السبيل إلى العزة والتمكين

تفريغ الشريط رقم 61 من سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني رحمه الله



الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
لقد كان من هدي نبينا صلوات الله وسلامه عليه أن يفتتح كلامه وموعظته وخطبه بهذه الخطبة الموجزة البليغة, التي سمعتموها, وتسمعونها منا عادة, وفيها كما تعلمون هذه القاعدة العظيمة: ( وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار ), نقول في هذه الخطبة المباركة, هذه القاعدة الهامة من قواعد الشريعة, ويتجلى أهميتها عند من يتفقه في كتاب الله عز وجل, وبخاصة في قوله تعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .
فإن الله عز وجل يمتن في هذه الآية الكريمة على عباده أنه أكمل لهم الدين, وأتم عليهم النعمة, وكثيرا من الناس لايتمتعون بهذه النعمة العظيمة, وبعظمتها قد امتن الله تبارك وتعالى على عباده بها, وذلك لغفلتهم عن أهمية كمال الشريعة, هذا الكمال الذي يغني الناس عن أن يشغلوا أنفسهم ما بين يوم وآخر أو أسبوع وآخر أو شهر أو سنة أو أخرى أو قرن وأخر, بأن يفكروا وأن يشغلوا أذهانهم بما يقربهم بأن يتعرفوا على ما يقربهم إلى الله زلفى, أكمل الله عليهم النعمة, بأن أكمل لهم دينهم, في هذه النكتة التي تنبه لها بعض أحبار يهود, في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, حين جاء إليه ليقول له : " يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله لو علينا معشر يهود نزلت, لاتخذنا يوم نزولها عيدا " قال : " ما هي " , فذكر الآية السابقة: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال له عمر : " لقد نزلت في يوم عيد ", كأنه يقول : أبشر فقد اتخذ المسلمون يوم نزول هذه الآية عيدا, ذلك لأنها نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة وفي يوم جمعة, ويوم الجمعة يوم عيد المسلمين الأسبوعي, يتكرر ليس في كل سنة, بل وفي كل أسبوع مرة, لماذا قال هذا الحبر اليهودي إن هذه الآية لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيدا ؟, لما فيها من تفضل الله عز وجل على عباده بأن أتم لهم الشريعة, فأكملها فأغناهم عن الاجتهادات الشخصية التي قد يتفننون بها ويتوسعون فيها, ليتقربوا إلى الله زلفى.
وقد يضلون لأننا نعلم جميعا أن المجتهد معرض للخطأ, وإن كان مأجورا على خطئه, إذا ما أفرغ جهده لمعرفة الصواب الذي أمر الله به, كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإذا أخطأ فله أجر واحد ) فتمام الشريعة إذا يغنيهم عن مثل هذه الاجتهادات التي يراد بها توسيع دائرة التقرب إلى الله عز وجل, لأن الله عز وجل قد أتم النعمة بذلك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به, وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) . لذلك ثبت عن بعض السلف أو جاء عن بعض السلف وهو بالضبط حذيفة بن اليمان أنه قال : " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها " أي فلا تتعبدوا بها, " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها ".
وقد تلقى هذا المعنى الخلف الأول عن السلف الأول في عبارة متنوعة من أهمها قول مالك رحمه الله تعالى : " من ابتدع بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة, اقرأوا قول الله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال مالك : فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا, ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " هذه الكلمة من إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى, هي بحق كما كانوا يقولون قديما تكتب بماء الذهب, لأنها وضحت لنا المقصود من هذه الآية, التي تمنى ذلك اليهودي أنها لو نزلت عليهم لاتخذوها عيدا, والمسلمون والحمد لله اتخذوها أيضا عيدا, كما سمعتم من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنها نزلت يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على عرفة.
فهو يقول على صيغة التنكير الذي يفيد الشمول : "من ابتدع بدعة -واحدة- يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " من هنا ينبغي على كل مسلم عرف هذه الحقيقة, وهذه المنة التي امتن بها الله على عباده بإتمامه لدينه, ألا يتجرأ على مقام الشريعة فيستحسن ما شاءت له عادته أو هواه أو أي شيء آخر من البدع ومحدثات الأمور بحجة؛ وهذه الحجة حجة داحضة طالما نسمعها من كثير من الناس, وقد يكون فيهم من ينسب إلى العلم, إذا ما أنكر عليه بدعة لم تكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن في عهد السلف الصالح, يكون الجواب شو فيها يا أخي, يغفلون جميعا هؤلاء الناس عن الآية السابقة, وتمني الحبر, وتفسير الإمام مالك لها بقوله: " من ابتدع بدعة واحدة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ", فهؤلاء الذين يقولون حينما تقيم الحجة عليهم بأن هذا الذي تفعله, يبدؤونك بقولك أو بقولهم شو فيها؟.
الجواب فيها نسبة الجهل إلى الشارع الحكيم وهو الله تبارك وتعالى, الذي أنزل هذه الآية. أو فيها نسبة كتمان العلم إلى محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر بتبليغ كل ما أوحي إليه مما يتعلق بشرع الله عز وجل, كما قال عز وجل: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) لا أريد أن أطيل في هذه المسألة, وهي ذات شعب وذيول كثيرة, وإنما أردت أن أقدم كلمة بين يدي بدعة هي بنت هذا العصر, وبنت هذه الساعة التي نحياها, لم تكن معروفة من قبل, ولا يمكن لأحد أن يعرفها, أو أن يتنبه لها, إلا إذا كان متتبعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم, وسنة أصحابه الذين كانوا يقتدون به في كل ما يتعلق بالشرع.


هذه البدعة هي من جانب تتعلق بما يتوهمه البعض أنه شرع, تتعلق بالسلام الذي أمرنا بإشاعته وإفشائه بين الأنام, في مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم, أفشوا السلام بينكم ) وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: ( السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم ).
هذا الإفشاء هو بلا شك أكثر من إلقاء السلام, لأن إلقاء السلام هو حينما تلقى أخاك لأول مرة, فأنت تسلم عليه وجوبا لابد منه, أما إفشاء السلام فهو أكثر من ذلك, من ثوابه مثلا إذا دخل أبو أحمد من تلك الغرفة إلى هذه الغرفة فهو يقول: السلام عليكم؛ كذلك إذا خرج من هنا إلى تلك الغرفة التي خرج منها إلينا أيضا يقول السلام عليكم, وإن كان هو لا يقول لكن هكذا ينبغي أن يكون, وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المجلس فليسلم وإذا خرج فليسلم, فليست الأولى بأحق من الأخرى ) فإذا هذا من إفشاء السلام دخولا وخروجا, كلما دخل وخرج السلام عليكم, السلام عليكم.
من ذلك أيضا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا, وما ثبت عن الصحابة تطبيقا, فقد كانوا ائتمارا منهم بقوله عليه السلام, إذا كانوا في سفر أو في طريق جماعة فحال بينهم شجر أو حجر ثم التقوا قال بعضهم لبعض: السلام عليكم, ماشين معا لكن فصل بينهم صخرة أو شجرة أو ما شابه ذلك, فسرعان ما يلتقون وراءها فيبادر بعضهم بعضا بالسلام, هذا كله داخل في باب قوله عليه السلام: ( أفشوا السلام بينكم ).
ترى هل من إفشاء السلام ؟ وهنا كما يقال بيت القصيد, يدخل أحدنا اليوم إلى المجلس, فيلقي السلام وهذا واجب, لأنه من حق المسلم على المسلم ( إذا لقيه فسلم عليه ), لكن إذا كان في مجلس مثلا خمس أشخاص, أو عشر أشخاص, أو أكثر أو أقل, فالمعتاد الآن أن الداخل يسلم على كل فرد من الأفراد الجالسين, ونعني بالسلام هو السلام الشرعي, وليس السلام الأردني. لأن السلام الأردني تعلمت هنا أنهم يقصدون بالسلام يعني المصافحة, فكثيرا ما سئلت وكنت غافلا من قبل, لما يسأل واحد: أنا ألقى امرأة عجوزا في الطريق, فهل يجوز أن أسلم عليها؟ فبقول له: بجوز, وإذا به يعني ماذا؟ المصافحة, لذلك أقول قصدي أنا السلام الشرعي, السلام عليكم.
فهل هذا الداخل حينما يدخل يسلم على كل فرد من الجالسين السلام عليكم, السلام عليكم, السلام عليكم ؟, لا أعني المصافحة لأن المصافحة سنة, وهي من تمام السلام, كما جاء في بعض الأحاديث ولو بسند ضعيف: ( من تمام التحية المصافحة ) احفظوا عني هذا الحديث ضعيف السند, لا يجوز أن ننسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, لكن معناه جميل, ذلك لأنه قد ثبت عن بعض الصحابة ولعله أبو ذر رضي الله عنه, قال: ( ما لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وصافحنا ) فإذا من تمام التحية المصافحة, ولكن ليس من تمام التحية والسلام الشرعي أنك تسلم على كل واحد من الجالسين تسلفه سلفا بـ السلام عليكم, السلام عليكم, إلى أن ينتهي مصافحة الجميع, لا, حينما يدخل الداخل من الباب السلام عليكم, هذا السلام موجه للجميع, إذا كان من الميسور له أن يصافح كل فرد من الأفراد الجالسين, فذلك خير له وأبقى, أما إذا كان في حرج مثل الآن, ما شاء الله العدد, بارك الله فيه, كثير, فإذا يجلس حيث انتهى المجلس, ويكتفي بالسلام عليكم إذا تيسر له المصافحة إذا كان العدد قليلا, فذلك أفضل لما ذكرناه آنفا من قول ذلك الصحابي: ( ما لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صافحنا ) ولقوله صلى الله عليه وسلم الذي فيه بيان لأجر عظيم جدا لمصافحة المسلم لأخيه المسلم, ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف ).
فإذا المصافحة سبب شرعي من أسباب المغفرة من الله عز وجل لعبديه المتصافحين, هذا الذي أردت التنبيه عليه, لأنني رأيت كثيرا من الناس, وبخاصة غير الذين ينهجون منهج السنة والسلف الصالح, اتخذوها عادة في هذا العصر, أنه يسلم على كل فرد من الأفراد الجالسين, فهذا ليس من السنة, فإذا عرفتم البحث الذي قدمناه بين يدي هذه الجلسة, أن الدين كمل, وأنه لا مجال للابتداع الذي يسميه البعض بالاستحسان, إذا عرفتم ذلك فنقف حينئذ عند ما ثبت لدينا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية أو الفعلية, وهذا الذي أردت بيانه والحمد لله رب العالمين. إن كان لأحد سؤال حول ما تقدم من الكلام والبيان فهو له الأرجحية في الجواب عليه, وإلا سمعنا ما عندكم من الأسئلة قبل أن ينتهي بنا الوقت. نعم.

السائل : عندما نبين لبعض الناس مثل هذا الكلام الذي تفضلت به, جزاك الله خيرا, يقول مستشهدا بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من سن في الإسلام  سنة حسنة ) فحبذا لو توضح لنا كيف نرد عليه الرد الصحيح السليم؟
الشيخ : الحقيقة أن هذا السؤال بالنسبة لكثير من الناس مهم جدا, ذلك لأن له علاقة قوية بما أشرت في تضاعيف كلامي السابق, أنه ليس لنا أن نستحسن, فقد يقول قائل: كيف هذا؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة, دون أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها, ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة, دون أن ينقص من أوزارهم شيء ).
فالجواب على ذلك أقول: لقد تعلمنا من كتب علماء التفسير, أن من الطرق التي يتمكن بها طالب العلم من فهم الآية فهما سليما وصحيحا, أن يتعرف على سبب نزولها, إذا كان لها سبب نزول, فإن ذلك يساعد مساعدة قوية للوصول إلى الفهم الصحيح لها, بعد أن يستعمل مع التعرف على سبب النزول استعمال الآداب العربية التي تساعد على فهم الكلام العربي, وبخاصة كلام رب العالمين تبارك وتعالى, تعلمنا هذا منهم, فاقتبست أنا فائدة, فقلت كما قالوا هم في معرفة أسباب نزول الآية, إنها مساعدة كبيرة لفهم الآية فهما صحيحا, اقتبست من ذلك فقلت كذلك: مما يساعد على فهم الحديث النبوي فهما صحيحا, أن نتعرف على سبب ورود الحديث, هناك في القرآن سبب النزول, أما في الحديث سبب الورود, أي أن نعرف المناسبة التي قال الرسول عليه السلام الحديث فيها, وستعلمون جيدا أهمية هذه القاعدة, أن نعرف سبب ورود الحديث, سيتبين لكم كم الفرق بين من عرف سبب الورود, ومن غفل عن هذا السبب ولم يعرفه.
هذا الحديث: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) مما رواه الإمام مسلم في صحيحه, من رواية جرير بن عبد الله البجلي, رضي الله تعالى عنه قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أعراب مجتابي النمار, متقلدي السيوف, عامتهم من مضر, بل كلهم من مضر, فلما رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم تمعر وجهه " تمعر وجهه يعني: تغيرت معالم وجهه إلى ما يدل على حزنه عليه السلام, حينما رأى علامات الفقر على هؤلاء الناس, الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم, " فقام في الصحابة خطيبا, وتلا قول الله تبارك وتعالى : (( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتن إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ثم وعظهم, وكان من وعظه إياهم أن قال لهم : ( تصدق رجل بدرهمه بديناره, بصاع بره بصاع شعيره ).
تصدق فعل ماض كما يقول علماء النحو, لكنه بمعنى الأمر, أي ليتصدق, تصدق رجل أي ليتصدق الرجل منكم بما تيسر له من الصدقات, من نقود دراهم أو دنانير, من طعام قمح أو شعير أو تمر أو نحو ذلك, " فتحرك أول من تحرك رجل من الذين سمعوا خطبة النبي صلى الله عليه وسلم, وذهب سريعا إلى داره, ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقات, فوضعها أمام الرسول عليه السلام, فقام الآخرون وذهب كل واحد منهم, ليعود بما تيسر لهم من الصدقات, فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات كأكوام الجبال, أكوام, فلما رأى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم تنور وجهه كأنه مذهبة " تنور وجهه كأنه مذهبة, المذهبة هي الفضة المطلية بالذهب, فيتلألأ جمالا, هكذا يشبه راوي الحديث, وهو جرير بن عبد الله البجلي, كيف اختلفت انطباعات الرسول عليه السلام أخيرا على انطباعاته الأولى, يقول في الأول: ( تمعر وجهه ) عليه السلام, ويقول عنه أخيرا: ( تنور وجهه عليه السلام كأنه مذهبة ). "
وهذا السبب واضح, أو هذا التغير والتنور سببه واضح, لأنه فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم باستجابة أصحابه لأمره إياهم بالصدقة, فوسعوا على أولئك الأعراب الذين جاؤوا إليه عليه السلام في حالة فقر مدقع, تنور وجهه عليه السلام كأنه مذهبة, ثم قال: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) إلى آخر الحديث, انظروا الآن كم يخطيء هؤلاء الناس الذين يستدلون بهذا الحديث على بدعهم, التي استحسنوها بمجرد عقولهم, إن لم نقل اتباعا منهم لأهوائهم, أين للبدعة هنا مكان في هذه الحادثة التي سمعتموها منقولة من صحيح مسلم, لا تجدون هنا شيئا يمكن أن يذكر أو أن يوصف ببدعة إطلاقا, إنما هو الصدقة, والصدقة كانت مشروعة قبل أن يخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة حاثا لهم على الصدقة, لأنكم سمعتم أن من خطبته عليه السلام في هذه الحادثة, أن تلى عليهم الآية الكريمة: (( وأنفقوا من ما رزقناكم ... )) إلى آخرها, فإذا ليس هناك ما يمكن أن يدخل في باب البدعة الحسنة زعموا! لأن الصدقة مشروعة بنص القرآن, والسنة وإجماع الأمة.
إذا حينما يفسرون قوله صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة اصطدم هذا التفسير وليس الحديث, اصطدم هذا التفسير بالواقع, لأن الواقع لا يوجد فيه ما يمكن أن يجتمع بالبدعة إطلاقا, أما إذا فسر بالمعنى العربي, سن بمعنى فتح طريقا, فهذا واضح جدا, لأن ذاك الرجل الأول هو الذي فتح الطريق بين يدي الصحابة الآخرين حينما ذهب ليرجع بما تيسر له من الصدقة, فاتبعه الآخرون على ذلك, فكان هو قد سن لهم الصدقة في ذلك المجلس, أما الذي حسنها والذي شرعها وجعلها للناس دينا ليس هو ولا الرسول عليه السلام, وإنما هو رب العالمين, لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له من التشريع شيء, إنما هو كما قال تعالى مخاطبا إياه بالآية: ....ولذلك من الخطأ الفاحش جدا, الخطأ اللفظي ما نقرأه في بعض الجرائد والمجلات وبعض المحاضرات قال المشرع, من هو المشرع؟ يعني المقنن, ما يقصدون بذلك رب العالمين, وهنا نذكر قول ربنا عز وجل: (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) فالله وحده عز وجل هو المشرع, والشاهد أن ذاك الصحابي الأول لم يكن له شيء في هذه الحادثة سوى أنه فتح الطريق, ذكر الآخرين بأن عليهم أن يستجيبوا لما حضهم الرسول عليه السلام من الصدقة, فكان له أجر هذه الصدقة وأجر الصدقات الأخرى التي تصدق بها الذين ساروا مسيرته, واقتدوا به رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هذا ما يتعلق بمعرفة أسباب ورود الحديث, وأننا إذا عرفنا هذا السبب حينئذ ضربنا لتأويلهم الحديث بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة, ضربنا بتفسيرهم هذا عرض الحائط, وقلنا لهم: هاتوا وين البدعة في هذه الحادثة, ولذلك قلت مرة أو أكثر من مرة, إذا لم يكن في الحادثة كما سمعتم, حادث حدث يمكن أن لا يكون شرعا معروفا من قبل, وإنما هو شيء حسن استحسنه أحد الحاضرين فيكون بدعة, قلنا حينئذ لا يتفق قوله عليه السلام: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) وقد قالها بمناسبة صدقة مع التفسير الذي يقوله بعض الخلف من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة, كنت أقول وأقرر ذلك أحيانا, لا يمكن لرجل عربي, بل لا يمكن أن يقول رجل أعجمي مثلي, أنا ألباني, أن يقول من سن في الإسلام سنة حسنة بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة, بمناسبة الصدقة, هذا رجل عربي مستعرب أصله أعجمي, عار عليه أن يقول مثل هذا الكلام, من سن في الإسلام سنة حسنة بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة, بمناسبة الحادثة التي لم يقع فيها إلا الصدقة, فكيف ينسب هذا المعنى الأعجمي, بل يرفضه حتى الأعجمي المستعرب, كيف ينسب هذا المعنى إلى أفصح من نطق بالضاد, هذا خطأ فاحش جدا, فاعتبروا يا أولي الأبصار.
هذا شيء نستفيده فقط من معرفتنا لسبب ورود الحديث, وكما قلت لكم آنفا, علماء التفسير يقولون: معرفة سبب نزول الآية يساعد على معرفة معناها, والباقي من اللغة العربية وآدابها, كذلك معرفة سبب ورود الحديث يساعد على معرفة الحديث, ثم الباقي من آداب العربية ولغتها.
أقول شيئا آخر بغض النظر عن هذا الأمر الأول, وهو سبب ورود الحديث؛ الحديث يقول: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) ثم في الفقرة الثانية: ( من سن في الإسلام سنة سيئة ) فاسأل هؤلاء الناس الذين يتجرؤون على مقام الشارع الحكيم, الذي امتن علينا بالآية التي بدأنا الكلام حولها: (( اليوم أكملت لكم دينكم ... )) فيحسنون و يفتحون من الدين ما أغلق بابه وختمت النوافل من قبل الله عز وجل كما ذكرنا في الحديث السابق.
نقول لهؤلاء: ما هو سبيل معرفة السنة الحسنة ومعرفة السنة السيئة؟ العقل أم الشرع؟ هذا السؤال مهم جدا, وهو في اعتقادي إن كانوا ناصحين مرتضين طالبين الحق, سيقولون أحد شيئين, وحينذاك يتبين ما في نفوس هؤلاء, أو قلوب هؤلاء, من علم أو جهل, السنة الحسنة والسنة السيئة في هذا الحديث, معرفة ذلك أهو طريق النقل أم طريق العقل, إن قالوا طريق النقل, قلنا أصبتم, فلنقف هنا لنبحث, وإن قالوا طريق العقل خرجوا عن أهل السنة والجماعة, وألحقوا ببعض الفرق الضالة, منها المعتزلة الذين يظنوا كثير من الناس أنها فرقة مضت وانقضت وانقرضت, والواقع أن هذه الفرقة لا تزال آثارها منبثة في جماهير الناس, حتى في أهل السنة زعموا, لأن منهج أولئك هو منهج هؤلاء, منهج هؤلاء في تحكيمهم لعقولهم هو منهج أولئك تماما, قلت لكم آنفا في أثناء الكلام, عن هذا الموضوع الهام, إذا أنكر على بعضهم بدعة من هذه البدع, سيقول لك: شو فيها يا أخي؛ أترون هذا حكم النقل أم حكم العقل؟!
أما أنا فأقول: لا العقل ولا النقل, وإنما حكموا عاداتهم وأهواءهم, فإذا هم أصابوا الجواب وقالوا: لا, معرفة السنة الحسنة والسنة السيئة مرجعنا ذلك إلى الشرع إلى النقل؛ إذا قفوا معنا إلى هاهنا, إذا قلنا هذا الأمر هو من السنة الحسنة, إذا اتفقنا على أن معرفة ذلك من النقل, فهات النقل الذي يدل على أن هذا الشيء الذي أنت تستحسنه جاء عليه النقل وليس العقل, وهنا تنقمع المجادلة مع هؤلاء, لأن مصيرهم سيكون إما خضوعهم للحق حينما يعجزون عن الإتيان بالنقل الذي يحسن بدعتهم, وإما أن يكابروا ويجادلوا بالباطل, حينئذ نقول لهم كما قال تعالى: (( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )) . إذا التحسين هنا للشيخ واستقباحه إنما يكون بالرجوع إلى النقل, وإذا رجعنا إلى النقل استرحنا جميعا, وارتفع الخلاف.
أنا سأضرب لكم مثلا بسيطا جدا, غير المسألة التي طرحناها سابقا, وقدمنا لها هذه الكلمة, المصافحة التي يفعلها الناس اليوم بعد الصلاة, بكون أنا والشيخ داخلين المسجد, تلاقينا وتصافحنا وتحادثنا, وكل شيء فعلناه, صلينا تقبل الله, تقبل الله, ما هذا؟! بدعة حسنة, طيب شو دليلك أن هذه بدعة حسنة, سوف لا يقول لك أن الرسول فعل ذلك, لأنه يعرف أن هذه بدعة, وسوف لا يقول لك أن الرسول عليه السلام أمر بذلك, لأنه لا سبيل للتعرف على مثل هذا الأمر, إذا حجتهم كحجة الأولين: (( بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون )).
فهذا جواب السؤال السابق أن حديث: ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) إلى آخره, لا يدل على أن في الإسلام بدعة حسنة, وإنما في الإسلام بدعة حسنة, وإنما في الإسلام سنة حسنة, ومعرفة السنة الحسنة هو من طريق السنة, وليس من طريق العقل أو العادة أو الهوى.

الشيخ : في شيء آخر ؟
السائل : نعم
الشيخ : تفضل.
السائل : يا شيخ سمعنا أنه ورد في الأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما " أن في كل ضربة عند تحريك الأصبع في التشهد عشر حسنات ", ... من ذلك ؟
الشيخ : أنا أحفظ ذلك عن عقبة بن عامر, على كل حال سؤالك عن ماذا؟
السائل : عن هل هناك عشر حسنات, صحيح, قول ابن عمر موقوف عليه أم ماذا؟
الشيخ : نعم, هو موقوف عليه, لكن هذا الموقوف سواء كان عن ابن عمر أو عقبة أو عن كليهما معا, هذا الموقوف في حكم المرفوع يقينا, لماذا؟ لأن كل حسنة بعشر أمثالها, فلا شك أن الحركة حسنة, وإلا ما فعلناها, فمادام أنها حسنة فهي تفعل, وهذا ما يؤيد ما نحن متمسكين به في الصلاة من تحريك الأصبع من أول التشهد إلى آخره, وهذا يشجعنا على تطبيق ما صح عن إمام السنة أحمد بن حنبل, وهذا ما ذكرته في صفة الصلاة, أنه قال: " يحركها شديدا " لأن التحريك الشديد معناه إكثار الحسنات بالمئات, فليس لأحد أن يحارب هذه السنة, وينكرها ويجحدها, فكم وكم من مئات الحسنات يكسبها في هذه الجلسة التي يجلسها في التشهد.
السائل : كيف تكون حركة الإصبع, كيف تكون ؟
الشيخ : أي نعم, بعض إخواننا من العاملين معنا بالسنة, نراهم يحركون المسبحة أو السبابة, لكن بعض العلماء ما يستحلون تسمية الأصبع هذه بالسبابة, لأنه هذه تتعارض, واحد يسب الثاني يعمل له هكذا بوجهه, لا الأحسن من السبابة المسبحة, يسبح بها, الشاهد بعض إخواننا حينما يأتون بهذه السنة يخالفون السنة هنالك, لعدم انتباههم, ولعدم حضورهم لدروس عملية, فهم يعرفون أن السنة تحريك الأصبع, لكن ماذا يفعلون؟ هكذا, هذا التشهد, هذا اسمه خفض ورفع, هذا لا أصل له في السنة, الراوي العربي الصميم اليمني, وهو وائل بن حجر, قال: ( رأيته يحركها يدعو بها ) لو كان رآه يفعل هكذا كان قال: يخفض ويرفع, يرفع ويخفض, هذه واحدة, ثانيا بعض إخواننا يفعل هكذا, يميتها, هو يحركها صحيح, ما يخفض, ما يخفض ويرفع, لا, لكن يميلها إلى الأرض, والسنة أن يوجهها إلى القبلة, إلى القبلة, فهو يشير بها إلى القبلة ويحركها, فهذا ينبغي أن نلاحظه إن شاء الله.
الحلبي : أستاذي, البعض ينقل عن المالكية أن تحريكهم يسرة ويمنة؟
الشيخ : هذا ليس له أصل, هنا في الواقع ذكر في هذه السنة أشياء عجيبة جدا, مع سهولتها وبساطتها, فأولا بعض متعصبي الحنفية, لا يرون الأصبع في التشهد مطلقا, ولم يقوي من هؤلاء ما يعرفوا رفع الأصبع في الصلاة إطلاقا, يعني يضعها على فخذه من أول التشهد إلى آخره, بعضهم يرفعها على استحياء, يعمل هيك, وانتهت المسألة, بدون قبض أصابع, حاط هيك, وهذا الإهمال سببه أن هناك قولا في المذهب الحنفي, لرجل حنفي, نسيت والله شو اسمه ؟
الطالب : خلاصة التيجاني عند الحنفية
الشيخ : ايش ؟
الطالب : التيجاني
 الشيخ : يمكن يكون هو هذا . ذكر في محرمات الصلاة رفع الأصبع, من محرمات الصلاة رفع الأصبع, علما بأن رفع الأصبع بغض النظر عن الكيفية, سبب الحديث الذي هنا, ومن حديث عبد الله بن الزبير, ومن حديث وائل بن حجر, وغيرهم مما لا أذكر, ومع ذلك يقولون, هؤلاء المتعصبون, بأن رفع الأصابع في الصلاة من المحرمات, وهذا سببه تحكيم الرأي على السنة, ولذلك لقبوا بأهل الرأي من قديم, لأنهم كانوا يحكمون آراءهم على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم, ما أعجبهم منها قبلوه, وما لم يعجبهم رفضوه, وهذا إلى اليوم موجود في كثير من الكتاب المعاصرين اليوم, لكن لا يزال والحمد لله على مر الأيام والسنين, يوجد ناس من أهل العلم في كل مذهب, فقد ألف الشيخ علي القاري رسالة جيدة في الرد على التيجاني هذا أو غيره, برسالة سماها: " تزيين العبارة بتحسين الإشارة في الصلاة ".
أريد أن أقول, بعد هذا الخطأ الواضح, وهو أن تحريك الأصابع في الصلاة محرم, ثبت للمسلمين بسنية الإشارة في الصلاة على أقوال: أولا: اختلفوا على قولين, هل هناك تحريك أم ليس هناك تحريك, من أول الصلاة إلى آخرها, فالحنفي والشافعي ليس هناك تحريك ..., بخلاف المالكية والحنابلة فهناك تحريك مستمر, لكن على خلاف بينهما, المالكية كما سمعتم من الأخ علي يحركون, لكن أولا: يضعون القبضة على فخذهم هكذا, ثم يفعلون هكذا, هذه القبضة لا نجد لها أثرا في السنة إطلاقا, بل نستطيع أن نقول خلافا للسنة, لأن الأحاديث التي أشرنا إليها آنفا, وبخاصة حديث وائل بن حجر, يقول :" أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد, وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى, ووضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى,- إذا ما في وضع ... القبضة وإنما وضع الكف على الفخذ - ثم بعد هذا الوضع قبض أصابعه, وحلق بالوسطى والإبهام, ووضع السبابة, فرأيته يحركها يدعو بها " إذا هذا القلب اللي وضع, وبدل السنة, من أين جاء؟ هذا لا أصل له وإنما هو الرأي, بعدين المالكية أصابوا بالاستمرار بالتحريك, بغض النظر عن الكيفية تبعهم.
أما الحنابلة فجاؤوا بأمر آخر, وهذا كله من محض الرأي على قلة ما نجد ذلك في الحنابلة, وأنهم في الواقع يغلب عليهم التمسك بمذهب إمامهم إمام السنة, لكن هذا مما خالفوا فيه السنة والإمام في آن واحد, ذلك بأنهم قالوا: يرفع أصبعه عند لفظ الجلالة ( التحيات لله, والصلوات والطيبات, السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله ... ) وهكذا, هذا ليس له أصل, بل هو مخالف لقول إمامهم كما قلنا: " يحركها شديدا " ويخالف حديث وائل بن حجر.
أما المذهبان الآخران الحنفي والشافعي, فهم أولا: خالفوا سنة التحريك المستمر, لأنهم قالوا: يرفع أصبعه في الشهادة لله بالوحدانية, لكن  صدقوا, الحنفي يرفع عند قوله أشهد أن ألا إله إلا الله, لا إله إلا الله, فرفع وخفض, ورجع الكف كما كان, الشافعية يقولون: يرفع عند الإثبات, لا إله إلا الله, ويظل هكذا بدون تحريك. نحن نقوق لهم كما قلنا لأولئك: من أين جئتم بأن التحريك أو رفع الأصبع إنما هو عند الشهادة فقط, سنقول للحنفية من أين جئتم أن بعد الرفع فيه وضع, نقول لهم: هذا لا أصل له في السنة إطلاقا, أقرب المذاهب في الواقع بعد قول الإمام أحمد الذي ذكرناه, هو قول الشافعية, حيث رفعوا واستمروا بالرفع, لأن هذا الوضع بعد الرفع يتطلب نصا خاصا, وهذا لا وجود له في كل الأحاديث التي وقفنا عليها, هذه كلمة حول الإشارة بالأصبع بالتشهد مع تحريكها

الحلبي : بالنسبة للتصوير في أفغانستان, تصوير الفيديو والكاميرا, صور ويرسلوها للدول, فهل هذا التصوير يعد من تصوير الضرورة؟
الشيخ : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر, وذراعا بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) لقد قلنا أن طبيعة الكفار والكفر الذين لا يعملون لله عز وجل, والذين لا يوجد لديهم من المنشطات والمرغبات بطريق الوحي ما عند المسلمين, ولذلك فهم يستحسنون هذا التصوير, ويتخذونه وسيلة للتشجيع, وللفت نظر الناس, ونحو ذلك, كما يفعلون تمام بما يسمونه التمثيل, يمثلون بعض الروايات, وكلامنا فيما يزعمون من روايات, مواضيعها لمصلحة الشعب, ليس لمضرة الشعب, بالروايات التي تبث للجنس ونحو ذلك, فهم بالواقع بحاجة لمثل هذه التمثيليات, لأنه لا قرآن عندهم, ولا أحاديث من باب الترغيب والترهيب, الذي هذا كله نحن يغنينا عن أن نسلك سبيل من قبلنا, أضف إلى ذلك شيئا آخر, العالم الإسلامي اليوم مع الأسف, يستجدي العطف لضعفه من الأقوياء, ولو كانوا أعداءهم, وهذا النوع من التصوير الذي سئلت عنه, باعتقادي هو من هذا الباب أيضا, ولا يلزم المسلم أبدا أن يكون خاضعا أو ذليلا لغير المسلمين, فنسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا, وأن يوفقنا لاتباع شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم في كل شؤون حياتنا, نعم.

السائل : بالنسبة لما ذكرتم قبل قليل من كراهة العلماء تسمية المسبحة بالسبابة, فيروى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ( أنا وكافل اليتيم في الجنة  وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى ), فإذا كان الحديث صحيحا فلا مجال لرأي العلماء في كراهية تسمية هذه الأصبع بالسبابة, والله أعلم ؟
الشيخ : أولا الحديث الذي تذكره أنت يختلف عن الحديث الذي ذكرته أنا آنفا, أنه رفع السبابة, أم ما انتبهت إلى هذا؟ هذا أولا ...معليش, أولا يعني أنا سبقتك بإيراد الحديث الذي فيه لفظه السبابة.
السائل : نعم صح.
الشيخ : لكن نحن نريد أن نفهم شيئا جديدا, في حديثك لفظة السبابة ... حصلت أو صدرت ؟
السائل : من راوي الحديث.
الشيخ : طيب, أن قلت عن راوي الحديث قال إن الرسول رفع السبابة, وأنت كذلك, فأي شيء في هذا, على أننا نقول لو نطق الرسول عليه السلام بذلك, وثبت ذلك عنه, وأنا لا أستبعد ذلك أبدا, لأن الرسول عليه السلام عربي, فهو يتكلم بلسان العرب, وبلهجة العرب, وهذا لا ينافي أن يستعمل الرسول عليه السلام بعض الكلمات التي استعملها العرب, وهو شرعا لا يستعملها, ولا يحبذها ولا يرغب فيها, ومن ذلك مثلا, كما أظنك تعلم, أنه نهى عن تسمية العشاء بالعتمة, وقال هذه تسمية الأعراب, تعرف هذا الحديث؟
مع ذلك فهو سماها في بعض الأحاديث, يقول العلماء جمعا بين ما نهى عنه, وبين ما صدر منه, أنه فعل ذلك بيانا للجواز, لكن الأفضل ألا يستعمل المسلم هذه اللفظة التي هي من طبيعة استعمال الأعراب, كذلك مثلا, لعلك تذكر معي, أن الرسول عليه السلام لما سئل عن العقيقة, قال: ( إني لا أحب العقوق ) مع أن العقيقة جاء ذكرها في أحاديث كثيرة جدا, لماذا؟ لأن هذه اللفظة هي استعمال العرب, لكن هو عليه الصلاة والسلام من تمام شرعه أنه كما أقول في كثير من المناسبات, أن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء فقط لإصلاح الظواهر والبواطن فقط, بل ومعها إصلاح الظواهر, فمن ذلك الألفاظ, فينبغي للإنسان إن نطق أن ينطق بكلمة حلوة جميلة, ويجعل الكلمات الأخرى التي تؤدي نفس المعنى, ويختار اللفظ الجميل, حتى بلغ به الأمر عليه الصلاة والسلام أن يقول: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن لقست نفسي ) شو معنى لقست؟ لقست يساوي خبثت في اللغة, لكن شوفوا الفرق بين لقست, ما أنعمها وألطفها, بخلاف خبثت, لكن المعنى واحد واللفظ تغير. وأفضل من هذا وأعظم بكثير: ( لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد, ولكن ليقل ما شاء الله وحده, أو ليقل ما شاء الله ثم ما شاء محمد ) هذا من باب إصلاح النطق, الذي هو يتعلق بظاهر الإنسان, أما الباطن فلا يعلمه إلا علام الغيوب, ولما خطب الرسول صلى الله عليه وسلم يوما, فقام أحد الصحابة يريد أن يقول له سمعا وطاعة, لكن طلع منه أن قال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له: ( أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده )جعلتني لله ندا؟ أي بلفظك مش بقلبك, لأنه لو كان جعله بقلبه ندا فقد كفر, وقال له جدد إيمانك وجدد عقيدتك ونحو ذلك, ولكن هذا الرجل أساء لفظا ولم يسئ عقيدة, فاكتفى منه أن حسن له لفظه.
علما إذا ثبت في بعض الأحاديث من قوله عليه السلام أن ذكر السبابة, فلا مانع من ذلك, فهو تعبير عربي كما قلنا آنفا, لكن إن لجئ عنها إلى اللفظة الأخرى التي تؤدي معنى الأولى, فيكون أفضل وأحرى, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


الشريط بصيغة mp3 

المصدر : ( من هنا )

العودة إلى قائمة الأشرطة

0 التعليقات:

إرسال تعليق