السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الرابع
بَابٌ عَرْضُ جِبْرِيلَ الْقُرْآنَ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد:
فيقول الإمام النسائي رحمه الله تعالى في كتابه السنن الكبرى: بَابٌ عَرْضُ جِبْرِيلَ الْقُرْآنَ
قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما وأصلح لناشأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أما بعد،
قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى :بَابٌ عَرْضُ جِبْرِيلَ الْقُرْآنَ: أي على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وهذا العرض هو مُدارسة لكتاب الله سبحانه وتعالى ، والعرض يكون بقراءة من أحد الطرفين وسماع من الآخر، يُقال عرض القرآن و المعارضة وهي تكون من اثنين أحدهما يقرأ والآخر يستمع ، فكان جبريل عليه السلام يأتي النبي عليه الصلاة والسلام كل رمضان ،و يكون غرض هذا المجيء عرض القرآن.

أورد رحمه الله تعالى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ: يُعرَضُ بالبناء لما لم يُسمَّفاعله أي يعرض عليه جبريل القرآن.
فِي كُلِّ رَمَضَانَ :أي أن هذا العرض يتكرر مع مجئ هذا الشهر من كل سنة وهذا يُفيد كما نبه أهل العلم -رحمهم الله تعالى- ما لرمضان من خصوصية للقرآن، كيف لا ؟ وهو شهر القرآن الذي أنزل فيه القرآن كما قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ﴾[البقرة: 185]
ويدل أيضا على فضل التلاوة للقرآن في هذا الشهر المبارك والعناية بتلاوة كتاب الله ومدارسته في هذا الشهر العظيم
قال :فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ: عُرض أي القرآن
عَلَيْهِ :أي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام
مَرَّتَيْنِ :أي من جبريل
فَكَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ: يعني يقتصر عليه الصلاة والسلام في اعتكافه على العشر الأواخر
فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ:أي اعتكف العشر الاوسط من رمضان والعشر الأواخر اعتكف عشرين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، قيل أن السبب في هذا الاعتكاف للعشرين- مع أن من عادته أن يعتكف عشرًا- لأن جبريل عَرض عليه القرآن مرتين فلأجل ذلك عليه الصلاة والسلام ضاعف الاعتكاف، كان يعرض عليه القرآن مرة واحدة إلا العام الذي قُبض فيه عرضه عليه مرتين فضاعف عليه الصلاة والسلام اعتكافه بدل أن كان يعتكف عشرًا اعتكف عشرين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقيل إن السبب في اعتكافه عشرين أنه عليه الصلاة والسلام أُعلم وأُشعر بقرب انقضاء أجله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فاعتكف عشرين استكثارا من الخير صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل إنه عليه الصلاة والسلام إنما اعتكف عشرين لأنه في العام الذي قبله كان مسافرا لم يتمكن من الاعتكاف وقد جاء في بعض الروايات عند النسائي وغيره قال: (( فسافر عاما لم يعتكف فيه))فقيل إن سبب اعتكافه في هذا العام عشرين في العام الذي تُوفي فيه عليه الصلاة والسلام ليُعوض عن العام الذي سافر فيه ولم يتمكن صلوات الله وسلامه وبركاته عليه من الاعتكاف.
قال: ( أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،قَالَ: فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ )
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قال :( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: هذا في فضل نبينا عليه الصلاة والسلام وذكر شيء من شمائله الشريفة العظيمة صلى الله عليه وسلم
قال :كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ: قوله كان أجود الناس هذا فيه إثبات الأجودية المطلقة له عليه الصلاة والسلام وأنه أجود البشر صلى الله عليه وسلم لا كان ولا يكون في البشر من هو أجود منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .
وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ:قال أهل العلم إن ذكر بن عباس -رضي الله عنهما- لهذهالأجودية المطلقة قبل من باب الاحتراز ؛ لأنه سيذكر عظم جوده في رمضان فحتى لا يُظن أن الشأن في غير رمضان فيه نقص في الجود أو نحو ذلك ، فمن باب الاحتراز قال: (كان أجود الناس ) أي في كل وقت صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ:  أجود هنا كما ذكر أهل العلم رُويت بالرفع و رُويت أيضا بالنصب  وقال الإمام النووي رحمه الله : الرفع أصح وأشهر على اعتبار أن أجود اسم كان وخبرها قوله:  (فِي رَمَضَانَ)
قال: وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وجاء في بعض الروايات لأنه يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أي أن هذا تعليل لهذه المضاعفة في جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان أن ذلك يكون على إثر لقائه بجبريل ، والغرض من لقاء جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام مدارسة القرآن ولهذا فإن هذه المضاعفة في الأجودية أو الجود والسخاء والبذل في رمضان هو أثر من آثار مدارسة القرآن وهذا أخذ منه العلماء أن قراءة القرآن بتدبر وتأمل لابد أن يكون لها أثر على العبد في أعماله زيادة في الإيمان والطاعة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومن ذلكم الجود والسخاء والبذل في سبيل الله وطلبا لرضاه جل في علاه .
قال: وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ:المٌدارسة تكون من طرفين بان يقرأ أحدهما قدرا من القرآن والآخر يستمع ثم يقرأ الآخر والأول يستمع فتكون مدارسة بينهما هذا يقرأ وهذا يستمع ثم العكس هذا يقرأ وذاك يستمع.
قال: فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ
قال :فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ: أي بالغيث والمطر في عمومها ونفعها، في عمومها الريح المرسلة تعم وتشمل مناطق كثيرة جدا وأيضا نفعها أوسع وأكبرمن الريح المرسلة أي المرسلة بالغيث المرسلة بالمطر
قال : فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ:أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ  هنا انظر إلى معنى نبه عليه بعض أهل العلم في هذا الموضع وهو الارتباط بين الوحي الذي به حياة القلوب و الماء الذي به حياة الأرض، وكثيرا ما يُقرن و يُربط بينهما في النصوص، فالأرض إذا أنزل الله عليها الغيث والمطر اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وقلوب العباد كل ما عظم حظهم ونصيبهم من وحي الله تبارك وتعالى أثمر من خصال الخير وأبواب البر و مجالات النفع والفائدة الشيء الكثير
قال: فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ:
أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ  اي المرسلة بالغيث وهذا إشارة إلى عظم جوده عليه الصلاة والسلام على إثر مدارسته للقرآن مع جبريل عليه السلام.


قال: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :((أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَءُونَ؟ قُلْنَا: قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَا نُسِخَ))

ثم ختم رحمه الله تعالى هذه الترجمة بهذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال قال لأبي ظبيان ومن معه ( أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَءُونَقُلْنَا: قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ ) قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ أي بن مسعود عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- وسيأتي معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (( استقرؤا من أربعة)) وذكر في مقدمتهم عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه - وأيضا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أُنزل فليقرأ بقراءة بن أم عبد " اي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فهو من أجلَّة قراء الصحابة وفضلائهم -رضي الله عنه وأرضاه-
قال: ( أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَءُونَقُلْنَا: قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ ) قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ أي عبد الله  بن مسعود فأراد بن عباس أن يشد على أيديهم في هذه القراءة والعناية بها مبينا فضل قراءة عبدالله بن مسعود ومكانته العظيمة رضي الله عنه
قال (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً ) أي يعرضه عليه جبريل فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً
(وَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَا نُسِخَ ) أي شهد العرض الأخير، والعرض الأخير يكون ناسخا جاء ايضا في بعض الروايات : ((ما نُسخ وما بُدل)) أي ناسخا لبعض الأحرف في التلاوات التي أو العرض الذي قبله فكان هذا العرض الأخير وهذا يدل على أن القراءة التي عند بن مسعود هي كانت آخر قراءة ومن آخر عرض على الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه  وهذا فيه دلالة على فضل قراءة هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه وأرضاه-


قال رحمه الله تعالى :بَابٌ ذِكْرُ كَاتِبِ الْوَحْيِ
قال :أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍرضي الله عنه  مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: ((إِنَّ الْقَتْلَ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَّبَعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاللهِ، لَوْ كَلَّفَانِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي كَلَّفَانِي، ثُمَّ تَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ، وَالرِّقَاعِ، وَالصُّحُفِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ)
ثم عقد الإمام النسائي -رحمه الله تعالى هذه الترجمة-:بَابٌ ذِكْرُ كَاتِبِ الْوَحْيِواقتصر في هذه الترجمة على كاتب واحد وهو زيد بن ثابت -رضي الله عنه- مع أن من قاموا بكتابة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من واحد ، وأورد تحت هذه الترجمة حديث زيد بن ثابت
قال :أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍرضي الله عنه  مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ:  يعني في اليوم الذي كان فيه قتال المرتدين أهل اليمامة وعلى رأسهم مسيلمة الكذاب ففي ذلك اليوم في قتال المرتدين أرسل أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- يطلب زيد بن ثابت ،
قال :فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ عُمَرُ رضي الله عنه  فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ: فقال أي أبو بكر
قال :إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآن: إِنَّ الْقَتْلَ اسْتَحَرَّ ومعني استحر أي اشتد بمعنى أنه قُتل يوم اليمامة عدد كبير ليس بالقليل من قراء القرآن وقد ذُكر في بعض الروايات أن عددهم بلغ السبعين من القراء ممن قُتلوا في ذلك اليوم، فخاف عمر -رضي الله عنه وأرضاه- خاف بسبب كثرة القتلى وجاء إلى صدِّيق الأمة الخليفة الراشد أبي بكر -رضي الله عنه- واستحثه على جمع القرآن يتدارك الأمر ويجمع القرآن، استحثه على ذلك.
قال: وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ:  يُجمع أي من العسُب والرقاع والصُحف وصدور الرجال، يُجمع بين دفتين في موضع واحد كامل القرآن ، هو مكتوب هو لا يطلب من أبي بكر -رضي الله عنه- أن يفعل شيئا لم يُفعل ، كُتب وكتابة القرآن كان أيضا بإذن النبي وبأمره في حياته عليه الصلاة والسلام، قد صح عنه أنه قال : ((لا تكتبوا عني شيئا غيرالقرآن )) فالكتابة حصلت في زمانه عليه الصلاة والسلام وبإذنه وأمره صلَّى الله عليه وسلم لكنها متفرقة في رقاع في عُسب وفي صُحف وليست مجموعة في موضع واحد بين دفتين، وعمر يرغب أن يُجمع كل ذلك في موضع واحد أن يُجمع في موضع واحد بين دفتين
قال: أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ،
فَقُلْتُ: القائل أبو بكر رضي الله عنه
كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟:أي لم يحصل في زمانه هذا الجمع لكن عمر رأى ما يوجب هذا الجمع ورأيه سديد -رضي الله عنه وأرضاه- وهو الصحابي الفقيه المُلهم -رضي الله عنه وأرضاه- ، فحصل الموجِب قُتل يوم اليمامة عدد كبير من القراء، فاستحث أبى بكر -رضي الله عنه- على أن يجمع القرآن
قال: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقَالَ عُمَرُ: «هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ: ولم يزل يراجع أبا بكر ويستحثه على هذا الخير
يقول أبو بكر :حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ:  اقتنع أمام هذا الإلحاح والمتابعة من عمر -رضي الله عنه- أن يجمع القرآن وطلب لأجل ذلك زيد بن ثابت
وقال له -انظر موجبات الاختيار!- (إِنَّكَ غُلَامٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرسول عليه الصلاة والسلام اصطفاك واختارك لتكتب الوحي ولا نتهمك، لا نعرفك إلا بالوفاء والأمانة ووصفه بقوله : (عاقل) والعقل هو أساس الخصال الحميدة ، ولهذا من تجتمع فيه الخصال الحميدة يقولون فلان عاقل لأن العقل مجمع للخصال الحميدة وانظر هذا المعنى مفصَّلا ومتوسعا في بيانه في كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للبُستي ابن حبان -رحمه الله تعالى-
قال :إِنَّكَ غُلَامٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ: وأيضا كونه اختاره شابا لأن يتطلب حركة وانتقال وذهاب وجمع ومتابعة
قال (إِنَّكَ غُلَامٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَّبَعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) استوقفه ما استوقف أبا بكر رضي الله عنه
فقال أبو بكر : ((هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ))
قال مبينا ثقل هذه المسؤولية وعظم هذا الواجب وكبر هذه الأمانة التي حُملها قال :وَاللهِ، لَوْ كَلَّفَانِي:  أي أبو بكر وعمر
نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي كَلَّفَانِي: من تتبع الوحي وكتابته
قال: ثُمَّ تَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ، وَالرِّقَاعِ، وَالصُّحُفِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ:لأنه كان مكتوبا في زمان النبي -عليه الصلاة والسلام- فأخذ يتتبع –رضي الله عنه- ويجمع القرآن من العسب جمع عسيب، والرقاع والصحف ،وصدور الرجال ،ومما أخذه من صدور الرجال ما جاء في بعض الروايات لهذا الحديث قال : (حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري-رضي الله عنه- قول الله سبحانه وتعالى:﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَ‌سُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِ‌يصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَ‌ءُوفٌ رَّ‌حِيمٌ ﴿١٢٨﴾ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَ‌بُّ الْعَرْ‌شِ الْعَظِيمِ ﴿١٢٩﴾﴾[التوبة]، قال رضي الله عنه: (( لم أجدها مع أحد غيره)) أي غير خزيمة الأنصاري.


قال رحمه الله تعالى: ذِكْرُ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ
قال (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما  فَقَالَ: ذَلِكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اسْتَقْرِئُوا مِنْ أَرْبَعَةٍ عَبْدِ اللهِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» قَالَ شُعْبَةُ: بَدَأَ بِهَذَيْنِ ((وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ)) قَالَ: لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ))

ثم عقد رحمه الله هذه الترجمة ذِكْرُ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وفي الترجمة التي بعدها ذِكْرُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ويؤجل الكلام على هاتين الترجمتين إلى لقاء الغد بإذن الله سبحانه وتعالى
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا وأن يزيدنا علما وأن يصلح لنا شأننا كله وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفَّة والغنى ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه

(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق