السبيل إلى العزة والتمكين

تفريغ الشريط رقم 189 من سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني رحمه الله

السائل : بسم الله الرحمن الرحيم : ما الفهم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أبردتم إليَّ بريداً فابعثوه حسن الوجه ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .؟ وما الحكمة من اختيار الوجه الحسن.؟ وهل لذلك علاقة بالتفاؤل أو التشاؤم.؟.
الشيخ : نعم. كون الرسول الذي يرسل بريداً وحض الرسول عليه السلام أن يكون حسن الوجه هو من باب التفاؤل، وليس معنى ذلك تفضيل من كان حسن الوجه عند الله عز وجل على من كان قبيحه، وإنما هذا من باب التفاؤل، وكما قيل : " تفاءلوا بالخير تجدوه ".
والتفاؤل أمر مرغوب فيه، بخلاف التشاؤم فهو من هذا القبيل، ولا يعني تفضيل حسن الوجه على قبيحه؛ لأن التفاضل عند الله تبارك وتعالى إنما يكون بالعلم النافع والعمل الصالح، وهذا معنى قوله تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) .
أو ما نطيل الآن لنخرج عن السؤال، اختصار هذا جواب السؤال.
السائل : يقول : هل يجوز وصف الرب سبحانه وتعالى بأن له عينين كما نُقل عن بعض السلف ؟.
الشيخ : أعتقد ذلك؛ لأن النصوص واضحة في ذلك بعد القرآن الكريم: (( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )) ، فحكاية الرسول عليه السلام قصة الدجال وخروجه في آخر الزمان، وقوله عليه السلام ... : ( ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني محذركموه؛ إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور ) وأشار عليه السلام في بعض الروايات إلى عينه، فكون الرسول يصف الدجال بهذا العيب وهو العور يستلزم أن الله عز وجل الذي نزهه عن العور أن له عينين، ومن هنا وأمثاله قال من قال من السلف: بأن له عينين، والآية التي ذكرناها آنفاً: (( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )) ، هي بلا شك، وإن كان ليس المقصود في أعيننا , كما يظن بعض المعطلة والمؤولة ، وإنما أنت تحت مرآنا وتحت بصرنا وتحت عنايتنا، وإن كان هذا المعنى هو المقصود، لكن ذلك يستلزم إثبات هذه الصفة لله عز جل، فأنا أعتقد بما جاء به بعض السلف كما ذكرت.
السائل : نقل عنك أنك التقيت في المرة الأخيرة مع بعض المشايخ وسئلت هذا السؤال فأجبت: بأن الله سبحانه وتعالى له عين، فهل هذا كذب أم خطأ نقل عنك؟.
الشيخ : إيش الفرق بين ما قلته الآن وما بلغكم.؟.
السائل : بلغنا أنك تقول : إن لله سبحانه وتعالى عيناً واحدة.؟.
الشيخ : الآن كلمة ( واحدة ) ظهرت الكذبة؛ لا هذا كذب.
السائل : السؤال الثاني يقول : ينقل عن الإمام أحمد أنه يجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فما صحة ذلك.؟ وما رأيكم.؟.
الشيخ : أما صحة ذلك فعلى الطريقة الحديثية فلا نستطيع إثباتها، وليس كل قول ينقل عن إمام من أئمة المسلمين بإمكاننا أن نثبته على طريقة علماء الحديث، ولكن لا يسعنا إلا أن نعتمد على العلماء الذين سبقونا زمناً وعلماً، لا يسعنا إلا أن نعتمد عليهم فيما ينقلونه من أقوال ومن روايات؛ حتى يتبين لنا خطؤهم في ذاك النقل، فكون الإمام أحمد رحمه الله أجاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أذكر أنني قرأت ذلك قديماً في رسالة : " التوسل والوسيلة " لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فهو ينقل ذلك كقول عن الإمام أحمد ، ومستنده في ذلك حديث الأعمى. وكما قلت آنفاً: ما دام أن ابن تيمية ينقل ذلك وهو موضع للثقة، والاعتماد عليه فيما ينقل، فنحن نقول بما نقل حتى يثبت عندنا ضعف ما نقل، هذا بالنسبة لجواب السؤال.
لكني أريد أن أذكر شيئاً مهماً -في اعتقادي- بالنسبة لمثل هذا القول: لا علينا ولا ضرر علينا أن يثبت عن الإمام أحمد هذا القول أو أن لا يثبت، كلاهما بالنسبة إلينا سواء؛ ذلك لأننا لسنا أحمديين، وإنما كما سبق أن قلت آنفاً: نحن نقدر هؤلاء الأئمة ونجلهم ونستفيد من علمهم ومناهجهم، لكننا لا نُسَلِّم قيادة عقيدتنا وأركاننا لهم، إلا من تبين لنا أن الحق معهم.
فإذاً: إذا كان هذا النقل من ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه كان يجيز ذلك، وأن دليله في ذلك هو حديث الأعمى، وحين دراسة حديث الأعمى يتبين أنه لا يفيد التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته؛ لأن الأعمى إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مشروح في نفس كتاب ابن تيمية المذكور آنفاً، وكما كنت زدت بياناً في رسالتي التوسل أنواعه وأحكامه ، فالحديث -حديث الأعمى- كله يدور على التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم , فإذاً: لا يجوز لنا أن نقول بأنه يجوز التوسل الآن بالرسول؛ لأنه لا يمكن أن نبلغه ما الذي نحن نريد منه أن يدعو لنا ربه، ولا نحن نستطيع إذا هو دعا -مثلاً- في حالة البرزخ أن نعرف أنه دعا، فالقضية في حديث الأعمى لها علاقة بحياته عليه السلام، ولا علاقة لها بوفاته.
السائل : أحسن الله إليك , شيخنا يقول السائل : ما هو توجيهكم لكلام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء عندما ترجم لبعض الصالحين، نقل عن حال قبورهم أنه يتوسل بها، وأنها ترياق، ولم يتعقب ذلك.؟
الشيخ : لعل هذا كان قبل أن ينضج في علم العقيدة والتوحيد، ممكن أن يكون الأمر كذلك، وممكن أن يكون من سرعة الكتابة والتأليف ألا يتنبه للمحذور الذي يترتب من حكاية الواقع، والجواب أيضاً كما قلنا مما قيل عن أحمد ، أيضاً نقول عن الإمام الذهبي .
السائل : التفسير يا شيخ , بسم الله الرحمن الرحيم : ما تأويل الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ )) ؟.
الشيخ : لا شك أن الآية فيها خلاف عند العلماء علماء التفسير، لكن الذي ترجح لدي أنا شخصياً بأن ( ما ) هنا ليست نافية، بل هي موصولة، أي : إن الله عز وجل أنزل الملكين ليعلموا الناس السحر، حيث كان السحر طغى وانتشر في ذلك الزمان، واختلط أمره ببعض المعجزات، التي كان يأتي بها بعض الأنبياء كمثل قصة السحرة مع موسى عليه الصلاة والسلام، حيث أراد فرعون على يدي السحرة أن يضلل الشعب عن دعوة موسى الحق؛ بأن ما جاء به إنما هو السحر، ثم كما نعلم أن الله عز وجل قضى على عمل السحرة وأسلموا وآمنوا بالله رب العالمين، فكان علمهم بالسحر سبباً لهم ليميزوا بين ما كان خيالاً وسحراً وبين ما كان حقيقة، الحقيقة أنه موسى عليه السلام لما ألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ هذه حقيقة آمن بها قبل الناس كلهم هم السحرة؛ لأنهم يعرفون من علمهم بالسحر أنه تمويه وتضليل لا حقيقة له؛ لكنهم حينما فوجئوا بمعجزة موسى عليه السلام ظهر لهم الفرق بين الحقيقة وبين السحر فـ : (( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) .
فحكمة الله عز وجل اقتضت أن ينزل الملكان : هاروت وماروت؛ لكي يعلموا الناس السحر , ليس يتعلمون السحر للسحر، وإنما ليتمكنوا به من تمييز السحر الذي كان يتخذه كثير من الدجالين يومئذٍ للتمويه على الناس واستعباد الناس، كما جاء في قصة الغلام والراهب، ولعلكم تذكرون قصته، القصة معروفة .؟
السائل : نعم .
الشيخ : خلاصتها ولابد من هذه الخلاصة : أن ملك ذلك الزمان الذي هو صاحب الأخدود المذكور في القرآن، كان يستغل ساحراً لكي يستعبد الناس، ولما شعر بأن الساحر أنه أسنَّ وشاب وكبر قال له: اختر لي غلاماً من الشعب حتى يخلفك من بعد، لماذا.؟ لكي يظل مستمراً في استعباده للشعب بالسحر، هكذا كان الملوك في الزمن القديم يستغلون الناس بالسحر.
فالله عز وجل أرسل الملكين ليعلمون الناس كلهم، وليس كما فعل ساحر الملك ملك الأخدود حيث قال له: اختر لي غلاماً، لا يناسبه أن ينشر علم السحر بين الناس كلهم؛ لأنهم سيعلمون أن الملك يضلل عليهم بالسحر الذي هم عرفوه.
فاقتضت حكمة الله عز وجل بأن يرسل الملكين ليعلموا الناس السحر؛ لكي يفرقوا بين السحر وبين المعجزة؛ ولأن السحر بلا شك أداة إفساد، قال في نفس سياق القصة : (( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ )) . فهم جاءوا بتعليم السحر للغاية، لكن هذا التعليم قد ينقلب إلى فتنة؛ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وما يفرقون به بين المرء وزوجه. هذا الذي أراه في تفسير هذه الآية، والله أعلم.
السائل : طيب السؤال أيضا يتعلق بالسحر.
الشيخ : تفضل.
السائل : ما حد قدرة الساحر؟ هل يستطيع قلب الأشياء، مثلا حيوان يقلبه إلى قط إلى كلب إلى كذا.؟
الشيخ : يستطيع بالتوهيم أما في الحقيقة لا، كما جاء في قصة الدجال في آخر الزمان أنه يقطع الشخص نصفين، ويرى الناس أنه فعلاً قطعه نصفين ثم يعيده، فبعد أن يعيده يسأله: هل آمنت بي.؟ فيقول: ما ازددت إلا إيماناً بأنك الدجال الأكبر الذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالسحر في الغالب هو تخييل، لكن له تأثير، وهذا التأثير لا يُنْكِرْ بالواقع، ومن ذلك قصة اليهودي لبيد بن الأعصم ، حيث سحر الرسول عليه السلام، وظل صلى الله عليه وسلم متأثراً بسحره في ضعفه في بدنه نحو ستة أشهر، مثل هذا التأثير ممكن، أما قلب الحقائق فتوهيماً وتخييلاً، وهذا النوع يستعمله الكثير من الذين يسمون بـ ( الحُوّات ) ... مشعوذون، خاصة في مصر يوجد من هذا النوع الشيء الكثير، وكان بعض الناس يأتون منهم إلى دمشق ورأينا منهم العجب! يأخذ المائة ليرة ورقة ويشعلها أمام الناس ثم يعيدها كما كانت، والخاتم يسحبه من يدك وتراه في كف غيرك، وهكذا , فإذاً: للسحر تأثيرٌ لكن لا يبلغ الأمر إلى قلب حقائق الحيوانات التي خلقها الله عز وجل.
السائل : طيب قال الله تعالى : (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) ، فما هو تأويل هذه الآية.؟.
الشيخ : تأويلها كما جاء في الحديث: ( مستقرها حين تطلع الشمس من مغربها ) لكن الآية ليس لها علاقة بموضوع كروية الأرض، وهل هي ساكنة أم متحركة.؟ فالآية خبر يعني عن غيب سيقع فيما يأتي من الزمن.
السائل : إذاً: فالمستقر وقته يوم القيامة، أم في حديث : ( كل يوم تستأذن تحت العرش وتسجد ).
الشيخ : نعم هذا حديث صحيح، لكن ذهابها إلى تحت العرش لا يتعارض مع الحقائق الشرعية؛ لأنها هي دائماً تحت العرش، ولكن بالنسبة لبلد معين وهي المدينة ، حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد تكلم فيها عندما قال لـ أبي ذر : ( أتدري أين تذهب؟ ) فأخبره الرسول عليه السلام بأنها تذهب وتسجد تحت العرش حينما تغرب بالنسبة للمدينة ، فهذا هو المعنى الذي يزيل الإشكال، بأنها هي دائماً تغرب في بلد في كل لحظة ، لكن هذا المقصود غروباً خاصاً بـ المدينة المنورة ، فسجودها هو في ذلك الوقت الذي يتناسب مع توقيت المدينة ، وليس مع كل بلد في الدنيا.
السائل : هل يفهم من هذا الحديث توقف الشمس حال السجود؟.
الشيخ : لا , هذا ليس بالضروري؛ لأن الإنسان العاجز قد يسجد وهو ماشي، صح أو لا.؟ نستحضر -الآن- صلاة الخوف لها صورتان: صلاة الخوف، وصلاة الخوف الشديد؛ صلاة الخوف الشديد ليس هناك ركوع وسجود كما هو المعهود، وإنما هو الإيماء بالرأس، فالمسلم يقاتل ويسايف الكافر وقد أدركه الوقت، فهو يصلي ويمشي إلى عدوه، هذا بالنسبة للإنسان، فما بالك بالنسبة لكوكب ربنا -عز وجل- أعلم بحقيقته.؟ فلا منافاة بين الأمرين. نعم .
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم : يقول الله عز وجل : (( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ )) ، ما تأويل هذه الآية، فقد قرأت في كذا التفسير، ما فهمت.؟
الشيخ : أما أنا الآن لا أستحضر جواباً عن هذا السؤال، الذي أذكره أن في بعض الروايات أن السجل هو كاتب للرسول عليه الصلاة والسلام، كيف هو يطوي الكتاب فالله عز وجل يطوي السماوات، لكن ما في عندي شرح لهذا السؤال.
السائل : قال تعالى : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً )) ، ما أصح الأقوال في تفسير الورود ؟.
الشيخ : أصح الأقوال هو الدخول، وذلك مما جاء في بعض النصوص الصحيحة، من ذلك ما جاء في صحيح مسلم من قوله عليه السلام : ( لا يدخل النار أحد من أهل الشجرة ) قالت حفصة : كيف ذلك يا رسول الله والله عز وجل يقول : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً )) ؟ قال عليه السلام : ( اقرئي ما بعدها : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )) )؛ فالشاهد من الحديث واضح جداً: حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر عن أهل الحديبية أن أحدا منهم لا يدخل النار، أشكل الأمر على السيدة حفصة رضي الله عنها، والإشكال كان قائماً عندها بناءً على فهمها للآية السابقة على ظاهرها : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، أي: داخلها، فلم يلتق فهمها للآية مع تصريح الرسول عليه الصلاة والسلام بأن أهل الشجرة - بيعة الرضوان- لا يدخل أحد منهم النار، فاختلف حديث الرسول عليه السلام مع فهم السيدة حفصة للآية، وفهمها كان صحيحاً للشطر الأول منها؛ لأنها فهمت أن الآية تعني : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، أي: داخلها، إذاً كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين قوله عليه السلام : ( لا يدخل النار أحد من أهل الشجرة ).
فنجد هنا بأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر السيدة حفصة على فهمها للورود بمعنى الدخول، لكنه أزال الإشكال عنها بتمام الآية : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )) ، فإذاً: الدخول حقيقة، لا بد من أن يقع بالنسبة لجميع الناس صالحيهم وطالحيهم، إلا أن هناك فرقاً جوهرياً بين الصالح والطالح، فالصالح يدخلها مروراً، أما الطالح فيدخلها سقوطاً وعذاباً.
ويؤكد هذا المعنى -الذي هو واضح جداً من حديث حفصة هذا رضي الله عنها- الحديث المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ما من مسلمين -أي: زوجين- يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا لن تمسه النار، إلا تحِلَّة القسم ) تحلة القسم هي الآية السابقة : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، فالرسول عليه السلام يشهد في هذا الحديث أن من فضائل الزوجين الصابرين على قضاء الله عز وجل، الذي اصطفى إليه ثلاثة من أولاد الزوجين لم يبلغوا سن التكليف؛ إذا رضوا بذلك فلن تمسهما النار إلا تحلة القسم، أي: مروراً؛ كما هو في حديث السيدة حفصة رضي الله عنها، هذا هو القول الصحيح الذي لا ينبغي التردد في تَبَنِّيْهِ في تفسير الآية الكريمة.
وهناك حديث صريح جداً لكن إسناده ضعيف، وإن كان رواه الحاكم في المستدرك ، فهو معروف بالتساهل في روايته في هذا الكتاب، يرويه عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ( أن رجلاً لقيه في الطريق، فقال له : حضرنا مجلساً فجاءت هذه الآية : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، فاختلف أهل المجلس في تفسيرها على ثلاثة أقوال )، لما سمع جابر منه ذلك، وهو يسأله عن معنى الآية باعتباره صحابي الرسول ما كان منه - هذا إن صحت الرواية- " إلا أن وضع إصبعيه في أذنيه وقال : صُمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها، ثم تكون برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم ) " هذا الحديث ضعيف المبنى، لكنه صحيح المعنى بشهادة الحديثين السابق
غيره.
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم فيه أسئلة في الفقه.
ما حكم الوقوف أمام العلم؟ وحكم الكف عن الحركة والانتصاب للعلم وعند السلام الوطني؟.
الشيخ : هذه -لا شك- من التقاليد الأوروبية الكافرة، والتي نهينا عن تقليدهم بمناهي عامة وخاصة، ولا يجوز لأي دولة مسلمة حقاً أن تتبنى شيئاً من تقاليد الكفار، لكن الأمر يعود إلى من كان له الخيرة في ألا يسمح بذلك، ولا شك أن الحاكم المسلم الذي ليس فوقه حاكم في الدنيا، هو الذي يستطيع أن يغير ويبدل هذه التقاليد وهذه العادات الكافرة بتقاليد وعادات إسلامية، أما من كان موظفاً أو كان جندياً، ولا يستطيع إلا أن يتبع هذا النظام المنحرف عن الإسلام، فهنا يظهر مراتبَ الناسِ، على حد قوله عليه السلام : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) فنحن نعلم مثل هذه المشاكل يقع الشيء الكثير منها في بعض البلاد الإسلامية؛ لأنها أمور -كما قلنا- تقاليد أجنبية.
مثلاً: في بعض الدول العربية الإسلامية لا يجوز للجندي أن يلتحي، فالناس على هذه المراتب التي جاء ذكرها في الحديث، أكثر الناس اليوم لما يدخلون الجندية يحلقون لحاهم هكذا النظام، وبعضهم ما يحلقها وإنما هم يحلقونها منه رغم أنفه، وبعض آخر -وهذا قليل جداً، وله أمثلة هنا في الأردن وفي عندنا سوريا - يصمد ويصبر ويلقى العذاب والسجن و و إلخ، ثم ينصره الله عز وجل، فتراه جندياً ملتحياً، بينما الألوف المؤلفة بدون لحى، فإذاً القضية لها علاقة بقوة إيمان المكلف.
فهذا الذي يكلف بأن يحييّ العَلَم هذه التحية غير الإسلامية بلا شك أنه يستطيع ألا يحيي، لكنه يعلم أن أمامه السجن وأمامه التعذيب، وربما أشياء أخرى ما نعرفها، فالمؤمن القوي الإيمان يصبر، ثم ما يكون بعد الصبر إلا النصر كما ربنا عز وجل عود المؤمنين بذلك، وناس آخرون لا يصبرون هذا الصبر فيحيوا العلم وقلوبهم منكرة لهذه التحية، وهكذا فيجب أن نعلم أن هذا منكر، وأن الذي يضطر إلى القيام به فعلى الأقلَّ ينكره بقلبه؛ لأنه : ( ليس وراء ذلك ذرة من إيمان ) كما هو معلوم في بعض روايات الحديث الصحيحة. نعم .؟
السائل : طيب مجرد الانتصاب أمام العلم هذا يخل بالتوحيد.؟.
الشيخ : معلوم يخل بالإسلام والشريعة والآداب الإسلامية (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) ، هذا تعظيم أشبه بتعظيم الأصنام؛ لأن هذا العلم عبارة عن قطعة قماش، لكن هو التقليد الأوروبي الأعمى مع الأسف الشديد!!
السائل : ما حكم صلاة الجماعة عندما لا يُسمع الأذان من المؤذن، ولكن يعلم عن طريق التلفاز، مثلاً نحن موجودون في هذه الجلسة نعلم عن طريق الراديو أو التلفزيون أنه أذن لكن ما نسمع أذان المسجد المحيط.؟.
الشيخ : المهم أن يكون المسلم على علم بحضور وقت الصلاة في المسجد، وبلا شك أن هنا أمرين اثنين :
الأمر الأول : أنه ليس من الضروري أن يعلم ذلك بطريقة الأذان، لو هو لم يسمع الأذان وقال له أهل بيته: أُذن للصلاة؛ فقد حصل ذلك.
الشيء الثاني : لا يكفي العِلم حتى ولو بالطريقة الشرعية أن يستمع الأذان بنفسه وأذنه أنه يجب عليه الحضور إلى المسجد؛ لأن حضور المسجد لا يجب على كل إنسان مكلف، فهناك قبل كل شيء أن المسجد يجب أن يكون قريباً؛ بحيث أنه يسمع أذانه بطريقة عادية طبيعية ليس بالوسائل العصرية هذه، فإذا كان المسجد بعيداً، موقعه بعيدا عن سماع أذانه السمع الطبيعي هذا ليس بالواجب عليه حضوره، ولو أنه سمعه بواسطة مكبر الصوت، لكن بلا شك الأفضل بالنسبة إليه أن يحضر، لكننا نقول: أن الحضور، حضور الصلوات الخمس في المساجد الأصل فيها الوجوب، أي : أن صلاة الجماعة واجبة كالصلاة نفسها، فلا يجوز للمسلم أن يصلي الفريضة في بيته بدون عذر شرعي، فإذا كان المسجد قريباً من المكلف فعليه الحضور، لكن فيه هناك أعذار معروفة أنها لا تجب عليك، كمن كان -مثلاً- مسافراً، أو كان مريضاً، لا يجب على هذا وذاك أن يصلي في المسجد، لكن يستحب في الوقت نفسه أن يصلي في المسجد ولو كان ذلك غير واجب عليه، كما جاء في حديث مسلم عن عبد الله بن مسعود : " أنه كان يحمل أحدهم يهادي بين الرجلين لشدة مرضه ويذهب به إلى المسجد ".
فهذا في بيان اهتمام السلف في أداء الصلاة في المسجد، لكن في هذه الحالة الصلاة ليست واجبة عليه في المسجد.
نعم.
السائل : ما حكم صلاة الرجل مكشوف الرأس.؟.
الشيخ : الذي أعتقده الكراهة؛ لأن كشف الرأس هي أيضاً من العادات والتقاليد التي تسربت إلى بلاد المسلمين بسبب استعمار الكافرين لها، فهم أذاعوا عاداتهم وتقاليدهم فيها، فاستمر الكثير من المسلمين في تلك البلاد بعد خروج الكافر منها استمروا متأثرين ببعض عاداتهم ومنها حسر الرأس، وإن كانت البلاد تختلف في هذه العادة، فعادة حسر الرأس في سوريا وفي الأردن في مصر أكثر بكثير من البلاد العربية الأخرى، كـالسعودية واليمن والكويت، و و ... إلخ، فلما كانت هذه العادة ليست عادة إسلامية، فالمفروض أن المسلم يدخل في الصلاة في أحسن زينة؛ لقوله تعالى : (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) ، والزينة هنا وإن كانت من حيث سبب نزول الآية تعني ستر العورة، لكن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، هذا أولا.
وثانياً : قد جاء في السنة الصحيحة ما يؤيد هذا العموم من الآية ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتد، فإن الله أحق أن يتزين له ) ففي هذا الحديث أن المسلم يؤمر أن يدخل الصلاة في أكمل حالة، في الوقت الذي سئل الرسول عليه السلام : أيصلي الرجل في ثوب واحد؟ فقال عليه السلام : ( أوكلكم يجد ثوبين؟ )؛ هذا الحديث يفيد جواز الصلاة بثوب واحد، وهو الإزار الذي يستر العورة، لكن أيضاً يُلمح ويشير إلى أن من يجد ثوبين لا ينبغي له أن يصلي في ثوب واحد، يقتصر بهذا الثوب على ستر العورة المعروفة أنها عورة في الصلاة وخارج الصلاة.
الشيخ : بل عليه أن يستر العورة المتعلقة بالصلاة إذا صح تعبيري، وذلك بقوله السلام : ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ) ولذلك صرح الإمام أحمد أن من صلى مكشوف المنكبين فصلاته باطلة، وهذا حق ندين الله به، لهذا الحديث الصحيح : ( لا يصلين -نهي عن الصلاة- أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ).
وإذ ثبت عموم الأمر بالتزين للصلاة، وثبت أن من عادات المسلمين ستر الرأس وليس الحسر؛ فحينئذٍ نعتقد أن الصلاة حاسر الرأس مكروهة، لا لأن هناك نهياً خاصاً، وإنما لأن فيه مخالفة للعادات التي جرى عليها المسلمون.
ويعجبني بهذه المناسبة وهو نهاية الجواب، ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حجاب المرأة ولباسها في الصلاة ، رسالة صغيرة لعلكم وقفتم عليها، ذكر هناك رواية أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى مولاه نافعاً يصلي حاسر الرأس، فقال له : " أرأيت لو أنك ذهبت إلى مقابلة أحد هؤلاء الأمراء أكنت تقابله وأنت حاسر الرأس ؟ قال : لا، قال : فالله أحق أن يتزين له ".
غيره
السائل : أحسن الله إليك شيخ , السؤال يقول : نرى في بعض مؤلفات الشيخ حفظه الله الفقهية عدم التركيز على التقسيم الذي كان يسير عليه الفقهاء من قبل، أي : من جهة تقسيم العبادة إلى شروط وأركان وسنن، فهل للشيخ سياسة خاصة في ذلك.؟.
الشيخ : لا، أنا ما نهجت هذا المنهج؛ لأن هذه الأمور فيها خلاف كثير وكثير جداً، ولا يتحمله التأليف الذي أنا جريت عليه إلا في كتاب كنت ولجت فيه ثم صُرِفْتُ عنه، وهو -الذي لا بد سمعتم باسمه- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب ، فهذا الكتاب كان على هذا النهج، أي: من العناية بالتمييز بين ما هو شرط وما هو ركن وما هو فرض ... إلخ؛ لأن تمييز هذه الأمور بعضها عن بعض يحتاج إلى بحث موسع جداً، ولذلك فأنا لا أسلك هذا؛ لأنه كان مجاله في ذاك الكتاب الذي لم يُيَسَّرْ لي متابعة العمل فيه. هذا هو الجواب .
السائل : يا شيخ كتاب الثمر المستطاب معك أتممته ؟.
الشيخ : أنا أقول لك الذي لم يُيَسَّرْ لي متابعة العمل فيه.
السائل : طيب شيخ اختلف اثنان من الإخوة في مسألة التثويب في أذان الفجر، هل هو في الأول أم في الثاني، واستدلَّ الأول بحديث أذان الصيام أعني حديث : ( إن بلالاً يؤذن بليل ) واستُدِلّ الثاني بحديث ابن أم مكتوم : ( إن ابن مكتوم يؤذن بليل ) فما رأيكم.؟ وكذلك بالنسبة للأذان الأول هل هو خاص برمضان أم هو عام.؟.
الشيخ : التثويب -بلا شك- هو في الأذان الأول، وهو عام بالنسبة لأيام السنة كلها، أما كون مرة جاء في الحديث ذكر بلال في الأذان الأول، وفي رواية أخرى ذكر ابن أم مكتوم، فذلك باختلاف الأحوال، تارة كان بلال وظيفته الأذان الأول، وبالعكس الأذان الثاني لعمرو ابن أم مكتوم ، وتارة كان الأمر خلاف ذلك، الأذان الأول لـ عمرو والأذان الثاني لـ بلال هذا هو الذي جمع به علماء الحديث بين الحديثين، لكن هذا الاختلاف في كون الأذان الأول يؤذن فلان والأذان الثاني فلان، هذا لا يغير من حقيقة السنة التي هي أن جملة : ( الصلاة خير من النوم ) هي خاصة بالأذان الأول؛ لأن هذا صريح في حديث ابن عمر الذي رواه النسائي وغيره : ( أنه كان في الأذان الأول زيادة: الصلاة خير من النوم ) وكذلك في حديث أبي محذورة ، هذا ثابت في الأذان الأول لا خلاف في ذلك إطلاقاً.
أما اختلاف المؤذن في الأذان الأول عن الثاني والعكس بالعكس، فلا يغير من حقيقة هذه السنة شيئاً.
السائل : السؤال الثاني يقول : وكذلك بالنسبة للأذان الأول هل هو خاص برمضان أم هو عام.؟.
الشيخ : أجبت عنه بارك الله فيك . أنه عام في كل أيام السنة.
السائل : يقول : ظهرت بعض الكتب ترد وتغالط الشيخ حفظه الله ولم يرد الشيخ عليه، فما السبب.؟ مثل الكتاب الأخير الذي خرج وهو قديم، وهو " تنبيه المسلم " وبعض الكتب .؟.
الشيخ : أولاً -يا أخي- ليس من الإمكان أنه كلما توجه ناقد ينقدني بحق أو بباطل، بعلم أو بجهل؛ أن أتفرغ له، هذا أمر غير طبيعي إطلاقاً، وبخاصة وأنا أشعر بأنني أشرفت على حافة القبر " فمهما طال العمر فلا أستطيع أن أتدارك ما أنا في صدده منذ نعومة أظفاري " كما يقال.
لكن مع ذلك أحاول أن أقتنص الفرص، وأن أرد على بعض هؤلاء حينما تأتي المناسبة، وأجدها فرصة لا بد من الرد، ومن ذلك هذا الرجل " تنبيه المسلم " اغتنمتها فرصة في كتابي " آداب الزِفاف " حيث يطبع الآن طبعة جديدة، وفيها زوائد عديدة، فكتبت مقدمة فيها شيء من الطول؛ لأنني رددت على هذا الإنسان في بعض ما انحرف قلمه عن الصواب في هذا الكتاب، وأشرت إلى منهجه، وأنه قائم على الجهل بهذا العلم، ورددت عليه بعض الأجزاء التي انتقدني فيها، وبخاصة حديث يتعلق بآداب الزفاف، وهو مما كنت أشرت إلى أنه ضعيف مع كونه في صحيح مسلم، وهو كان مما انتقدني في هذا الحديث، فاهتبلتها فرصة ورددت عليه، وسترون ذلك -إن شاء الله- قريباً، هذا المقدار هو الذي أستطيع أن أقوم به، أما أن أتوجه إلى رد الكتاب كله فهذا لا يتيسر لي، ولعلَّ بعض إخواننا المقبلين على هذا العلم بنشاط وفراغ -لا أجده أنا- يقومون بهذا الواجب إن شاء الله.
السائل : ما حكم التحايل على القوانين الوضعية، وخاصة في المعاملات التجارية للحصول على مصلحة خاصة لا يتأذى بها الغير؟.
الشيخ : والله هذا سؤال لا يجوز الإجابة عليه بجواب عام؛ لأنه قد يكون الأمر متعلقاً بشيء من الخيانة، لكن إذا لم يكن هناك شيء من الخيانة، وكان فيه تحقيق مصلحة لا تخالف الشريعة، فحينئذٍ نقول: ما في مانع، بشرط: أنه إذا كان ضامناً لئلا يُكتشف عمله المخالف للقانون، فإذا اكتُشف مس الدين والشرع الذي يتمسك به هذا الذي فعل تلك الفعلة .
يعني مثلاً: قضية الجمارك والتهريب، هذه الجمارك هي بلا شك هي مكوس غير شرعية خاصة بين بلد إسلامي وبلد آخر، فكثيراً ما نُسأل: هل يجوز أن يهرب مسلم بضاعة ولا يدفع عليها المكوس.؟ نقول: إذا كان رجلاً يمثل التمسك بالدين وبالإسلام، ويخشى أن ينكشف فيهان الإسلام، فلا يجوز في هذه الحالة، أما إن كان رجلاً عادياً وتعاطى وسائل تهريب، بحيث لو ألقي القبض عليه لا ينصرف ذهن القابضين إلى الطعن في المتمسكين بالشريعة، فممكن أن يُقال بجواز ذلك.
السائل : يقول : تقوم بعض النسوة بالخروج لدعوة النساء، حيث يقمن بزيارتهن في بيوتهن ودعوتهن لدروس خاصة، وقد يكثر ذلك منهن، فهل يخالف ذلك ما أمرهن الله به من القرار في البيوت؛ لأنها تذهب وتتنقل، وخاصة عندنا -يا شيخ- مأذون للمرأة تسوق ، فتذهب لهذه وتذهب لهذه فهل هذا مخالف.؟
الشيخ : أعتقد أن هذا العمل أيضاً من مشاكل العصر الحاضر، ومن ذلك أننا أصبحنا اليوم نقول: إن هناك دعاة وداعيات، وهذه طبعا -بلا شك- من محدثات الأمور، فما ينبغي أن يكون هناك نساء يتسمين بالداعيات، لا بأس، بل هذا واجب أن يكون هناك نساء متعلمات العلم الشرعي، بحيث أنهن يُقصدن من النساء بالسؤال؛ لأن كثيراً من النساء يتحرجن من أن يتوجهن بأسئلتهن الخاصة بهن إلى أفاضل العلماء، فإذا وجدت في النساء علماء حقاً على الشرط الذي سبق بيانه آنفاً، أي: بالكتاب والسنة، فينبغي على النساء أن يأتينهن وليس هو العكس؛ لأننا نعتقد بحق قول من قال من أهل العلم:
وكل خير في اتباع من سلف      وكل شر في ابتداع من خلف.
وقد وصل الأمر ببعض النساء هنا وربما في بلاد أخرى أنها تصعد المنبر في المسجد وتلقي الدروس على النساء، وقد يكون هناك في باحة المسجد رجال فاتتهم الصلاة مع الجماعة فيدخلون ليصلون، هذا -بلا شك- أنا لا أتورع أن أقول: إن هذه من البدع، فالأمر -كما ذكرت في سؤالك- أنه واجب المرأة أن تقر في بيتها، فإذا كانت مميزة على غيرها بالعلم بشرع الله عز وجل فذلك لا يؤهلها أن تنطلق هكذا كالرجال، وتساويهم في الخروج، كأنَّما ربنا عز وجل ما قال في كتابه الكريم : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )) .
فالأصل في المرأة ألا تخرج إلا لحاجة لا يمكنها أن تحققها إلا بالخروج، وهنا يظهر الأمر بين المرأة العالمة، فلا يجوز لها أن تخرج تنطلق -كما يقولون- كداعية، وبين المرأة التي تريد أن تتعلم العلم فهي تخرج؛ لأنها يجوز لها أن تخرج إلى المسجد كما هو معلوم، وكما كان الأمر في عهد الرسول عليه السلام، مع العلم أن الرسول عليه السلام قد قال لهن : ( وبيوتهن خير لهن ) ومع ذلك فقد أقرهن عليه الصلاة والسلام في خروجهن إلى المساجد حتى في صلاة العشاء، وجاء النهي الصريح : ( لا يمنعنَّ أحدكم زوجته أن تخرج لصلاة العشاء ) وكانت المرأة تنصرف من صلاة الفجر كما جاء في حديث مسلم : ( وهن متلفعات بمروطهن ).
فإقرار الرسول عليه السلام لخروج النساء لأداء الصلوات الخمس في المساجد مع بيان أن صلاتهن في بيوتهن خير لهن؛ ما ذلك إلا لأنهن كن يخرجن لطلب العلم، فإذا كان هناك امرأة فتجلس في بيتها، ولا مانع من أن تحضر النساء إليها كل على حسب ظروفها وطاقتها وإلخ، أما هي فلا تخرج خروج الرجال؛ لأن هذا من التشبه بالرجال.
السائل : هل يجوز لطالب العلم أن يكتفي بتصحيح أو تضعيف الحفاظ السابقين، مثلاً يقرأ للعراقي في تخريجه، فيقرأ أن هذا الحديث قال العراقي: هذا حديث صحيح، فهل يجوز له أن يكتفي، ومثل العراقي الإمام أحمد وغيره.؟.
الشيخ : ... هذه تشبه التقليد في الفقه، هل يكفي طالب العلم أن يسمع رأياً لإمام من الأئمة المتبوعين .؟ لا أعني الأربعة فقط، فهم أكثر بفضل الله عز وجل- ويعمل به .؟ نقول: لا يمكن كل طلاب العلم أن يكونوا في نسبة واحدة من التمكن في معرفة الحق مما اختلف فيه الناس، فحسب طالب العلم أن يحقق الآية الكريمة : (( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) ، فإذا كان هناك من أهل الذكر من الأحياء يسألهم ويتبنى جوابهم، أو ليس هناك عالم حي يسأله، فيعلم بأن أحد العلماء المُتَّبَعِيْنَ له رأي كذا فيتبعه، فهو سالم من المؤاخذة، ولو كان الرأي الذي تبناه من ذاك العالم خطأً في واقع الأمر؛ لأنه قام بما يجب عليه في الآية السابقة : (( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) .
لكن هذا مشروط فيه شرط واحد، وهو: ألا يتبين له بأن هذا الرأي خطأ. وهذا البيان قد يكون ببحث شخصي منه إذا كان عنده استعداد، أو بدلالة عالم آخر يثق به وبعلمه، المهم يجوز لطالب العلم أن يقلد العالم إذا لم يتبين له خطؤه، ولم يستطع هو أن يتبين أصوابا كان أم خطأ.
كذلك -تماماً- الجواب عن السؤال بالنسبة لطالب العلم، يجد إماماً من أئمة المسلمين وحافظاً من حفاظهم يصحح حديثاً أو يضعف آخر، فهذا يكفيه أن يتبع هذا المصحح أو المضعف، إلا بشرط كما ذكرنا في المسألة الفقهية، إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن لا يعلم خطأه؛ لأن المقصود بهذا الشرط -سواءً في الحديث أو في الفقه- ألا يتبع هواه، يقول: فلان أفتاني، انتهى الأمر، وفي نفسه ما فيه، والرسول يقول : ( استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ) هذا هو الشرط الأول، أن لا يكون عالماً بأن هذا الرأي -سواءً في تصحيح حديث أو تضعيفه، أو في إباحة شيء أو تحريمه- لا يعلم أنه خطأ.
والشرط الثاني: ألا يستطيع هو التحقيق في صحة هذا الحديث أو ضعفه، فهذا أمر جائز؛ لأننا لا نستطيع أن نكلف الناس كلهم أن يصيروا مجتهدين وعلماء. لعلي أعطيتك الجواب .؟
السائل : متى يعلم المرء من نفسه أنه يستطيع أن يصل إلى القدرة على الحكم .؟.
الشيخ : هذا سؤال مهم؛ يعلم ذلك حينما يعرض بحوثه وأقواله الشخصية على أهل العلم القدامى المسطرة أقوالهم في كتبهم، فيجد أن الغالب عليه أنه يوافقهم، هذا من جهة.
من جهة أخرى: يجد أهل العلم يقدرون علمه واجتهاده، ولا يعتبرونه -كما قلنا آنفاً- بَعْدُ لم يتأهل لأن ينصب نفسه منصب المصحح والمضعف، يعنى: ينبغي أن يكون الإنسان بعيداً عن أن يغتر بعلمه، وكثير من طبيعة الإنسان ألا يرى عيبه ويرى عيوب الناس، ولذلك فيجب أن يستعين بغيره ممن هم عنده من أهل العلم، فيرى عيبه بواسطتهم، كما أشار إلى ذلك عليه السلام بقوله في الحديث المعروف : ( المؤمن مرآة أخيه ) فالمؤمن حقاً هو يرى أخطاءه وعيوبه بواسطة غيره، وينبغي أن يستعين بأهل العلم؛ ليعرف هل هو صار أهلاً للبحث والاجتهاد سواءً في التصحيح والتضعيف في العلم، أو في الإفتاء في المسائل الفقهية ؟!. تفضل إيش عندك .؟
السائل : شيخنا يقول : كما عرف عن بعض المحدثين: أن الحديث إذا جاء من طريق مرسل بإسناد صحيح، وطريق متصل فيه ضعف ينجبر، يكون الحديث بذلك حسناً، وقد أنكر بعض الإخوان هذه القاعدة فما رأيكم؟ أي: بعض الإخوة لم يعترف بهذه القاعدة وقال: هذه القاعدة غير مُسلَّم بها.
الشيخ : ما هي حجته؟.
السائل : يقول أنه لا أجد دليلاً؛ لأنه في بعض ما نقل أن بعض أهل الحديث لا يعمل بهذه القاعدة.
الشيخ : معليش، البعض من أهل الحديث يعمل بها والبعض الآخر لا يعمل.
السائل : هو يقول: فما الدليل على صحة هذه القاعدة.؟.
الشيخ : الدليل : (( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ )) ، والدليل: أن شهادة المرأتين بشهادة رجل، ولذلك قال الشاعر:
لا تحارب بنظريك فؤادي **** فضعيفان يغلبان قويا
السائل : لا هو يقول: إن المرسل سقط منه الراوي، ويقول: إن الضعيف الذي ينجبر فهو متصل، فيقول: كيف المتصل يعضد المنقطع. لأن ... .
الشيخ : هذا من الجماعة الذين لا يجوز لهم أن يجتهدوا، لا يجوز له أن يصحح ويضعف، كيف -يا أخي- إذا اختلف المخرج النفس تطمئن إلى صحة الخبر.
أولاً: بخصوص هذا المثال كثير من كبار العلماء يذهبون إلى تصحيح الحديث المرسل لوحده، أظن أنتم تعرفون هذا، يعني الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد -في رواية عنه-؛ يحتجون بالحديث المرسل لوحده، ليس هناك ما يعضده من متصل.
طبعا نحن لا نتبنى هذا، نحن نقول بما هو الراجح عند علماء الحديث، وبما يشهد الواقع العلمي: أن الحديث المرسل لا ينبغي أن يحتج به، ما دام لا ندري الواسطة بينه وبين الرسول عليه السلام، أهو الصحابي وحده أم صحابي وتابعي؟ ولذلك الآن أنت فيما نقلته عن الرجل -اللهم إذا كان النقل دقيقاً- جاء في بعض كتب المصطلح كـ البيقونية مثلاً، يقول المرسل تعريفه:
ما منه الصحابي سقط .
هذا التعريف خطأ، لو كان هذا التعريف صحيحاً لكان كل مرسل صحيحاً؛ لأن قول : " ما منه الصحابي سقط " سقوط الصحابي لا يعل الحديث؛ جهالة الصحابي لا يعل الحديث، سواء كان مسمىً باسم لا نعرفه في الصحابة، أو كان غير مسمىً، كأن يقول كما جاء في كثير من الأحاديث في مسند أحمد وغيره: حدثني رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون الحديث في هذه الحالة صحيحاً؛ لماذا ؟، لأن كل الصحابة عند أهل السنة عدول، فسواء علينا سمي أم لم يسم. كذلك سواء علينا ذكر أو لم يذكر مطلقاً، وهذا هو الحديث المرسل عند البيقوني هذا، لكن هذا خطأ.
المرسل: هو قول التابعي : قال رسول الله هناك فرق كبير جداً بين تعريف البيقونية وبين هذا التعريف الذي تبناه أهل الحديث المحققون منهم، الحديث المرسل: هو قول الراوي أو التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس هو ما سقط منه اسم الصحابي، لا، ما هو الفرق.؟
قول التابعي: قال رسول الله يحتمل أن يكون الساقط هو الصحابي، وعلى هذا الاحتمال بيكون الحديث صحيحاً، ويحتمل أن يكون الساقط صحابي زائد تابعي، يحتمل أن يكون زايد تابع تابعي وهكذا، كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله - وهو من أهل التتبع والاستقراء- أنه وجد في بعض المراسيل سقط الصحابي والتابعي وتابع التابعي، أربعة أشخاص أو خمسة على التوالي، فحينئذٍ المرسل لا يصح أن يقال: هو قول التابعي قال رسول الله، وإنما قال التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا نفترض حينئذٍ أن الساقط هو الصحابي محتمل، لكن محتمل أيضاً أن يكون السقط أكثر وأكثر.
الشاهد من هذا كله: فبعض العلماء ممن سمينا آنفاً ذهبوا إلى تصحيح الحديث المرسل نحن , نحن وإن كنا لسنا معهم في هذا ... .
رحمه الله له كلاما ما وجدته لغيره يقول: لو جاز لنا أن نحتج بقول التابعي : قال رسول الله، من باب حسن الظن به، أنه لو كان بينه وبين الرسول غير الصحابي كان ذكره -من باب حسن الظن- يقول: إذا استرسلنا هذا الحسن للظن لوصل إلى زماننا، أن فلاناً في القرن الثالث في القرن الرابع قال: قال رسول الله، فمن باب حسن الظن نقول: لو كان هذا العالم لم يثبت الحديث عنده بالطريقة العلمية كان ما يقول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبذلك نبطل أهم وسيلة عند المسلمين تفردوا بها دون العالمين جميعاً لمعرفة رواية الصحيح، حينئذٍ لا قيمة للإسناد إذا ما اعتمدنا على قول الراوي، سواءً كان تابعياً أو تابع تابعي أو دون ذلك من باب إيش .؟ إحسان الظن بالناس، فحينما يأتي الحديث المرسل بسند صحيح إلى مرسله، نحن نتوقف، هذا ما نقبله؛ لأنه فيه احتمال ما ذكرناه آنفاً، لكن لما يأتي الحديث بإسناد من طريق غير الطريق السابقة، غير طريق المرسل، هذا السند وحده ضعيف، لكن ضعيف وضعيف يعطي قوة، وهذا أمر مشاهد.
يعني كما تعرفون في بعض وصايا بعض الحكماء لأولادهم لما حضره الموت، كان له عشرة من الولد، قال لكل واحد منهم: هات عصا، اكسرها كسرها، الثاني الثالث، اعملها حزمة ما استطاعوا أن يكسروها، فضرب لهم مثلاً بأنه هكذا إن كنتم جميعاً متفقين ما أحد يقدر يعتدي عليكم، أما إذا كان كل واحد مشي لوحده فمن الممكن كسره والاعتداء عليه، كسر قضيب واحد سهل، لكن إذا ضُمَّ إليه مثله يأخذ قوة، ضُمَّ إليه ثالث رابع خامس يزداد قوة.
نحن نقول لهذا الطالب للعلم : هل تعتقد بأن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق؟ ماذا تظنه يقول أو ماذا تعلم؟.
السائل : يقول: إذا كان الضعف في راوٍ واجتمعت الطرق يصح الحديث.
الشيخ : كيف يعني.؟.
السائل : يعني إذا كان في السند راوٍ ضعيف وتعددت الطرق، لكن ليس فيها انقطاع ، ما يكون فيها انقطاع، إنما لضعف الرواة.
الشيخ : معليش، هل يقول بأن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق؟ لا أسأله التفصيل.
السائل : نعم هو يقول بهذا.
الشيخ : طيب لماذا يقول، لا أقول: بماذا يقول؟ وإنما أقول: لماذا يقول ذلك؟
السائل : يقول: لي سلف من قبل من المحدثين يقولون بهذا.
الشيخ : صاح هذا قناعته من أين جاءت؟.
السائل : من التعاضد.
الشيخ : يعني هو لاحظ معنى التعاضد، هنا يأتيه سؤال ثانٍ: إن جاء حديث من طريقين موصولين ليس ما فيه انقطاع، لكنّ كل منهما ضعف يتقوى عنده ولا يتطلب ثالثاً ورابعاً.؟.
السائل : يتقوى.
الشيخ : يتقوى، طيب، ما المعنى الذي لاحظه، وهو الذي يلاحظه الذي يقوي الحديث المرسل بالحديث المتصل، يعني كون هذا ضعيف بالإرسال، وكون الآخر ضعيفاً بسوء الحفظ، كلاهما يشتركان في الضعف، فلماذا يقول: بأن إسنادين علتهما ضعف الحفظ فهذا يقوي هذا، ولا يقول بأن ذاك المرسل لا يتقوى بمثل ما تقوى به الضعيف الآخر؟.
السائل : لأنه يقول: هنا عرفنا العلة في السند هذا وهو ضعف الراوي الذي ينجبر ضعفه، والثاني لم نعرف التابعي، وربما يكون الضعف فيه شديد جداً بحيث أنه لا يعتضد بهذا، فيقول مثلاً: ربما فيه بين الصحابي والتابعي راوٍ شديد الضعف لا ينجبر بالطريق ذاك، فكيف تجبرون برجل مبهم لا يعرف.؟.
الشيخ : ما هو الذي يلقى في النفس، أهو شديد الضعف أم ليس شديد الضعف؟.
السائل : بالنسبة له يا شيخ؟!
الشيخ : بالنسبة للمُرْسِل.
السائل : للمرسل؛ هو بالنسبة له يقول: الله أعلم، ربما يكون كذا ولا كذا.
الشيخ : الله أعلم، هذا كمن يقول: هذا الضعيف الذي قوينا به الضعيف الآخر يمكن أن يكون وَهِم وهماً لا يتقوى، باب الإنكار أريد أن أقول واسع، لكن البحث العلمي يوحي بأن الإنسان يأخذ ما يغلب على الظن، الآن نعود نحن إلى العلماء الذين احتجوا بالحديث المرسل، ماذا كان ملحظهم.؟.
السائل : كان ملحظهم إن أرسل لا يرسل إلا ... .
الشيخ : لا، كان ملحظهم أن هؤلاء -أي: العلماء الذين صححوا المرسل- لو غلب عليهم أن احتمال أن يكون المرسل أخذه من شديد الضعف كانوا ما صححوه، لكن هم إيش .؟ غلب على بالهم وعلى خاطرهم أنه لو كانت هذه الواسطة التي نحن جهلناها شديدة الضعف -حاشاهم- أن يكون إيش.؟ يَروون الحديث وينسبوه للرسول عليه السلام، فالذي يلقى في النفس في هذه الحالة -مع الاعتراف بأن احتمال ضعف الراوي ضعفاً شديداً احتمال قائم- لكن فيه هناك احتمال يقابله وهو الأكثر اطمئنان النفس عليه، وهو أنه ليس شديد الضعف، ولذلك صحح من صحح الحديث المرسل، فنحن لا أقل أن نعتبره شاهداً وليس فقط يعني محتجاً به. غيره .؟
السائل : أحسن الله إليه , أشيع في الآونة الأخيرة عن كتاب : " تقريب التهذيب " أنه كتاب غير معتمد في الجرح والتعديل؛ لكثرة الأخطاء المطبعية التي وقعت في ألفاظ الجرح والتعديل، فما رأيكم.؟ ومتى يؤخذ بكلام الحافظ إذا تعارض مع بعض علماء الجرح كـالذهبي وغيره.؟.
الشيخ : هذه المسألة تعود إلى الباحثين المتخصصين، لا تعود إلى طلاب العلم المبتدئين، على هؤلاء المبتدئين أن يعتمدوا ما في كتب الحافظ ابن حجر العسقلاني تماماً كما قلنا إجابةً عن سؤال من يعتمد على تصحيح الحافظ العراقي وأمثاله، قلنا: يعتمده إلا إذا تبين له خطؤه، فكون كتاب التقريب -مثلاً- تبين أن هناك أخطاءً كثيرة، لكن هذه الأخطاء الكثيرة لا تساوي الصواب الأكثر، فهي أقل بكثير من صوابه، فلا يجوز نحن أن نُعْرِضَ عن الاستفادة من هذا الكتاب لوقوع أخطاء فيه، فنحن نتبنى ما فيه حتى يتبين لنا أنه أخطأ فيه، أما أن نجعلها قاعدة نهدر هذا الكتاب، معنى ذلك: أن نهدر كل كتاب من كتب العلم، وأن نهدر كتبنا التي نحن نؤلفها بأيدينا؛ لأننا لا ندعي العصمة، ولذلك نحن نغير ونبدل بين كل مدة ومدة فيما يبدو لنا من خطأ أو وهم وقع فيه أحدنا، وليس أحد منا أبداً بالذي يكون وضعه من حيث الخطأ والصواب بأحسن من الذين سبقونا إلى هذا العلم، كالحافظ ابن حجر، واضح المراد.؟
السائل : تكملة للسؤال يقول : إذا تعارض كلام الحافظ رحمه الله في رجل -مثلاً-  وثقه وتكلم عليه الذهبي أو العكس.؟.
الشيخ : يستعمل قاعدة علماء الحديث: أن الجرح مقدم على التعديل، بشرط معروف عند العلماء، يعني أقول هنا: لا بد من تطبيق العلم ممن يستطيع التطبيق.
السائل : هل سكوت الحافظ عن الحديث إذا أورده في كتاب فتح الباري يعتبر تحسيناً له.؟.
الشيخ : هو هذه قاعدته لكنها غير مطردة، فقد وجدنا كثيراً من الضعاف في كثير من الأحاديث التي سكت عنها. وفي هذا القدر كفاية .
السائل : آخر سؤال يا شيخ , هو مهم بالنسبة لهم , لا يختص بالشيخ , يقول : إذا صحح أحد المحدثين السابقين حديثاً، ويرى الشيخ حفظه الله خلاف ما ذهب إليه هذا المحدث بأن ضعفه، دون أن نحصل على المصدر الذي عزى إليه ، كأن يكون مخطوطاً أو غير ذلك، ولم يكن فيه التوسع في تخريجه، فما وضع طالب العلم في هذه الحالة؛ علماً بأنه قد صارت إشكالات كثيرة في مثل هذا , فما تنصحنا ؟.
الشيخ : أظن أنه سبق شيء من الجواب، لكن لا بد من جواب جديد , إذا كان هذا الطالب يستطيع التمييز والتتبع فيعتمد ما وصل إليه بحثه واجتهاده، أما إن كان ليس أهلاً لذلك فهو يعتمد على من ثقته به أكثر من الآخر. واضح .؟
والسلام عليكم، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
السائل : شيخنا في تهذيب الكمال عل ذكر العلم , في ترجمة بعض المحدثين يصفه , بأن قال : كان يشرب العلم شربا .
الشيخ : ما شاء الله .
السائل : جزاك الله خيرا شيخنا .
الشيخ : استووا , سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة , سووا بين المناكب والأقدام , تقدموا قليلا أنتم الاثنين , أيوه , المحاذات تكون بالنظر إلى من خلف الإمام , وليس ينظر عن يمينه وعن يساره فقط , إلى من خلف الإمام على النظام العسكري , هكذا يكون كالبنيان المرصوص إن شاء الله , تقدم قليلا يا أخ , في الأخير تقدموا , تقدم أبو ليلى , إذا التفت يسارك هل ترى صدر من خلفي .؟ لا , إذن تقدم وبدون ما تقدم رأسك مثل ...
مراد تقدم كلامي للجميع ولو هو موجه إلى واحد , تقدموا قليلا أنتم , الله أكبر ... .
الشيخ : خطأ يقع في أكثر المساجد وأرجو الله أن ينجو هذا المسجد من مثل هذا الخطأ كما نجى من كثير من الأخطاء التي عمت المساجد كلَّها.
هذا الخطأ هو منبعه أنفس المصلين وليس من بعض الموظفين , ما هو هذا الخطأ.؟، وهو مسابقة الإمام بـ : " آمين "، هذا خطأ عم وطمَّ، في كل بلاد الإسلام التي حللنا بها نجد هذا الخطأ سائغا مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال بلسانه العربي المبين : ( إذا كبر فكبروا إذا أمَّن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )؛ الحديث واضح ، لكن تطبيقه مخالف لهذا الوضوح : ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا )؛ أنا الإمام أقرأ جهرا , أنتهي من قراءة الفاتحة بقولي : (( ولا الضالين )) ليس بعد ما أخذت نفس عشَّان أتابع الفاتحة بالتأمين، تجد عامة المصلين سبقوا الإمام بـ : " آمين "، ويأتي تأمين الإمام خلف تأمين المصلين، كأن القضية تعكيس لنص النبي الكريم هو يقول : ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا )، وأنتم بعضكم أو جلكم ولا أقول كلكم يسبق الإمام بـ : " آمين ".
لاحظتم ولا شك معي كان هناك صوتان: صوت يسبق الإمام بـ : " آمين "، وصوت يتأخر عن الإمام قليلا بـ : " آمين " وهذا هو السنة؛ بل هذا هو الواجب، لأن الرسول عليه السلام قال كما سمعتم : ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا ) وهذا التعبير عند العلماء له معنيان:
أحدهما : إذا تمسك به المقتدي كان أبعد ما يكون عن مسابقة الإمام، المعنى الأول : ( إذا أمَّن الإمام ) أي إذا انتهى من التأمين، حينئذ أنتم ابدؤون  بـ : " آمين ".
المعنى الثاني : إذا شرع هو بـ : " آمين " فاشرعوا أنتم بـ : " آمين " هذا المعنى الثاني هو الذي ترجح لدينا.
لكن الحقيقة في كثير من الأحيان تميل النفس إلى تبني القول الآخر لأن الناس اليوم توجيههم إلى الصواب طفرة واحدة صعب ، ولذلك نقول : اسمعوا الإمام وقد انتهى من آمين قولوا أنتم : آمين، لما يتمرنوا على هذه المرحلة حينئذ نقول لهم : إذا بدأ هو بـ : " آمين " قولوا أنتم : آمين.
ولحكمة واضحة كانت السنة بحق الإمام أن يجهر بـ : " آمين "، لماذا.؟.
أولاً : لكي لا يسابقوا الإمام، وثانيا: لينالوا هذه الفضيلة التي لو عاشها المسلم حياة نوح عليه السلام في عبادة الله كل هذه السنين لكان الثمن قليلا , وهي مغفرة الله عز وجل , مع ذلك فربنا تفضل على عباده المؤمنين فجعل لهم سببا ميسرا مذللا ليستحقوا به إذا طبقوه كما أمروا مغفرة الله تبارك وتعالى؛ ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا ) ليه.؟ ( فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ).
الملائكة بلا شك هم رواد المساجد , وهناك في السنة ما يدل أنهم طائفتان: طائفة تنزل وطائفة تصعد، فلا تخلو المساجد من الملائكة، وطبيعة الملائكة كما تعلمون من قوله تعالى : (( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ، أنهم لا يخطؤون كما نخطأ نحن البشر، فهم ماذا يفعلون حينما يصلون مع الإمام أيسابقونه بـ : " آمين "؟؛ لا، نحن نفعل هذا . أما هم فكما عرفوا شريعة الله لا يسبقون الإمام بـ : " آمين "، حينئذ المقتدي إذا صار بتأمينه مع الملائكة الذين لا يعصون الله في كل شيء ومن ذلك التأمين خلف الإمام استحق هذا المُأَمِّن من البشر حسب ما نص الرسول في الحديث أن يغفر الله له، ما شاء الله كم ربنا كريم على عباده المؤمنين ليغفر لهم ذنوبهم فقط احفظ نفسك، حينما تكون حاط بالك في تلاوة الإمام القرآن , وعرفت هذا الدرس وهذا الحديث النبوي، ما تسبق الإمام بـ : " آمين " وإذا أنت تابعته متابعة صحيحة خرجت من صلاتك كيوم ولدتك أمك.
فهذه فضيلة عظيمة جدا فأرجو أن تحرصوا عليها ولا تسبقوا الإمام بها لأنكم بدل أن تكسبوا الفضيلة هذه -مغفرة الله- تقعون في المعصية، لأن مسابقة الإمام لا يجوز. إذا كبَّر الإمام فكبروا إذا أمَّن فأمنوا، فإذا أنت سبقت الإمام للتكبير فقد عصيت رسول صلى الله عليه وسلم , وبذلك تستحق عقوبة الله.
الذي يسبق الإمام إذًا بـ : " آمين " يخسر مرتين؛ المرة الأولى يخسر مغفرة الله، والمرة الأخرى يستحق عقاب الله عز وجل.
وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. قوموا إلى سنتكم ثم إلى داركم ...
الشيخ : ... فالذي يصلي بالناس إمام أو يخطب فيهم أو ما شاء الله من ذلك , ما يلزم أن يشعر بالراحة حينما تأتيه الإجازة , عرفت كيف .؟ واضح .؟
السائل : أي نعم واضح , جزاك الله خيرا , أنا موضوعي كذا مرة طرق أمامي استفد فيه , بس أنه كلمة إجازة قلنا لعله فيه كلمة بدلها نستبدلها , يعيني بهذه العطلة التي هو عطلها نستخدم لفظ آخر ... .
الشيخ : يعني القضية أنه أنا في فسحة في فرصة في شيء , خلفت أحد ... .
الشريط بصيغة mp3 

المصدر : ( من هنا )

العودة إلى قائمة الأشرطة

0 التعليقات:

إرسال تعليق