السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس العاشر


بسم الله الرحمان الرحيم
و الحمد لله و رب العالمين
و الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله نبيّنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
أمّا بعد, فيقول الإمام أبو عبد الرحمان النسائي -رحمه الله تعالى-  في كتابه السنن الكبرى:
أَهْلُ الْقُرْآنِ
7977 - أَخْبَرَنَاعُبَيْدُاللهِبْنُسَعِيدٍ،عَنْعَبْدِالرَّحْمَنِقَالَ: حَدَّثَنِيعَبْدُالرَّحْمَنِبْنُبُدَيْلِبْنِمَيْسَرَةَ،عَنْأَبِيهِ،عَنْأَنَسِبْنِمَالِكٍقَالَ: قَالَرَسُولُاللهِصَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ: «إِنَّلِلَّهِأَهْلِينَمِنْخَلْقِهِ»قَالُوا: وَمَنْهُمْيَارَسُولَاللهِ؟قَالَ: «أَهْلُالْقُرْآنِهُمْأَهْلُاللهِوَخَاصَّتُهُ»

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلى الله و سلّم عليه و على آله و أصحابه أجمعين
اللهمّ علّمنا ما ينفعنا و أنفعنا بما علمتنا و زدنا علما و أصلح لنا شأننا كلّه و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
 أمّا بعد قال المصنّف الإمام النّسائي -رحمه الله تعالى:
"أهل القرآن": و هذه الترجمة عقدها  -رحمه الله تعالى- لبيان لما لأهل القرآن من فضل و مكانة عظيمة و منزلة عليّة قد جاء بيانها في غير ما حديث عن الرسول الكريم صلوات الله و سلامه و بركاته عليه و أهل القرآن يراد به المعنيّون بكتاب الله عزّ و جلّ  حفظا و فهما و عملا بالقرآن
و العمل بالقرآن هو المقصود الّذي لأجله أنزل كتاب الله عزّ و جلّ فإنّ القرآن أنزل ليعمل به أنزل لتتدبّر آياته و تفهم معانيه و يعمل به و بذلكم يكون المرء من أهل القرآن لا بمجرّد الحفظ للحروف مع الإضاعة للعلم و العمل مع الإضاعة للتدبّر و العمل بكتاب الله سبحانه و تعالى.
 و قد أورد الإمام النسائي رحمه الله تعالى تحت هذه الترجمة "حديث أنس  بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَرَسُولُاللهِصَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ: «إِنَّلِلَّهِأَهْلِينَمِنْخَلْقِهِ»
((إِنَّلِلَّهِأَهْلِينَمِنْخَلْقِهِ)) و لم يبيّن من هم, و لم يذكر صفتهم
 و هذا الأسلوب أسلوب تشويق لأنّ عند هذا الحدّ من قوله عليه الصّلاة و السّلام «إِنَّلِلَّهِأَهْلِينَمِنْخَلْقِهِ» تشتاق القلوب إلى معرفة من هم هؤلاء الّذين هذه منزلتهم في القرب من الله و علوّ المنزلة و رفعة المكانة
"أهلين من خلقه" لأنّ هذه الإضافة إلى الله "أهل الله و خاصّته" تفيد علوّ مكانة هؤلاء, و عظيم قربهم من الله سبحانه و تعالى, و عظيم منزلتهم ,و رفعة مكانتهم.
قال «إِنَّلِلَّهِأَهْلِينَمِنْخَلْقِهِ»فالصحابة -رضي الله عنهم- تشوّقوا إلى معرفة من هم  هؤلاء و ما صفة هؤلاء
"فقالوا: : وَمَنْهُمْيَارَسُولَاللهِ؟":و هنا لننتبهأنّ الصحابة لمّا يسألون مثل هذا السؤال من هم؟ مرادهم بهذا السؤال معرفة صفتهم للتحلّي بها لم يكن من طريقة الصحابة رضي الله عنهم أخذ العلم لمجرّد المعرفة و مزيد الإطّلاع بل كانت عندهم همّة عالية في العمل و رغبة قويّة و حرص عظيم فقالوا من هم يا رسول الله أي أذكر لنا صفتهم فقال عليه الصّلاة و السّلام "«أَهْلُالْقُرْآنِهُمْأَهْلُاللهِوَخَاصَّتُهُ»
«أَهْلُالْقُرْآنِ" هذه الإضافة تعني عناية من هؤلاء بالقرآن العظيم حتّى أصبحوا بسبب هذه العناية العظيمة بالقرآن حقيقين بهذا الوصف اهل القرآن فهذا الوصف لم ينله هؤلاء إلاّ بملازمتهم للقرآن و عنايتهم به قراءة و حفظا و فهما و تدبّرا و عملا بالقرآن و قياما بهدايات القرآن و لزوما لما جاء في القرآن و تحكيما للقرآن فهم أهل القرآن ليسوا أهل القرآن بمجرّد الحفظ فكم من حافظ للقرآن و متقن لحفظه و ليس من أهل القرآن لأنّه لا يعمل بالقرآن و لا يقيم القرآن بل من أعظم ما في القرآن الصّلاة متهاون فيها و مفرّط في كثير من الواجبات و كثير من الأوامر ,حتّى و إن لم يسقط حرفا من حفظه للقرآن ليس من أهل القرآن لأنّ أهل القرآن الّذين هم أهل الله و خاصّته هم من يعملون بالقرآن
 و لهذا جاء في حديث صحيح مفسّر لهذا الحديث رواه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في جامعه من حديث النوّاس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلّم قال:"يأتي أهل القرآن و أهله الّذين يعملون به في الدنيا" هكذا قال عليه الصلاة و السلام ,
"يأتي أهل القرآن و أهله الّذين يعملون به في الدنيا" فعيّن عليه الصّلاة و السلام من هم اهل القرآن و انّهم أهل العمل بالقرآن  الّذين يعملون به في الدنيا فمن كان محكّما للقرآن عاملا بالقرآن معتنيا بالتزام أوامر القرآن و النواهي الّتي في القرآن حتى و إن لم يتيسّر له امر الحفظ فهو من أهل القرآن
و من حفظ القرآن و لم يعمل به لا يكون بمجرّد حفظه للقرآن من أهل القرآن بل إنّ هذا القرآن الّذي حفظه يكون حجّة عليه لا له كما قال عليه الصلاة و السلام:" و القرآن حجّة لك أو عليك" و قال في الحديث الآخر:"إنّ الله يرفع بهذا القرآن أقوام و يضع آخرين"
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد يقول:(و لهذا -و أقرأ كلامه ببطء تيسيرا لكتابة كلامه لأهميّته- يقول رحمه الله :( و لهذا كان أهل القرآن هم العالمون به و العاملون بما فيه و إن لم يحفظوه عن ظهر قلب و أمّا من حفظه و لم يفهمه و لم يعمل بما فيه فليس من أهله و إن أقام حروفه إقامة السهم"يعني و إن أتقن الحفظ للقرآن لا يكون من أهله إلاّ بالعمل بالقرآن و الدليل على ذلك الحديث الصحيح في جامع الترمذي "يأتي أهل القرآن و أهله الّذين يعملون به في الدنيا" هكذا قال النبي الكريم عليه الصلاة و السلام .
نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم بكلّ اسم هو له أن يجعلنا أجمعين من أهل القرآن الّذين هم أهل القرآن و خاصّته.
الْأَمْرُ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَاتِّبَاعِ مَا فِيهِ
7978 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ يَعْنِي ابْنَ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْيَشْكُرِيَّ فِي رَهْطٍ مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟» قُلْنَا: بَنُو لَيْثٍ فَسَأَلْنَاهُ وَسَأَلْنَا ثُمَّ قُلْنَا أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى قَافِلِينَ وَغَلَتِ الدَّوَابُّ بِالْكُوفَةِ فَاسْتَأْذَنْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي أَبَا مُوسَى فَأَذِنَ لَنَا فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ» فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: إِنِّي دَاخِلُ الْمَسْجِدِ فَإِذَا قَامَتِ السُّوقُ خَرَجْتُ إِلَيْكِ قَالَ: «فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا فِيهِ حَلْقَةٌ يَسْتَمِعُونَ إِلَى حَدِيثِ رَجُلٍ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ إِلَى جَنْبِي» فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هَذَا فَقَالَ: «أَبَصْرِيٌّ أَنْتَ» فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ لَوْ كُنْتَ كُوفِيًّا لَمْ تَسَلْ عَنْ هَذَا» هَذَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءِ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ، وَأَنْ تَمُوتَ يَا حُذَيْفَةُ، وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ"
قال رحمه الله تعالى "الْأَمْرُ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَاتِّبَاعِ مَا فِيهِ":
تعلّم القرآن يتناول تعلّم ألفاظ القرآن بحسن الإقامة لحروفه و الإجادة لقراءته و الحفظ لما تيسّر منه و يتناول الفهم للمعاني
و تلاوة القرآن نوعان:
-تلاوة ألفاظ
-تلاوة معاني: وهي أشرف و أهلها هم أهل القرآن الّذين يفهمون القرآن و يعقلون ما دلّ عليه و يعملون به
قال "الأمر بتعلّم القرآن" فيدخل تحت هذا التعلّم تعلّم الألفاظ و تعلّم المعاني
قال "و اتّباع ما فيه": وهو العمل  بالقرآن و من تعلّم القرآن و لم يعمل بما فيه كان القرآن حجّة عليه لا له و أورد -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة هذا الحديث و في أوّله قصّة ذكرها ثمّ أورد عن حذيفة –رضي الله عنه- أنّه قال: "كَانَ النَّاسُ-أي الصحابة رضي الله عنهم-  يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي» لأنّه يعايش –رضي الله عنه- التنزيل و يشاهد العمل  عمل النبي عليه الصلاة و السلام و الصحابة الكرام لكنّه كان يسأل عن الشرّ و علّل هذا السؤال –رضي الله عنه- بقوله ""وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ–جاء في بعض الروايات- قال:"مخافة أن يدركني" و من هو رضي الله عنه في علمه و حرصه على الخير و أيضا قوله هنا رضي الله عنه "وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي" يعني أحصّله بإذن الله و مع ذلك فيه هذا الخوف "مخافة أن يدركني" فكان يسأل  النبيّ عليه الصلاة و السلام عن الشرّ لهذا السبب
و العلماء -رحمهم الله تعالى- أخذوا من هذا فائدة ألا وهي "أنّ المسلم كما أنّهمطلوب منه أن يعرف الخير من أجل أن يعمل به فإنّه كذلك في الوقت نفسه مطلوب منه أن يعرف الشرّ ليحذره
  و لهذا تجد بعض الأئمّة أهل العلم -رحمهم الله تعالى- ألّفوا كتبا خاصّة في كبائر الذنوب: الكبيرة الأولى, الثانية, الثالثة, إلى آخره ...يعدّد للكبائر ليس في الكتاب إلاّ ذكر الكبائر و المقصود بتعريف النّاس بالكبائر و تعليمهم إيّاها من أجل أن يحذروها أن يتّقوها, إذا لم يعرف النّاس الكبائر و لم يعرفوا البدع و لم يعرفوا الشرك كيف يتّقوا هذه الامور
و قد قال بعض السلف:"كيف يتّقي من لا يدري ما يتّقي" أساس التقوى ان تعرف الشيء الذّي تتّقيه إذا كان الإنسان لا يعرف الشرك أو لا يعرف البدع أو لا يعرف الكبائر كيف يتّقيها
و لهذا –رضي الله عنه- كان يسأل عن الشرّ من أجل ان يحذر الشرّ من أجل ان يتّقي الشرّ
قال "مخافة ان يدركني" و لهذا قيل (تعلّم الشرّ لا للشرّ و لكن لتوقّيه فإنّ من لم يعرف الشرّ من النّاس يقع فيه )
فالحاصل أنّ هذا من حرصه و نصحه لنفسه و لغيره رضي الله عنه و أرضاه.
 قال "وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟"
بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟" انظر الآن للسؤال و الجواب .السؤال عن الشرّ و السبب في السؤال من أجل أن يتّقي الشرّ فماذا قال له النبي عليه الصلاة و السلام في جوابه ؟؟انظروا في الكتاب أمامكم ماذا قال له؟قال له : يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ" هذا يفيدنا فائدة عظيمة يا إخوان "أنّ كتاب الله من تعلّمه و يحسن تعلّمه و يحسن العمل به يكون عصمة له من الشرّ, يكون أمنة له من الشرّ, وقاية له من الشرّ, قال له عليه الصلاة و السلام : «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِوَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ))أي جوابا لسؤاله أي فإنّك إن تعلّمت كتاب الله و اتّبعت ما فيه وقيت من الشرّ و الله عزّ و جلّ  يقول:{و اعتصموا بحبل الله} فالاعتصام بحبل الله الّذي هو القرآن و الاستمساك به و مجاهدة النفس على فهمه و العمل به, هذا عصمة للمرء من الشرّ
و إذا كان من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عشر آيات من سورة الكهف حفظها كانت له عصمة من الدجّال
 و بهذا المقام -ذكّرنا الشيخ عبد الرحمن  جزاه الله خيرا- فكيف بما حفظ القرآن كلّه و اعتنى بالقرآن كلّه هذا يكون له عصمة من الدجّال و من الشرور كلّها
فالنبيّ عليه الصّلاة و السلام قال له في هذا المقام :" يَا حُذَيْفَةُ تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ"
"تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ": عرفنا معاشر الكرام أنّها تتناول تعلّم الألفاظ و تعلّم المعاني,
تعلّم الألفاظ بالإحسان في إقامتها و قراءتها و أدائها,
و تعلّم المعاني بفهم المعاني و قد قال الله عزّ و جلّ:{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته} فالله عزّ و جلّ أنزل القرآن لتتدبّر آياته لتفهم معانيه ليعقل الخطاب و من ثمّ ليعمل المرء بالقرآن حتى يكون من أهل القرآن الّذين هم أهل الله تبارك و تعالى و خاصّته.
قال:"تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ" :ثلاث مرّات يعيد له الجملة تأكيدا و اهتماما
قال له النبي -صلى الله عليه و سلّم- هذه الكلمة و أعادها ثلاث مرّات في سياق سؤال حذيفة للنبيّ عليه الصلاة و السلام عن الشرّ مخافة أن يدركه الشرّ قال له " تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ" .
الآن يا إخوان لمّا ننظر إلى الواقع الّذي نعيشه و الفتن المتلاطمة, الجارفة, المهلكة و أيضا الوسائل الكثيرة الّتي تهيّج المعاصي و الذنوب و تثير الشهوات هذا كلّه يؤكّد أنّ الأمّة بحاجة إلى أن تعود إلى القرآن بحاجة إلى أن تتلو القرآن بحاجة إلى أن تتعلّم القرآن و تعمل بالقرآن حتّى يعود لها عزّها و الله لا يعود للأمّة عزّا إلاّ بالقرآن فما أحوج المسلمين إلى عودة إلى كتاب الله عزّ و جلّ هناك بعد ,هناك إنشغال, شغلت أمور و أمور النّاس و صرفتهم عن هذا الكتاب المبارك و ما فيه من هدايات, و صلاح القلوب, و شفاء للصّدور.
قال :"تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ" فالأمّة إذا حقّقت  هذا الأمر العظيم و اعتنت بكتاب الله تعلّما و اتّباعا لما في القرآن عاد للأمّة عزّها, و رفعتها, و سؤددها , و علوّ مكانتها و إذا أضاع النّاس القرآن ذهبوا في مهبّ الرّيح و ضاع منهم العزّ و ضاع منهم الشرف و هلكوا أيّما هلكة.
قال:" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟": أعاد-رضي الله عنه- السؤال
قال :"يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ».
«هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»: أي صلح بين الفئات المتناحرة المتقاتلة الّتي صار بينها الفتن, يكون بينهم هدنة أي يكون بينهم صلح لكن هذا الصلح ليس صافيا تماما فيه دخن يعني فيه بقايا -بسبب الفتن الّتي كانت فيه- بقايا أحقاد و ضغائن و النّفوس فيها.
قال:«هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءِ فِيهَا»: هذا إعادة للمعنى نفسه
قال:« وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءِ فِيهَا»: يعني يجتمعون لكن فيه أقذاء, فيه شوائب, فيه أشياء من الترسّبات الباقية من الفتن الّتي كانت ناشبة.
" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ»: أنظر هذا التكرار في هذا السياق لهذه الجملة العظيمة"«تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» أي يعيدها هذه الجملة ثلاثة صلوات الله و سلامه عليه.
"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟": حريص رضي الله عنه, و السؤال له مقصده أن يفهّم عن النبيّ -عليه الصّلاة و السّلام- ما وجّهه إليه من عناية بكتاب الله لكنّه لازال حريصا من أجل المقصد الّذي ذكره من أجل اتّقاء هذه الشرور و تجنّبها و الخوف منها.
"قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ»: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ»قَالَ: «فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ".
"فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ": الفتنة توصف بهذا الوصف بأنّها عمياء و صمّاء و بكماء, و إذا كان هذا وصفها فمن الّذي يدرك خطورتها؟ من الّذي يستبين شرّها؟ و لهذا إذا جاءت الفتن و دخلت على النّاس أكثر النّاس يلجون الفتن و يستشرفون لها و يظنّون أنّهم بدخولهم تلك الفتن على خير و أنّهم يحصّلون عزّا أو فلاحا ثمّ إذا أدبرت الفتنة عرف النّاس أنّهم كانوا في  عماء و في ضياع و لهذا إذا أقبلت الفتنة و صفتها كما عرفنا عمياء, صمّاء, بكماء لا يعرفها إلاّ من أتاهم الله البصيرة, وإلا أكثر النّاس ينجرفون معها لأنّ هذا وصفها عمياء,صمّاء, بكماء,
 و توصف أيضا أنّها كقطع اللّيل المظلم, أنظر إلى شخص يمشي في قطع اللّيل المظلم كيف يبصر طريقه؟ فإذا أقبلت الفتنة لا يدرك خطرها إلاّ أهل البصيرة, أهل العلم, و أمّا إذا أدبرت, ولّت, إنتهت الكلّ يعرفها ينكشف أمرها للجميع, و لهذا بعد تولّ الفتن تجد كثير من النّاس يندم أن كان شريكا و أن دخل في تلك الفتن و تمنّى أن لو كفّ لسانه و يده عن الدّخول فيها و قد قال نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام و كرّر ذلك ثلاثا:"إنّ السعيد لمن جنّب الفتن" و ينبغي أن ندرك هذا الأمر أنّ تجنّب الفتن باب من أبواب السعادة في هذه الحياة الدنيا و الاستشراف للفتن و الدخول فيها باب من أبواب الشّقاء في هذه الحياة الدنياو إن ظنّ من يدخل في الفتنة أنّه يحصّل خيرا  أو يقدّم نفعا له أو لأمّته فتجنّب الفتنة و السلامة منها باب من أبواب السّعادة قال:" إنّ السعيد لمن جنّب الفتن" و لهذا تجنّب الفتنة و البعد عنها باب  يعدّ بابا من أبواب السّعادة في هذه الحياة الدّنيا.
قال:"فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ"
و جاء في صحيح البخاري "من أجابهم إليها قذفوه فيها"
و أيضا جاء وصفهم أنّهم "من بني جلدتنا و يتكلّمون بألسنتنا" و هذا أيضا يزيد الأمر خطورة.
"دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِوَأَنْ تَمُوتَ))–أي في تلك الحال وجود هذا الشرّ -
(وأَنْ تَمُوتَ يَا حُذَيْفَةُ، وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ))-أي أصل شجرة-
((خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ")أي هؤلاء الدعاة بمعنى أنّ هذه الشّرور إذا وجدت في الأمّة فإنّ خير ما يكون للمرء أن يعتزل هذه الفتن و يتجنّبها و لا يستمع لدعاتها لأنّه إن استمع لدعاتها ربّما أثّروا في قلبه  فقذفوه في النّار.
فقال له عليه الصلاة و السلام:" وَأَنْ تَمُوتَ-  أي إذا وُجد هذا الشرّ –
((وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ))-أي أصل شجرة- ((خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ" .
شاهد هذا الحديث للترجمة قول النبي صلّى الله عليه و سلّم قولا تكرّر مرّات عديدة في هذا الحديث قال:" تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ".
سؤال أجيبوا عليه بين أنفسكم أتوقّف له للحظات :كم مرّة قال النبيّ صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث "تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ"؟
لا, لا تنظروا فيّ, أنظروا في الحديث ,تأمّلوا العدد حتّى يكون مضبوطا العدد, تأمّلوا كم مرّة قال النبي –صلى الله عليه و سلّم "تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ"
الْأَمْرُ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِهِ
7979 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ: دَخَلْنَا مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَإِذَا حَلْقَةٌ وَفِيهِمْ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ كَيْمَا أَعْرِفَهُ فَأَتَّقِيَهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَا يَفُوتَنِي» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ، وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ثَلَاثًا» فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «فِتْنَةٌ، وَاخْتِلَافٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ ثَلَاثًا» ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى قَذًى فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةُ «تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ ثَلَاثًا» ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «فِتَنٌ عَلَى أَبْوَابِهَا دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ، فَلَأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ"
ثمّ قال الإمام النسائيّ رحمه الله تعالى
"الْأَمْرُ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِما فيه"و هذه الترجمة أعادها و أورد فيها الحديث نفسه المتقدّم في الترجمة السّابقة مراعاة للفظ الحديث في هذا السّياق فإنّه في هذا السّياق قال النبي عليه الصلاة و السلام لحذيفة:"تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ، وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ"و العمل بما في القرآن هو اتّباع القرآن, و ينبغي أن يعلم أنّ إتّباع القرآن هو من التّلاوة للقرآن لأنّ تلاوة القرآن في مثل قوله:{ الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به}


بيّن العلماء رحمهم الله أنّ التلاوة للقرآن تشمل أمور ثلاثا:
-تلاوته بقراءة حروفه
-و تلاوته بفهم معانيه
-و تلاوته بالعمل بما فيه.
و العامل بالقرآن يعدّ تاليا للقرآن و لهذا الصلاة و الصّيام و الحجّ و برّ الوالدين و اعمال الخير كلّها و البعد عن المعاصي هذا كلّه يعدّ تلاوة للقرآن أي إتّباع القرآن لأنّ من معاني التلاوة و دلالات هذه اللفظة الاتّباع و من ذلكم قول الله سبحانه و تعالى:{ و القمر إذا تلاها} أي تبعها , تلا فلان فلان أي تبعه  فمن التلاوة للقرآن العمل بالقرآن و اتّباع القرآن
 و في هذه الرواية قال حذيفة رضي الله عنه:" وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ كَيْمَا أَعْرِفَهُ فَأَتَّقِيَهُ" فهنا فيه تعليل حذيفة رضي الله عنه لسبب سؤاله للنبي عليه الصّلاة و السّلام عن الشرّ قال:"من أجل أن أعرفه فأتّقيه" و أمّا من لا يعرف الشرّ كيف يتّقيه و لهذا قيل:(كيف يتّقي من لا يعرف ما يتّقي).

7980 – أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَتَغَنُّوا بِهِ وَاقْتَنُوهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ"
-7981 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ قَالَ: حَدَّثَنَا قُبَاثُ بْنُ رَزِينٍ أَبُو هَاشِمٍ اللَّخْمِيُّ، مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وَاقْتَنُوهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْعِشَارِ فِي الْعُقُلِ"
ثمّ أورد –رحمه الله تعالى- هذا الحديث حديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه أورده رحمه الله تعالى من طريقين, الأولى من طريق موسى بن عليّ بن رباح اللخميّ عن أبيه عن عقبة بن عامر
و الطريق الثاني عن قباث عن عُليّ بن رباح اللّخمي عن عقبة بن عامر. و عُليّ ضبطه هكذا بضمّ العين , قال النووي رحمه الله :"هو بضمّ العين على المشهور و قيل بفتحها عليّ".
عن عقبة بن عامر قال:قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم:"«تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ"
«تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ"هذه تكرّرت معنا و مرّت في غير ما حديث وهي كما قدّمت تتناول التعلّم للألفاظ و التعلّم للمعاني
(( و تغنّوا به)) و في الحديث "ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن" و معنى التغنّي بالقرآن أي تزيين الصوت بالقرآن دون مبالغة و تكلّف لكن يحرص على أن يزيّن صوته و أن يحسّن صوته بالقرآن و أن يجمّل صوته بالقرآن,  زيّنوا القرآن بأصواتكم .
« وَتَغَنُّوا بِهِ وَاقْتَنُوهُ": اقتنوه أي اتّخذوه غُنيَة أو اتّخذوه قُنيَة من القين اتّخذوه قُنية أي زادا للمعاد كما يتّخذ المرء القُنية لأمور دنياه من طعام و شراب و نحو ذلك اتّخذوه قُنية أي اتّخذوه زادا لكم و ذلك بلزوم القرآن عملا به و استمساكا بهداياته
فإذن قوله(( و اقتنوه))أي الزموه و استمسكوا به و اعملوا بالقرآن و جاهدوا أنفسكم على العمل بهدايات القرآن حتى يكون هذا القرآن زادا لكم, مثل ما مرّ معنا في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلّم:"يأتي أهل القرآن و أهله الّذين يعملون به" أي من اتّخذوه قُنية ,اتّخذوه زادا ,اتّخذوا عملهم بالقرآن زادا لليوم الّذي يلقون فيه الله سبحانه و تعالى.
قال:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ-أي القرآن-((أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ")) المخاض:الحوامل من النوق
قال:" لَهُوَأَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ" ,العقل جمع عقال وهو ما يجعل في يد الناقة إذا بركت من أجل ألاّ تقوم من مكانها ,تثبت ,تستقرّ .و صاحب الإبل يكون معه عدّة عقل فإذا أرادت الناقة أن تبقى في مكانها وضع العقال في يدها فلا تستطيع النهوض, لكن ماذا يحصل؟الناقة و العِقال في يدها تُكرّر المحاولة بين وقت و آخر للنهوض فماذا يحصل؟ ينزاح العِقال إلى أن يسقط فتستطيع أن تقوم و لهذا يحتاج صاحب الإبل أن يمرّ عليها و يثبّت العِقال, إذا كان لا يريد لها أن تذهب و يريد أن تستقرّ في مكانها.
 فانظر إلى هذا المثال ما أجمله و من شأن الأمثلة كما ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنّها تجعل الأمور المعنويّة بمثابة الأمور المشاهدة المحسوسة ,فهذا مثال واضح الإبل وصفها بأنّها تتفلّت من العُقل قال :"لهو أشدّ تفلّتا من المخاض في العقل" بمعنى أنّ المخاض تتفلّت من العُقل كيف تتفلّت ؟ تحاول أن تقوم فيحجزها العِقال,ثمّ تحاول أن تقوم مرة ثانية فيحجزها العقال لكن مع كلّ محاولة ينزاح العقال عن مكانه قليلا إلى أن يسقط العِقال عن يدها فتقوم فإذا صاحب الإبل إذا أراد أن تستقرّ الإبل في مكانها يحتاج ان يمرّ عليها كلّ فترة و يثبّت ما انزاح عن هذه العُقل عن مكانها.قال:"لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ".
في الرواية الثانية فيها قال عقبة :"كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ" و هذا يستفاد منه أنّه لا حرج أن تسلّم على من هو جالس في حلقة قرآن فالنبيّ صلى الله عليه و سلّم فعل ذلك.
قال:" فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ ))–استحثّهم على هذه العناية بالقرآن-  ((واقْتَنُوهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْعِشَارِ فِي الْعُقُلِ" العشار جمع عُشَرَة وهي الناقة الّتي أكملت من يوم أن أرسل إليها الفحل عشرة أشهر فيقال لها عُشَرة .قال:" لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْعِشَارِ فِي الْعُقُلِ" و في القرآن { و إذا العشار عطّلت} أي أهملها أصحابها و تركوها.
فَضْلُ مَنْ عَلَّمَ الْقُرْآنَ
7982 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"
قال رحمه الله تعالى: "فضل من علّم القرآن"
و هذه الترجمة عقدها رحمه الله تعالى لبيان فضل تعليم القرآن و تعليم القرآن كما قدّمت نوعان:
-تعليم الألفاظ
-و تعليم المعاني.
قول النبي صلى الله عليه و سلّم:"بلّغوا عنّي و لو آية" يتناول النوعان ,بلاغ اللألفاظ و بلاغ المعاني,
و بلاغ الألفاظ من حفظ سورة من القرآن يحفّظها غيره إذا أتقن حِفظها يلقّنها غيره لكن بلاغ المعاني  لا يقوم إلاّ من وفّقه الله سبحانه و تعالى لحسن الفهم و إلاّ فإنّ الأمر غاية في الخطورة حتّى قال أبو بكر -رضي الله عنه- صدّيق الأمّة:(أي سماء تظلّني و أيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) فالأمر غاية  في الخطورة {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}فتعليم القرآن تعليم ألفاظ و تعليم معاني و هذه الخيريّة تتناول هذا و هذا من جلس للنّاس يقرؤهم القرآن و يحفّظهم القرآن فهم على خير و من جلس أيضا يعلّم النّاس معاني القرآن و يفسّر للنّاس القرآن و يوضّح لهم هدايات القرآن فهو على خير أعظم لأنّ هذا هو المقصود التدبّر و العمل بكتاب الله سبحانه و تعالى و إذا وفّق للأمرين فهذا نور على نور و خير على خير.
أورد هذا الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السّلمي، عَنْ عُثْمَانَ بن عفّان، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
هنا "عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ": ينبغي أن نستحضر طريقة الصحابة رضي الله عنهم و قد وصفها أبو عبد الرحمن السّلمي رحمه الله تعالى بقوله:(حدّثنا الّذين كانوا يقرؤوننا القرآن أي أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام قال كنّا نأخذ العشر آيات فلا نتجاوز إلى غيرها حتى نعمل بما فيها فتعلّمنا العلم و العمل معا). هذه الطريقة الّتي مضى عليها الصحابة رضي الله عنهم من أجل هذه الطريقة أمضى ابن عمر رضي الله عنه في سورة البقرة سبع سنوات و الآن تعقد دورات يحفظ فيه القرآن في شهرين كاملا و يمنح شهادة بأنّه حافظ للقرآن و أنّه جمع القرآن
و قد مرّ معنا قريبا قصّة ابنه الّذي جاء إلى أبي الدرداء فرحا قال:( إنّ ابني هذا جمع القرآن" فقال أبو الدرداء :"اللهم غفرا إنّما جمع القرآن من سمع له و أطاع ) هذا الّذي جمع القرآن أمّا حفظ الحروف سريعا ثمّ يقال حافظ أو جامع للقرآن لم يكن على هذا النهج السلف الصالح رضي الله عنهم و أرضاهم و لهذا يتخرّج من مثل هذه الطريقة أناس يحفظون حروف القرآن لكنّ في عدد منهم بُعد عن القرآن و بُعد عن العمل و ليمتحن وليَمتحن المرء نفسه في الصلاة الصلوات الخمس و مدى المحافظة عليها فإنّها مَحَكّ في هذا الباب و ميزان يومي يستطيع أن يعرف المرء نفسه و مدى عنايته بكتاب الله سبحانه و تعالى.
قال:" عَنْ عُثْمَانَ بن عفّان، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
((علِم القرآن))أي في نفسه علِمه بإحسان في قراءة الحروف و علِمه بإحسان أيضا في فهم المعاني ثمّ نقل هذا الخير إلى الغير {وَالْعَصْر{1}[إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر{2}إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر{3}[العصر],
بعد أن صلحوا في أنفسهم عملوا على إيصال  هذا الصلاح إلى الآخرين
علِم القرآن هذه الخطوة الأولى بأن يحفظ و يفهم و يعمل ثمّ يحرص على نقل هذا الخير إلى الآخرين .
قال:"خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" يتعلّم ليستفيد و يعلّم ليفيد الآخرين يجمع بين هذين الخيرين.
و قول النبي عليه الصلاة و السلام:"خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" هذه الخيريّة مرتبطة بالعمل فقوله:خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" أي مع مراعاة العمل بالقرآن لأنّ من لا يعمل بالقرآن و إن حفظ القرآن هو جاهل بالقرآن,لأنّ من لا يعمل بالقرآن و إن حفظ القرآن هو جاهل بالقرآن,  لم يتعلّم القرآن حقيقة لم يتلو القرآن حقيقة و لهذا قال العلماء :"خيركم من تعلّم القرآن و علّمه" أي مع مراعاة العمل بالقرآن لأنّ هو المقصود بهذا التعلّم مثل ما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:"إنّما انزل القرآن ليعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملا".
 هذا الحديث ما مدى تأثيره في الراوي أبو عبد الرحمن السّلمي رحمه الله تعالى ما مدى تأثير هذا الحديث  :" خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" هو يروي رحمه الله تعالى ما مدى تأثير هذا الحديث فيه؟
قالوا:"و أقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتّى كان زمن الحجّاج" و جاء في بعض الروايات "كان يعلّم القرآن في مسجد الكوفة أربعين سنة" قال رحمه الله :"ذلك -أي يشير إلى هذا الحديث :" خَيْرُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"- قال ذلك أقعدني مقعدي هذا" يعني هذا المقعد الّذي جلسته أربعين سنة أو يزيد كلّه تأثّر بهذا الحديث رحم الله أبا عبد الرحمن السّلمي و رحم الله جميع علماء المسلمين و ألحقنا أجمعين بالصالحين من عباده.



قال رحمه الله تعالى:
فَضْلُ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ
7983 - أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ شُعْبَةُ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَقَالَ سُفْيَانُ: «أَفْضَلُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"
7984 – أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُكُمْ مَنْ عَلِمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ عَلَّمَهُ"
ثمّ قال رحمه الله تعالى:
"فَضْلُ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ":أي من اعتنى بتعلّم القرآن وهو كما قدّمت غير مرّة يتناول تعلّم الألفاظ و تعلّم المعاني و أورد رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أعاد حديث عثمان المتقدّم و ذكره بلفظين "خيركم" و "أفضلكم" و مؤدّى اللفظين واحد لأنّ خيركم أفعل تفضيل أي أخيركم" مثل" أفضلكم من تعلّم القرآن و علّمه".
الْأَمْرُ بِاسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ
7985 - أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِئْسَمَا لَأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: «نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ» وَقَفَهُ جَرِيرٌ
7986 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ نُسِّيَ»


قال رحمه الله تعالى :
"الْأَمْرُ بِاسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ"
استذكار القرآن أي تعاهد القرآن بالمراجعة فإذا حفظه كاملا و حفظ قدرا منه يخصّص وقتا لمراجعة هذا الّذي حفظه قليلا كان أو كثيرا لأنّه إن لم يتعاهد هذا القرآن حتّى و إن كان قليلا فإنّه يذهب
و أروي طرفة هنا لتجديد النشاط و فيها لطافة وهي أيضا واقعة حصلت رجل يؤُمّ النّاس في قرية من العوّام و ما كان يحفظ إلاّ بعض قصار السور و فاتحة الكتاب و دائما يصلّي بهم بهذه السور القصار {قل هو الله أحد},{قل أعوذ بربّ الفلق} و {قل أعوذ بربّ النّاس}و كان يحفظ الإنفطار لكن ما كان يصلّي بجماعته  مطلقا بهذه السورة و جماعته يعرفون انّه يحفظها و كانوا يقولون له "إقرأ لنا بالسورة الطويلة التي أنت تحفظها" فيأبى فيقول لا هذه للضيوف و مع طول المدّة جاء الضيوف فقرأ بها و ما استطاع أن يقرأها لأنّه لم يحصل منه تعاهد لها فأراد أن يقرأها بدأ بها في الصّلاة فما استطاع فرجع إلى قصار السور و قرأ بها للضيوف كما أراد الحاصل أنّ تعاهد القرآن سواء كان هذا الّذي يتعاهده من حفظه قليلا أو القرآن كلّه أو نصفه إن لم يكن له تعاهد و استذكار للقرآن و إلا فإنّ القرآن يذهب
قال:"الأمر باستذكار القرآن".
و أورد هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود من طريقين الأول مرفوعا و الثاني موقوفا
المرفوع من طريقة شعبة عن منصور عن ابي وائل عن عبد الله .
و الموقوف من طريق اسحاق بن ابراهيم المعروف بابن رهويه عن جرير عن منصور عن ابي وائل عن عبد الله
لكنّ الحديث رواه مسلم في كتابه الصحيح عن عثمان ابن ابي شيبة مقرونا باسحاق أي ابن ابراهيم بن رهويه و الزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلّم و على كلّ فالحديث صحّ مرفوعا عن النبيّ الكريم صلوات الله و سلامه و بركاته عليه.
قال:"بِئْسَمَا لَأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: «نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ"
((أن يقول نسيت آية كيت))سيأتي في الرواية الأخرى أنّه إن حصل شيء من ذلك الأولى ان يقول ماذا؟ نُسيت
لماذا نهى عن هذه اللفظة أن يقول المرء"نَسيت آية كيت"؟ أشار بعض العلماء أنّ هذه اللفظة نَسيت تُشعر بإهمال عدم مبالاة شيء من التفريط ممّا ترتّب عليه ضياع هذا الّذي يحفظه قليلا أو كثيرا و لهذا كره النبي عليه الصلاة و السلام  أن يقول نَسيت لأنه مشعرة بعدم المبالاة بهذا المحفوظ بتفريط فيه لكن الّذي يقول نُسيت يعني عنده عناية لكنّ بطبيعة البشر ينسى و النبيّ صلّى الله عليه و سلّم مرّ معنا قريبا لمّا سمع قراءة عبّاد بن بشر قال:"اللهم ارحم عبّاد ذكّرني آية كذاو كذا كنت أسقطها" أي نُسيتها فهذا يحصل بطبيعة البشر يعني يكون حافظ و متقن و لكن يقرأ و تفوته آية أو الآيتين أو نحو ذلك نسي آدم و نسيت ذريّته هذه طبيعة في البشر فإذا قال نُسيت لا تشعر ما تشعر به لفظة نَسيت القرآن ,
نَسيت هذه فيها شيء اشعر بعدم الاهتمام و عدم المبالاة و لهذا كره النبيّ عليه الصلاة و السلام أن يقول نَسيت آية كذا
 و لهذا قال "استذكروا القرآن" يعني تعاهدوه حتّى لا يحصل هذا النسيان فإن كان نسيان مع الاستذكار و العناية فليقل المرء في هذا المقام نُسيت و لا يقول نَسيت.
"فَإِنَّهُ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ":تفصّيا مرّ معنا لفظة في حديث تقدّم تفسّر معنى تفصّيا قال فيما تقدّم ((لهو أشدّ تفلّتا)) فمعنى تفصّيا تفلّتا.
"فَإِنَّهُ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ" و النسيان الّذي ليس باختيار الانسان لا يلام عليه لأنّه ليس في طوق الإنسان السلامة منه لا بدّ أن ينسى الإنسان نسي آدم و نسيت ذرّيته مهما كانت حافظة الإنسان لا بدّ ان يقع و يعتريه شيء من النّسيان حتّى إنّ كثيرا من الأذكياء أحيانا ينسى الأشياء الواضحة تجد مثلا بيده المفتاح فيقول"أين المفتاح" وهم الأذكياء فهذا امر موجود في البشر يعني مهما أُوتي من الذكاء لا بدّ أن يقع في النّسيان ليس في طوق الإنسان السّلامة منه
و قد جاء في حديث يرفع إلى النبي عليه الصلاة و السلام أنّه قال:"من حفظ القرآن ثمّ نسيه لقي الله وهو أجذم" لكن هذا الحديث بيّن العلماء أنّه لم يثبت عن النبي عليه الصّلاة و السّلام

و من حفظه و نسي إمّا ان يكون نسيانه:
- بأمر ليس في طوقه كأن تضعف الذاكرة أو يصاب بأمر أو أشياء من هذا القبيل أو تداهمه مصيبة أو أشياء.
-أو يكون تفريط و إهمال و إعراض عن القرآن فالملامة في التفريط و الإهمال و عدم المبالاة.
في الرواية الأخرى للحديث قال:" اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ نُسِّيَ»" و عرفنا أنّ لفظة نَسيت تختلف عن نُسيت ,
لفظة نَسيت تشعر بعدم المبالاة
و أيضا تمثيل صاحب القرآن بصاحب الإبل لا يزال له مزيد إيراد عند المصنّف و نواصل فيه إن شاء الله تبارك و تعالى في لقاء الغد بإذن الله عزّ و جلّ.
و نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن ينفعنا أجمعين بما علّمنا و ان يزيدنا علما و أن يصلح لنا شأننا كلّه و ألاّ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين و أن يعيدنا و المسلمين أينما كانوا من الفتن ما ظهر و ما بطن و أن يمنّ علينا أجمعين بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام و المعافاة في الدّنيا و الآخرة.
اللهم آتي نفوسنا تقواها و زكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها و مولاها
اللهم إنّا نسألك الهدى و التقى و العفّة و الغنى
اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لمشايخنا و لولاة أمرنا و للمسلمين و للمسلمات و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الاموات



(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق