السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الحادي عشر

   
بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الحادي عاشر
مَثْلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ


   
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي-رحمه الله تعالى- ي كتابه السنن الكبرى:مثل صاحب القران
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما -أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثْلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِذَا عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أُطْلِقَتْ ذَهَبَتْ))

بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين،واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه أجمعين،اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً،وأصلح لنا شاننا كله ولا تكلنا الى أنفسنا طرفة عين أما بعد،

 قال المصنِّف الامام النسائى -رحمه الله تعالى-:  مثل صاحب القران:  هذه الترجمة  عقدها -رحمه الله تعالى- لإيراد المثل العظيم الذى ضربه النبى صلَّى الله عليه وسلم لصاحب القران فى تعاهده القران ، وأن مثل صاحب القران كمثل صاحب الإبل في تعاهده لها، ومعلوم أن صاحب الابل اذا لم يكن على عناية طيبة بإبله وتفقد لها وإلا فانها تشرد وما شرد منها من الصعب الحصول عليه، وهذا أمر يعرفه اصحاب الابل الناقة الشرود التى تشرد من صاحبها  فانها تذهب بعيدا ويتعب أيضا فى البحث عنها وطلبها ، فالنبيعليه الصلاة والسلام ضرب هذا المثل العظيم لصاحب القران وأن مثله فى تعاهده لما يحفظه من كتاب الله عزوجل  كمثل صاحب الابل، وكثيرا ما تاتى فى السنَّة الامثال المضروبة ومن شأن المثل أنه يجعل الامر المعنوى بمثابة الامر المحسوس الملموس المشاهد .

أورد -رحمه الله تعالى- حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل صاحب القران كمثل صاحب الابل المعقَّلة)):انتبه رعاك الله الى قوله عليه الصلاة والسلام صاحب القران!ليس كل من يقرأ القران يعد صاحبا للقران، وإنما الصُحبة لها معنى، الصحبة تعنى أُلفة وملازمة وعناية ومداومة للقراءة مثل ما يقال فلان صاحب فلان، ما تقال هذه الكلمة لمن يجلس مع شخص مرة أو مرتين او ثلاث أو أربع أو  حتى عشر ،وإنما الصحبة تكون عن طول الملازمة ، عندما يقال فلان صاحب فلان  يعنى بذلك انه ملازم لصحبته ومجالسته والأنس به ، فصاحب القران لا تطلق هذه الكلمة على كل احد وإنما تطلق على من ألِفَ القران كما عبر العلماء رحمهم الله .الفه بالجلوس لقرائته والحسن فى تعاهده والإكثار من تلاوته ،والورد الثابت اليومى مع كتاب الله تعالى ،مثل هذا يقال عنه صاحب القران .

قال: ((مَثْلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ)): المعقَّلة أي المشدودة بالعقال ، والعقال هو الحبل الذى يشد على ركبة الناقة اذا اراد صاحبها الَّا تنهض من مكانها اذا بركت .والابل المعقلة تحتاج الى معاهدة بحيث ان صاحبها بين وقت واخر يمر عليها سريعا فما انطلق أو أوشك من العُقل -أوشك ان يخرج من مكانه- يعيده ويثبته فكذلك صاحب القران يحتاج ان يمر على محفوظاته من القران مرورا مستمراً بين وقت واخر وما وجده من السور او الايات بدأ يتفلت يكرره.حتى يثبت وهكذا يمضى مستمرا على هذه الطريقة .

شبَّه النبى عليه الصلاة والسلام ضبط القران بالقلب كضبط الابل بالعقال هذا وجه التشبيهفى الحديث، شبَّه النبي عليه الصلاة والسلام ضبط القران بالقلب- بحيث يثبت فى القلب- شبهه عليه الصلاة والسلام  بضبط الابل بالعقال ، ومعلوم ان صاحب الابل اذا أحسن ضبطها بالعقال فإنها تبقى فى مكانها اما اذا اهملها فانها  تُخلِّص نفسها مع طول الحركة ومحاولة النهوض، تخلص نفسها من العقال ثم تشرد عن صاحبها ويصعب عليه ان يحصِّلها.

قال :(( اذا عاهد عليها أمسكها ))أي صاحب الابل
((وان اطلقت ذهبت)): ومثله تماما صاحب القران إن تعاهده بالقراءة والمراجعة والمدارسة والاستذكار  فانه يثبت وإن اهمل وفرط فان ما حفظه من القران يضيع ويذهب

قال رحمه الله تعالى : نسيان القران
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا، وَأَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَمُعَاوِيَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَمَا لَأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ))

ثم عقد رحمه الله هذه الترجمة نسيان القران،.ونسيان القران على حالتين :
الحالة الاولى: أن يكون هذا النسيان بمقتضى الطبيعة -طبيعة الإنسان- مثل ما قال عليه الصلاة والسلام : ((نسى ادم ونسيت ذريته))  فاذا كان بمقتضى الطبيعة فهذا لا يُلام عليه الانسان .
الحالة الثانية: أن يكون النسيان عن تفريط وإهمال وعدم مبالاة فهذا يُلام عليه ،يُلام على تفريطه فى هذا الخير العظيم والفضل العميم الذى ساقه الله له ويسَّره له سبحانه وتعالى .

وأورد-رحمه الله تعالى- حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم معنا قريبا ان النبى عليه الصلاة والسلام قال:((بئسما لأحدهم ان يقول نَسيت اية كيت وكيت بل هو نُسِّي))، وأشرت فيما سبق عن الكلام عن هذا الحديث ان لفظة نسيت تُشعر بعدم المبالاة ، عدم الإهتمام  ،وهذا موضع يلام عليه الانسان أما نُسِّيت فهي لا تشعر ما تشعره لفظة نَسيت .ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الى مراعاةالادب في الالفاظ في هذا المقام بأن يقول " نُسِّيت "  اية كذا او اية كيت ولا يقول نسيت.

أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِذَا عَاهَدَهَا صَاحِبُهَا عَلَى عُقُلِهَا أَمْسَكَهَا، وَإِذَا أَغْفَلَهَا ذَهَبَتْ، إِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْهُ نَسِيَهُ))

ثم اورد -رحمه الله تعالى-هذا الحديث عن عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إنما مثل القران  كمثل الابل المعقلة)):إن مثل القران أىفى صدر صاحبه ومن يحفظه ، في صدر صاحبه في عقله له وضبطه له ومحافظته على ثبات محفوظاته محفوظاته من القرآن كمثل الإبل المعقلة اذا عاهدها صاحبها على عُقُلها أمسكها عاهدها على عقلها أي  بين وقت واخر يتتبع هذه الابل ويتأكد من عدم خروج شئ من العقل من مكانها. فاذا عاهدها فانه- باذن الله سبحانه وتعالى- يأمن من شرود شئ من إبله واذا اغفلها ذهبت اى فرت من مكانها والنَّاقة اذا فرت في تحصيلها وطلبها جهد وصعوبة ومثل ذلك ايضا  قل فى حال صاحب القران بينما اذا كان يتعاهد ويمر عليها بين وقت واخر ولا يوسع فى ذلك فانه -باذن الله سبحانه وتعالى- يثبت له ما حفظه من كتاب الله عزوجل.

والعَقل: مصدر يُقال عقَل يعقِل عَقلا ،سمى العقل بهذا الاسم لانه يُمسك ما يحصله او يحفظه المرء من العلم ولأجل ذا ايضا سمى العِقال عقالا لأنه يُمسك البعير ، وهذا أيضا وجه شبه بين العَقل والعِقال فالعقل يمسك ما يحفظه المرء .وهذا الامساك للمحفوظ يحتاج الى معاهدة و مراجعة واستذكار حتى يثبت ويبقى .
قال : ((اذا قام صاحب القران  فقرأه بالليل والنهار ذكره)) فقرأه بالليل والنهار ،أي يكون له ورد من القرآن بالنهاروورد من القران بالليل ولعل ورد القران الذى فى النهار هوما يهيؤه ليكون وردا لهفي صلاته من الليل، كما كان يصنع ذلك غير واحد من الصحابة والسلف يهيئ فى النهار ما يقرأه بالليل في صلاته.

قال :(اذا قام صاحب القران فقراه بالليل والنهار ذكره))،وهذا فيه ان العلم انما يقيده العمل ، "ويهتف العلم بالعمل فان أجابه والا ارتحل " كما يقول على بن ابى طالبرضي الله عنه، فاذا كان صاحب القران يقرأه بالنهار ويقوم به ما  تيسَّر أيضا  من الليل فان هذا من اكبر المعونة له على ثبات حفظه  , والقراءة للقران في الليل خاصة سواءا فى قيام الليل أو فى غير صلاة من أعظم الأمور المعينة على ثباته ، ولا سيما وقت السحر ذلك الوقت المبارك العظيم.

 قال:(واذا لم يقرأه نسيه): اذا لم يكن له تعاهد للقران فان ما عنده من القران  يذهب .

قال- رحمه الله-: بابٌ من استعجم القران على لسانه
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )) إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ: فَلْيَضْطَجِعْ))

ثم قال-رحمه الله تعالى- :باب من استعجم القران على لسانه :  استعجم على  لسانه  يعنى التبس، استعجم على لسانه يعنى  يصبح و يريد أن يقرأ الاية مثل الاعجمى الذى ما تخرج الكلمة معه بيسر وسهولة .تستعجم وتتلكأفي الخروج ، استعجم في لسانه وهذا الإستعجام فى اللسان عندما يكون المرء يُصلى من الليل يحصل عندما يغلبه النعاس فإنه فى هذه الحالة تستعجم عليه الآيات-وان كان متقنا لحفظها وضابطا-فإنها تستعجم عليه الآياتحتى وان كان يدعو أيضا  يستعجم عليه الدعاء .

قال باب من استعجم القران على لسانه: وأورد رحمه الله حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال:((اذا قام احدكم من الليل فاستعجم القران على لسانه)) :أي بسبب غلبة النعاس – اذا قام أحدكم من الليل  اي يصلى فاستعجم القران على لسانه فلم يدر ما يقول يصبح حاله مع القران وان كان حافظا مثل حال  الاعجمى ما يستطيع ان ينطق ويقرا .
((فاستعجم القران على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع)): لأن هذا الاستعجام للقران بسبب غلبة النوم، بسبب غلبة النعاس، فليضطجعأييأخذ حظه من النوم قليلا ثم ينهض لصلاته وقد ذهب عنه هذا النُّعاس الذي تسبب في استعجام القرآن على لسانه.

قال رحمه الله تعالى : الماهر بالقران
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يُتَعْتِعُ فِيهِ لَهُ أَجْرَانِ» قَالَ عِمْرَانُ: «اثْنَانِ))

ثم قال رحمه الله تعالى: الماهر بالقران
الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ :أي الحاذق بالقران،بإتقان الحفظ وحسن الاداء والضبط لما يحفظ من سور القران، حاذق فى القران حاذق فى حفظه وحاذق فى ترتيله للقران وقرائته للقران، والترجمة عقدها -رحمه الله تعالى- لبيان ما للحاذق فى القرآن الماهر فيه من فضل وثواب ، وأورد حديث ام المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الماهر بالقران مع السفرة الكرام البررة)): هذا ثوابه وهذه منزلته وهذه مكانته.

الماهر بالقران: يعنى من كان هذا وصفه ماهرا بالقران حاذقا متقنا ضابطا محسنا فى تلاوته لكتاب الله سبحانه وتعالى،فإنه مع السفرة الكرام البررة وهم الملائكة الكرام كما فى الآية الكريمة : ﴿بِأَيْدِي سَفَرَ‌ةٍ﴿١٥﴾كِرَ‌امٍبَرَ‌رَ‌ةٍ﴿١٦﴾﴾ [عبس]، وهذه من أوصاف الملائكة سفرة قيل لأنهم يسفرون برسالات الله، فهم وسائط بين الله -سبحانه وتعالى- وأنبيائهفي ايصال الوحى ﴿نزَلَ بِهِ الرُّ‌وحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِ‌ينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَ‌بِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾﴾[الشعراء]، الكرام الذين اكرمهم الله ،فهم عباد مكرمون أى اكرمهم رب العالمين وأعلى شانهم والكريم : هو من اجتمعت فيه صفات الخير لأن الكرم هو اجتماع صفات الحسن ، ولهذا جاء فى القران وصف العرش بأنه كريم أى اجتمعت فيه المحاسن وصفات  الجمال والحسن.
مع السفرة الكرام البررة:من البر والاحسان فىالعمل،فالماهر بالقران هذا شانه.

والذى يتعتع فيه له اجران:من ليس ماهرا لكنه يعتنى بالقران يقرأ ، يجلس ،يقرأ القران وهو يتعتع .، ومعنى يتعتع أي يتردد فى الآية وبعض الكلمات يقف عندها قليلا حتى تخرج حتى ينطقها ،وان كان يقرؤها فى المصحف ينظر فيها مرات حتى ينطقها صواباً،يتعتع فى القرآن  ويتوقف عند بعض الكلمات او بعض الاياتلكنه مجاهد نفسه على القراءة ومعتني بذلك.
قال:له اجران:أجر أي على التلاوة وأجر على المشقة والتعب لأن هذه المشقة والمجاهدة للنفس مأجور عليها عند الله ، فله اجر على تلاوة القران وأجر على المشقة يوضح ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة فى الحديث الاخر ." أجرك على قدر نصبك " فهذا النصب والجهد والمشقة فىالطاعة مأجور عليه العبد ،فله أجران أجر على التلاوة  وأجر على المشقة والنصب.

قال -رحمه الله- :المتتعتعفى القران
أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ))

ثم قال -رحمه الله- :المتتعتع فى القران
المتتعتعفى القران: الذى يتتعتع عندما يقرأ يعني يتردد في الكلمة أو يتوقف هذا يقال له متتعتع فى القران يعنى يتتعتع عندما يقرأ  فهذا له اجران ، واورد -رحمه الله- الحديث المتقدم أورده من طريق ثالثة ؛ لأنه في ترجمة السابقة أورده من طريقين ، فأورده رحمه الله من طريق ثالثة والشاهد الشق الاخير من الحديث ، قال: ((وَالَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ))وعرفنا ان الأجرين واحد منهما على التلاوة والآخر على المشقة والنصب.

قال :أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ))
هذه طريق رابعة للحديث المتقدِّم

قال- رحمه الله- :التغني بالقران
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَذِنَ اللهٌ لِشَيْءٍ يَعْنِي أَذنَهُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ))

قال -رحمه الله تعالى-: التغنِّي بالقران عقد هذه الترجمة لبيان ما ورد فى التغنى بالقران والمراد بالتغنى بالقران أن يزين التالى لكتاب الله تبارك وتعالى صوته بالقرآن ويحسِّن صوته ترتيلاوتحبيرا لتلاوة كتاب الله -سبحانه وتعالى - وإحسانا في الاداء من غير تكلُّف لان التكلف والمبالغة هذا غير مطلوب، وأيضا من غير محاكاة لأهل الفسق في صنيعهم  في الأغاني وما يسمى ايضا بالمقامات التى نشات فى دور الموسيقى والاغانى فهذه ينزَّه عنها كلام الله -تبارك وتعالى- ولا يجوز أن تستعمل فى قراءة كتاب الله -سبحانه وتعالى- وليس هذا من التغنى الذى جاءت به النصوص فى شئ بل هذا مما أحدثه الناس ومن البدع المنافية للتعظيم لكتاب الله -سبحانه وتعالى- إذ كيف يؤتى بأمور نبعت فى محاضن الموسيقى ودورها ثم تُنزَّل  على التلاوة لكتاب الله -تبارك وتعالى- فالحاصل ان التغني بالقران تزيين الصوت بالقرآن وتحسينه والإحسان فى القراءة والترتيل لكلام الله -سبحانه وتعالى-مع البعد عن التكلف والمغالاة في ذلك.

أورد -رحمه الله تعالى- حديثأبي هريرة أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال:((ما أذِن الله لشيء يعنى أذنه لنبيّ يتغنَّى بالقرآن)) اذن أي استمع،  ما اذن الله لشئ اى ما استمع لشيء، ومنه قول الله عزوجل : ﴿وَأَذِنَتْ لِرَ‌بِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [الانشقاق:2] أذنت أي استمعت لربها
 قوله: ((ما اذن الله لشيء)):أي ما استمع الله لشئ أذنه لنبي يتغنى بالقران أي استماعه لنبي يتغنى بالقران وهذا فيه فضل التغنى بالقران أي تحسين الصوت والاجادة فى الترتيل وتزيين الصوت بالقران فان هذا امر يحبه الله سبحانه وتعالى من عباده وجاء تبيان حب الله لذلك في قول نبينا عليه الصلاة والسلام : ((ما اذن الله لشيء)) أي ما استمع الله لشيءأي من الكلام
أذنه:أي استماعه
لنبييتغنَّى بالقرآن:فهذا يدل على فضيلة ذلك -فضيلة الترتيل وتحسين الصوت وتزيينه بالتلاوة وسيأتي قريباً معنا قول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((زيّنوا أصواتكم بالقرآن))

قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ قُبَاثَ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ نَحْوَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وَتَعَاهَدُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ))

ثم اورد رحمه الله تعالى هذا الحديث عن عقبة بن عامر وتقدم وايضا تقدم الكلام على معناهلكن الشاهد منه للترجمة هو قول النبى صلى الله عليه وسلم " وتغنوا به" أي بالقران بأن تزينوا أصواتكم  بالقران، والتغنى بالقران كما بين اهل العلم -رحمهم الله تعالى- على حالتين :
الحالة الاولى: أن يُزيّن صوته ويُحسن صوته بالقراءة من غير تكلف فهذاهو الذى تعنيه هذه النصوص
والنوع الثاني:محاكاة التكلف والمبالغة ومحاكاة اهل الغنا فى المقامات والايقاعات وما الى ذلك فهذا امر مذموم .وليس من التغنِّي المأمور به فى هذه النصوص فى شئ .
ونقف هنا نستمع الى كلمة مفيدة جدًللإمام ابن القيم - رحمه الله-في كتابه زاد المعاد يوضح هذا المعنى:

قال -رحمه الله تعالى- :وفصل النزاع أن يُقال التطريب والتغنِّي على وجهين أحدهما ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلفٍ ولا تمرينٍ ولا تعليم بل اذا خُلى طبعه  واسترسلت طبيعته جاء بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز ،وان اعان طبيعته  بفضل تزيين وتحسين كما قال ابو موسى الاشعرى للنبى صلَّى الله عليه وسلم : ((لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا)).
والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب فىالقراءة ،ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنُّع فيه . فهو مطبوع لا متطبع، وكلِف لا متكلُّف، فهذا هو الذى كان السلف يفعلونه ويستمعونه  وهو التغنى الممدوح المحمود ،وهو الذى يتأثر به التالى والسامع  وعلى هذا الوجه تحمل أدلَّة أرباب هذا القول كلها  .

الوجه الثانى :ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس فى الطبع السماحة به بل لا يحصل الا بتكلف وتصنُّع  وتمرُّن كما يُتعلم اصوات الغناء بانواع الالحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل الا بالتعلم والتكلف ، فهذه هيالتي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها ، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه .

وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره وكل من له علم باحوال السلف يعلم قطعا أنهم برئاء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلَّفة التى هى ايقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة وأنهم أتقى لله من أن يقرأوا بها ويسوغوها .
ومن المؤسف ان لهذه المقامات والايقاعات وتنزيل ذلك على تلاوة كتاب الله لها من يروِّج لها ولا سيما في هذا الزمان،أما السلف فكما وصف الامام ابن القيم -رحمه الله-أتقى لله عزوجل وأبعد عن هذه المسالك التى هى ليست من التغني المشروع المأذون به في النصوص فيشيء.

قال -رحمه الله تعالى- :تزيين الصوت بالقرآن
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَذَكَرَ آخَرُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ))

ثم عقد الإمام النسائي-رحمه الله تعالى- هذه الترجمة : تزيين الصوت بالقرانوالمراد بتزيين الصوت بالقرآن اى تحسين الصوت ، تحسين الاداء ، ترتيل لكلام الله سبحانه وتعالى . وهذا التزيين كما مر معنا الاشارة الى ذلك وايضا فى كلام ابن القيم الا يكون عن تكلُّف ومبالغة ومغالاة وانما بحسب ما تسمح له طبيعة الإنسان دون أن يتكلَّف والتكلُّف يكون واضح فيالآداء يعرف التاليمن نفسه أنه متكلف ومن يستمع اليه يشعر منهأنه ايضا  متكلِّف، فاذا حسن صوته وزيَّن صوته بالقران من دون تكلف دخل فى هذا المعنى المطلوب فى هذا الحديث قال : ((زينوا القران بأصواتكم))، والمصنِّف رحمه الله أورد تحت هذه الترجمة هذا الحديث عن البراء عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:((زيِّنوا القرآن بأصواتكم)) والمراد بالتزيين أي من غير تكلُّف وإنما  بحسب ما تسمح به طبيعة الانسان

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمِعَ صَوْتَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ» قَالَ: «لَقَدْ أُوتِي أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ))

ثم أورد -رحمه الله- هذا الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-أن النبى صلَّى الله عليه وسلم: ((سمع صوت أبى موسى الأشعري وهو يقرأ قال لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود)) أي لحُسن صوته وجمال صوته بالقرآن -رضى الله عنه وأرضاه - ومرَّ معنا نظير هذا القول قاله النبي صلَّى الله عليه وسلم فى أُسيد بن حضير-أشرت الى ذلك فيما سبق- وهذا يفيد أن الناس يتفاوتون بحسب ما اتاهم الله-سبحانه وتعالى-من أصوات ولهذا يُقال فلان حسن الصوت، جميل الصوت بالقران،ويقال فلان ليس جميل الصوت، فالأصوات يُفرَّق بينها حُسنا وجمالا بحسب ما أتى الله سبحانه وتعالى عباده،فهذا ذا صوت جميل وهذا متوسط وهذا دون ذلك ، يتفاوت الناس بحسب ما آتاهم الله -سبحانه وتعالى-من أصوات.

 وأيضا المداومة للقراءة للقرآن بصوت والإكثار من القراءة للقران بصوت تثمر تزين الصوت بالقرآن وحسنه مع المداومة وكثرة التلاوة ورفع الصوت بقراءة القرآن مستمرا بذلك ،هذا من الأمور المُعينة على حسن الصوت فى القران الكريم .

وفى هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام:((لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود)) أيفي حسن صوته وجمال صوته-رضى الله عنه وأرضاه-وأشرت الى أن الناس يتفاوتون فى ذلك ولهذا مما ينبَّه عليه فى هذا المقام أن أهل العلم -رحمهم الله تعالى- كرهوا التقليد للأصوات وذمُّوا ذلك وإنما ينبغى على كل إنسان أن يقرا بحسب ما تسمح به طبيعته وحُنجرته يعني بعض الناس مثلا حنجرته رخيمة وآخر لأ، دون ذلك، فإذا جاء من هو دون ذلك يتكلف أن يقرأ بحنجرة أو صوت رخيم يكلف نفسه تجد أنه يجرجر نفسه فى التلاوة ويغصب حنجرته على أن تكون ذلك ويخرج بصوت واضح نشوزه ؛ لأنه يحاكى غيره واذا كان بهذه الطريقة ليس كالذي جاء بذلك الصوت الآخرالجميل بطبيعته الذي كان يقرأ صاحبه ولم يجعل نفسه تبقى على طبيعتها فيكون له صوت خاصٌ به أيضا جميل قد يفوق الاخر مع الاستمرار والمداومة ؛ ولهذا ينبغى ان ينتبه لهذا الجانب.

ولهذا بعض القراء الذي ولع بالتقليد مر يقلد هذا ومرة يقلد هذا تجده فيما بعد اذا قرأ ما ينضبط على قراءة، غير منضبط مرة هنا ومرة هناك مرة يترخَّم الصوت ومرة كذا ،ما ينضبط ؛ لأنه فينشأته وبداياته أخذ يقرأ بالتقليد مرة يقلد هذا ومرة يقلد هذا، وبعضهم اذا جلس في المجالس.يقال له اقرا بصوت فلان ثم يقال اقرا بصوت فلان و اقرا بصوت فلان .هذا التقليد ذمَّه السلف ، وهو من التكلف وانما كل انسان يقرأ بما تسمح به طبيعته بما يتيسر له مما اتاه الله من صوت

من مزامير ال داود: يعني عذوبة الصوت وجماله وحُسنه هذا هو المعنى المراد بذلك




قال -رحمه الله تعالى- :حُسْنُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه سمع رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِه))

قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ))

ثم قال -رحمه الله-حُسن الصوت بالقران: أى جمال الصوت بالقرآن وأن يُزيِّن التالى صوته بالقران هذا ورد فيه الحديث المتقدِّم وأعاده المصنف هنا من اجل هذه الترجمة : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه سمع رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ: أي ما استمع لشيء
ما أذن لنبيّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به: وهنا يُستفاد من هذا الحديث فى لفظتين وردت فيه قوله: ( حسن الصوت ) وقوله ( يجهر به ) يستفاد منه تفسير لقول النبي فى الرواية المتقدِّمة "اذنه لنبيّ يتغنَّى بالقران": لأن بعض السلف قالوا معنى قول النبي هنا يتغنَّى:أي يستغنى بالقرآن عن غيره-وقال هذا بن عيينة ووكيع بعض السلف - قالوا هذا  لكن هذا المعنى بعيد، وممَّا يدل على بُعدِه هذه الرواية هنا هذه الرواية مفسِّرة قال: ((ما أذن لشيء ما اذن لنبي حسن الصوت).

فالمراد بالتَّغنِّي تحسين الصوت في الرواية الأولى وأيضاً في الرواية الثانية التي ذكرها في هذا الباب قال : (( ما أذن لشيء ما اذن لنبيّ ان يتغنَّي بالقران))يتغنَّى ليس معناها يستغني بالقرآن وإنما معناها يُحسِّن ويُزيِّن ويُجمّل صوته بالقرآن، والرواية هنا تفسِّر ذلك .

قال:((حسن الصوت بالقرآن يجهر به)) : يجهر به يتلوه وهو يجهر به مزينً به صوته،فان في ذلك ما جاء به الحديث ،أذن الله له أي استماعه له ،وان الله ما استمع لشئ استماعه لمن يتغنَّى بالقرآن او لنبيّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به .


قال- رحمه الله تعالى-: التَّرْجِيعُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ فَقَرَأَ فَرَجَّعَ أَبُو إِيَاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ فَذَكَرَ عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ))
قال :أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: ((قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسُورَةِ الْفَتْحِ، فَمَا سَمِعْتُ قِرَاءَةً أَحْسَنَ مِنْهَا يُرَجِّعُ))

ثم عقد -رحمه الله تعالى- هذه الترجمة التَّرْجِيعُ
التَّرْجِيعُ:في قراءة القران ، والمراد بالترجيع : ترديد الصوت في الحلق على ما سيأتي بيانه في الحديث الذي ساقه -رحمه الله تعالى- أورد من حديث عبد الله بن مغفل قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ فَقَرَأَ)): وهذا يؤخذ منه القراءة على الدابَّة وان هذا من هدي النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قال: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ فَقَرَأَ فَرَجَّعَ أَبُو إِيَاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ فَذَكَرَ عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ ))
رَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ: تحتمل كما قال العلماء - رحمهم الله تعالى-أحد أمرين :
تحتمل أن هذا الترجيع حصل اضطرارا بحكم أنه كان يقرأ عليه الصلاة والسلام وهو على الدابّة
وتحتمل أن ذلك اختيارا أي فعله قصدا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
فالعلماء -رحمهم الله- ذكروا ذلك : ذكروا احتمال ان هذا الترجيع حصل اضطرارا
من يقرأ على دابة ومثله ايضا على السيارة ،اذا قرا ثم جاءت السيارة في موضع فيه اهتزاز تجد أن الصوت يحصل فيه الحرف وانت تقرأ ربما تكرر -عن غير قصد منك -لكن بحكم ارتجاج واهتزاز السيارة او الدابَّة فيحصل ترجيع في الصوت هذا يسمى اضطرار- يعني ليس مقصودا- وانَّما حصل بسبب اهتزاز ما هو راكب عليه من دابة او سيارة ، فمن العلماء من قال ان هذا حصل اضطرارا .

والاحتمال الثاني:أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام قصد ذلك، ويكون المراد بالترجيع أنه مثلا اشبع المد في موضعه ،وجاء في بعض الروايات لهذا الحديث تفسير لذلك عن معاوية بن قُرَّة -أحد الرواة- فذكر ان ذلك حصل في حرف الهمزة، جاء بها همزة ثم ألف ساكنة ثم همزة هذا الترجيع الذي حصل في هذا الحرف ، قال بن حجر في توضيح ما ذكره معاوية بن قرة: (قال بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة بعدها همزة أخرى) بحيث تكون الهمزة جاءت مرتين هذا ترجيع ترديد الصوت.

لكن يقول الشيخ بن باز -رحمه الله تعالى- ونحسب أن هذه فائدة ثمينة،  يقول - رحمه الله-: ( هذا وهم من بعض الرواة في تفسير الترجيع انه يكرر الحرف ، قال رحمه الله (هذا وهم من بعض الرواة في تفسير الترجيعلان الحرف بتكراره بهذه الصفة لا يدل على معنى) ثم بين - رحمه الله- أن الترجيع الذي في هذه القراءة -وكان قرأ سورة الفتح حصل في قراءته لأولها ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح:1]- فيقول -رحمة الله عليه -: (معنى الترجيع ترجيع القرآن أي ترديد القراءة للآية :﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾) ترجيع: أعاد الآية كان من هديه كما يقرر الشيخ بن باز -رحمه الله –انه يسرد القراءة سردا ما يكرر الآيات، الآية عندما يصل اليها ما يكررها وانما يسرد القراءة سردا، لكن احيانا يحصل هذا الترجيع أنه يعيد الاية وهذا نادر وقليل مثل ترجيعه وهو على الدابَّة عندما قرأ سورة الفتح الترجيع يقول -رحمة الله عليه-أنه أعاد الآية:﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾.

نزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم على إثر صلح الحديبية وهو المراد بالفتح فلعله صلَّى الله عليه وسلم اعادها استحضارا لهذه النعمة العظيمة أعاد الاية وإعادتها هنا فيه الخشوع في التلاوة وتدبُّر لهذا المعنى العظيم والنعمة التي منّ الله سبحانه وتعالى عليه بها في هذا المقام فقرأ:﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾وأعادها وهذا معنى الترجيع حسبما وضَّحه وبيَّنه الإمام الشيخ بن باز -رحمه الله تعالى –


بهذه المناسبة نذكر امرا نختم به هذا المجلس بعض المساجد فيها مكبِّرات الصوت وفيها خاصيَّة تجعل للصوت صدى ، والصدى هذا يحصل معه تكرار للكلمة مرة ، مرتين أو الحرف مرة مرتين يتكرر، استعمال مثل هذه المكبرات أمر كرهه أهل العلم بل منهم من جزم بحرمة ذلك لأن في هذه الطريقة يصبح الحرف الواحد حرفين او ثلاثة والكلمة الواحدة كلمتين او ثلاثة ، إضافة الى ما يكون في تردد الصوت من إيذاء وتشويش على المصلي أو المستمع ، والأصل في هذه المكبرات مكبرات الصوت ألا تستعمل إلا بقدر الحاجة؛ لأن المقصود بالمكبرات أن يسمع الصوت من كان بعيدا ، بحيث يستوي القريب من الامام والبعيد بسماعهم للصوت واضحا أما إذا كان تُجعل فيه مثل هذه الاشياء والترددات في الصوت ونحو ذلك فهذا مما كرهه أهل العلم وذمُّوا اتخاذ مثل هذه الوسائل.

وبهذا نختم،ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يصلح لنا أمرنا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير الموت لنا راحة من كل شر .

 اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك غفور رحيم، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه

 


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق