تؤدي إلى سعادة الناس في الدنيا ، فضلاً عن سعادتهم في الآخرة ، ولذلك نختم هذه الكلمة ، يقول الرسول عليه السلام لعمر بن الخطاب لما رأوه وفي يده صحيفة ، قال : ( ما هذه ؟ ) ، قال : " هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود " ، قال عليه الصلاة والسلام : ( أومتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ ! والذي نفس محمد بيده ، لو كان موسى حياً ، ما وسعه إلا إتباعي ) ، فإذاً نحن لا نتبع نظاماً ، ولا حضارة ولا أي شيء ، وإنما حسبنا كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك الخير كله ، إن شاء الله .
السائل : هنا ملاحظة بسيطة جداً ، السؤال يشمل دراسة الحضارات الأوروبية ، مش دراستها من أجل ...
الشيخ : إذا كان المقصود بالسؤال أيضاً الدراسة ..
السائل : عفواً ، يشمل فقط معلش جزاك الله خير ..
الشيخ : معليش ، أقول دراسة الحضارة الغربية ، كدراسة الكتب التي يسمونها بغير اسمها ، بالكتب المقدسة ، هذه الدراسة نحن نقرها ، نعم ، نحن نقرها لكن بشرط قلما يتحقق ، هذه الدراسة للحضارة الغربية ، بأفكارها وتاريخها ومنهاجها وإلى آخره ، فضلاً عن دراسة الكتب المحرفة التي عندهم ، هذه لا يجوز لمسلم أن يدرسها ، إلا بعد أن يتمكن في فهمه لشريعة دينه ، وإلا كان معرضاً نفسه للخطر ، وإذا كان الرسول  عليه السلام مخاطباً لعمر الفاروق بقوله : ( أومتهوكون أنتم ، كما تهوكت اليهود والنصارى ) إلى آخر الحديث . فماذا نقول لشاب لم يدرس الشريعة مطلقاً . وإنما درس شهادة ثانوية شهادة ماجستير أخذ مثلاً دكتوراه في علم الاقتصاد ، أو علم آخر من علوم الدنيا . لا ننكر نحن هذه العلوم ، لكن يجب أن تكون على ضوء الكتاب والسنة ، وهذا أبعد ما يكون في واقع في العالم الإسلامي اليوم . لذلك فدراسة هذه الحضارات أعتقد أنا أنها من الواجبات الكفائية . ولكن من الذي يقوم بها ؟ من كان متمكناً في معرفته لدينه وأحكام شريعته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السائل : جزاك الله خيراً .

أبو ليلى : شيخنا نحن كنا في حديث عن المسلم والمؤمن .
الشيخ : أينعم .
أبو ليلى : لو شيخنا تبين لنا ذلك ؟
الشيخ : الحقيقة التي لا تخفى على عالم . أن هناك فرقاً بين الإسلام وبين الإيمان . وبينهما كما يقول الفقهاء عموم وخصوص . أي كل مؤمن مسلم . وليس كل مسلم مؤمن . كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمن لماذا ؟ لأن الإيمان هو الاعتقاد فهو أمرٌ قلبي ، أما الإسلام فهو أمرٌ عملي ظاهر ، أما الإسلام فهو عملٌ ظاهري عمل الجوارح . الإيمان قلبي باطني غير ظاهر . أما الإسلام فهو ظاهر عملي فيظهر ، فقد يمكن أن يسلم بعض الناس ، لمصلحة شخصية ، هذه مصلحة تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان . في الزمن الأول زمن قوة الإسلام ، التي نبع منها تشريع خاص . من ذلك قوله عليه السلام : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم وحسابهم الله ). فإذا قالوا لا إله إلا الله ، عصموا بها دمائهم وأموالهم أما حسابه فيكون عند الله يا ترى قالوها عن عقيدة وعن إيمان  أم عن خوف قتل ، خوف دفع جزية ، أو ما شابه ذلك . لذلك كان الإسلام غير الإيمان فالإسلام عمل ظاهري ، والإيمان عمل باطني . فإذا عرفنا هذه الحقيقة وهي منصوص عليها بكتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في نصوص كثيرة من أشهرها قوله تعالى : (( قالت الأعراب آمنا )) . إذاً الأمر الإلهي : (( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )) . هؤلاء أسلموا وتظاهروا بأنهم يشهدون بأن لا إله إلا الله . ويقومون إلى الصلاة . لكن ربنا علم منهم أن الإيمان بعد ما دخل إلى قلبوهم . فهؤلاء مسلمون ، أي قد يكونون منافقين في قلوبهم ، لكنهم مسلمون ، في أعمالهم . ولذلك فمن كان مؤمناً حقيقةً في قلبه فهو مسلم ، ولاشك ولا عكس ، أي ليس كل مسلم مؤمن . لذلك أنا استنكرت قول ذلك الشاب . إنه أنت لما بتقول أنا مؤمن . لا أنت مسلم وليس بمؤمن . فلما قال لك ذلك الإنسان لا أنت لست بمؤمن أنت مسلم . كنت مستحسن أن تعكس عليه السؤال . فأنت مؤمن أم مسلم . إذا قال مؤمن طيب شو بكون الفرق بيني وبينك . لماذا تنكر عليَّ قولي أنا مؤمن . هو في الواقع بدا لي من هذا السؤال ، ومن بعض المناقشات التي جرت بينك وبينه ، أنه هذا سامع كلمات وجد بعض الكلمات من بعض المحاضرات أو بعض الدروس ومش مستوعبها . يوجد عند علماء السلف هذا الحديث ، أنه إذا سئل الإنسان هل أنت مؤمن . بقول أنا مؤمن إن شاء الله . بينما ناس آخرين بقولوا لا . لا تقول إن شاء الله قل أنا مؤمن . أجزم وجهة نظر الذي يقول أنا مؤمن إن شاء الله . ليس هو الشك في إيمانه . أنا وأنت كل واحد يعرف نفسه أنا مؤمن بالله ورسوله وما جاء في كتاب الله ، وسنة رسوله . فلما المسلم حقاً يُسأل مثل هذا السؤال . المنهج السلفي بقول له لا تقول أنا مؤمن جزماً وحقاً . لكن قل أنا مؤمن إن شاء الله . لماذا ؟ لأن الإيمان ليس هو مجرد الاعتقاد . وإنما يضاف إليه العمل الصالح . لذلك إذا ذكر الله الإيمان قرن معه العمل الصالح . (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) ولذلك من المقرر عند علماء السلف أن العمل الصالح من الإيمان . بينما الذين يسمون بالماتريدية هؤلاء يقولوا العمل الصالح لوحده والإيمان وحده . أي العمل الصالح ليس له علاقة بالإيمان . عرفت هكذا يقولون وهذا بلا شك خطأ . وبنو على هذا الخطأ خطأ ثانيا . وهو هذا الماتريدي إذا سُئل هل أنت مؤمن . فبقول أنا مؤمن حقاً لماذا ؟ لأنه هو يتكلم عن العقيدة ، ما يعني العمل الصالح . لأنه يقول إن الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح . صحيح العمل الصالح فرض واجب . لكن لا يدخل في مسمى الإيمان . بينما عند الجمهور ، الإيمان من معانيه العمل الصالح ، من هنا يختلف الجواب ، اللي يقول الإيمان هو الاعتقاد الجازم . فيسأل فيقول أنا مؤمن حقاً . أما اللي يعتقد أنه من الإيمان العمل الصالح . فبقول لك أنا مؤمن إن شاء الله ، لأنه ما بعرف أنه هل هو قائم بحق هذا الإيمان ..
أبو ليلى : أو لا .
الشيخ : نعم . هذا الشاب يمكن سامع أن السلف ما بقول أنا مؤمن حقاً ، بقول مؤمن إن شاء الله فهو فسرها أنه لا تقول مؤمن مطلقاً ، وإنما قل أنا مسلم ، أنت بتقدر تقول عن إنسان مسلم إذا شككت في إيمانه مثل المنافقين الذين كانوا في زمن الرسول . وما أظن هو يريد أن يتهمك بالنفاق ، ولذلك كنت مستحسنا جداً أنك تقول له مؤمن . هذا السؤال أنا أجبتك عليه شو جوابك عليه إذا قلت لك هل أنت مؤمن . فإذا قال لك أنا مؤمن بتكون كشفته أنه يتهمك بالنفاق . يعني بقول لك أنت كافر تظهر الإسلام . وإذا قال لك أنا مسلم ولم يقل أنه مؤمن . يتحقق أنه هو مش فاهم القضية وبكون هو أخذ رؤوس أقلام . من قول السلف أنا مؤمن إن شاء الله ، وإذا ما بقول أنا مؤمن . فأنت لما بتقول له أنا مؤمن . كنت مخطئ عنده لكن ما هو الصواب لازم تقول أنه أنا مسلم لا الجواب الصحيح أنا مؤمن إن شاء الله . أما إذا كنت قصدت أو فهمت من سؤال السائل ، هل أنت تعتقد اعتقاد جازم بالإسلام والقرآن والسنة وإلى آخره . فقلت نعم أنا مؤمن . ما في مانع من هذا الجواب ، لكن لما يُسأل سؤالاً مطلقاً ، هل أنت مؤمن ؟ الجواب السلفي : أنا مؤمن إن شاء الله . لأنه داخل في مسمى الإيمان ، العمل الصالح . هذا السائل لما سألك هل أنت مؤمن . ما ندري ما قصد . فأنا أخشى ما أخشى أحد شيئين وأحلاهما مُر . الشيء الأول أنه يتهمك بالكفر . ولذلك بقول لك لا أنت مش مؤمن أنت مسلم . الشيء الثاني اللي ممكن يقصده هو هذا المعنى يلي ما يقوله عالم لأن السلفيين أتباع أهل الحديث ، يقولوا أنا مؤمن إن شاء الله . الماتريدية يقولون أنا مؤمن حقاً . فهو شون بنكر هذه وبنكر هذه .
أبو ليلى : لا هذه ولا هذه .
الشيخ : لا هذه ولا هذه لذلك قال لك قول أنا مسلم . فيعاد عليه السؤال أنك أنت سألتني كذا ، وقلت لي لا أنت لازم تقول أنا مسلم ، فأنت شو بتقول ، بتبين حينئذٍ شو قاصد بهذا السؤال .
صب شاي واشرب وتحل وكل وتحل وزيد .
أبو ليلى : شكراً شيخنا .


الشريط بصيغة mp3 

المصدر : ( من هنا )

العودة إلى قائمة الأشرطة

0 التعليقات:

إرسال تعليق