السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الخامس عشر

    بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الخامس عشر
بَابٌ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد :
يقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله تعالى في كتابه السنن الكبرى :بَابٌ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَخْلَدٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد
قال المصنِّف الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- :بَابٌ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
قَالَ فِي الْقُرْآنِ :اي خاض في معاني القرآن وهداياته وما يُستنبط منه وما يستخرج من معاني ودلالات، من خاض في القرآن بغير علم أي أن هذه الترجمة معقودة لبيان حكم ذلك ، ولا شك أن الخوض أو القول في القرآن بغير علم من اعظم المحرَّمات واشد الآثام وأكبر الجنايات والله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه العظيم ﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33]
فالقول في القرآن بغير علم قول على الله بغير علم؛ لأن القرآن كلام الله جل وعلا ،وقد قال الله سبحانه ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ‌ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:36]
ولهذا ليس لأحد ان يخوض ولا في آية واحدة ولا في كلمة واحدة من كلام الله عزوجل الا بعلم حتى الكلمة الواحدة ،انظر إلى صديق الامة رضي الله عنه لما سئل عن قول الله -سبحانه وتعالى-﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ سئل عن الأب ما هو ؟ وسياق هذه الآية يدل على أنه نبات وأنه ثمر، فلما سُئل عنها قال كلمته العظيمة :( أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا اعلم ) حتى الكلمة الواحدة من كتاب الله -سبحانه وتعالى- ليس للمرء أن يقول فيها بشيء الا بعلم ودراية والا يتوقف حتى لا يقول على الله ما ليس له بعلم وحتى لا يقفُ في كتاب الله ما ليس له به علم وحتى لا يكون بذلك مرتكبا جُرما من اعظم الجرائم وذنب من أعظم الآثام
وأورد -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة حديث بن عباس رضي الله عنهما  وساقه -رحمه الله- من طريقين لفظه في الطريق الأولى (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)
(مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ)أي تكلم في كتاب الله ومعانيه ودلالاته وما يُستنبط منه
(بِغَيْرِ عِلْمٍ )أي بغير بصيرة ولا دراية
(فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أي فليهيئ لنفسه بذلك مقعده من النار؛ لأنه بهذا الصنيع قد هيأ لنفسه مقعدا من النار في خوضه وكلامه في كتاب الله -سبحانه وتعالى- بغير علم
ولفظه في الطريق الثانية (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)
ومعنى قوله : (برأيه)أي المجرد، والرأي المجرد هو الذي رُدَّت به النصوص وتُجني فيه على الأدلة وأُحدثت بسببه البدع والضلالات يكون عند الرجل تصورا مسبقًا ثم إذا أتى الآية أخذ يفسرها لتكون دالة على ما عنده من تصور فيحمل القرآن على ما غيرمعناه ويورده على غير مدلوله ومقصوده والمراد منه فمن قال قي القرآن برأيه اي رأيه المجرد وهو قول على الله وفي كتابه بغير علم (فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)
والإسناد في الطريقين فيه عبد الأعلى وهو بن عامر وقد ضعفه المصنِّف - الامام النسائي رحمه الله تعالى- وأيضا ضعَّفه الإمام أحمد وأبو زرعة وغيرهم من أهل العلم
قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ مِهْرَانَ الْقُطَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ)
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن جندب رضيَ الله عنه قال:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ)أي وافق الصواب في معنى الآية وما تدل عليه فقد أخطا فَقَدْ أَخْطَأَ حتى وإن كان المعنى الذي توصل اليه صواب وهو الذي تدل عليه الآية لكنه أخطأ؛ لأن الطريق الذي سلكه في فهم الآية طريق خاطئ لأنه خوضٌ في الآية وفي معناها وفيما تدل عليه بغير علم وهذا من اعظم المحرمات حتى وإن وافق الصواب اتفاقا فانه يُعد مخطئا لان الطريقة والمسلك غير صحيح، فلا يقال طالما أنه وافق الحق وأصاب المراد فهو مصيب ،لأ ،  هو ليس بمصيب حتى وان وافق الصواب لان الطريقة التي سلكها والمسلك الذي سلكه مسلك خاطئ  ليس له  أن يخوض في كلام الله سبحانه وتعالى بغير علم؛ ولهذا في الحديث الاخر لما ذكر القضاة عليه الصلاة والسلام أن القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار ذكر القاضيين  الذين في النار أحدهما علم الحق ولم يحكم به ، والآخر من حكم بجهل حكم بغير علم حتى ولو أصاب في حكمه ، الحكم الشرعي وقد حكم بجهل فهو مخطئ وهو في النار كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه حكم بجهل لم يحكم بعلم لم يتكلم بعلم .
فباب الحكم باب خطير جدا ويجب أن يُتورع عنه ولا يخوض فيه الإنسان الا بعلم حتى أن وهذا من اللطائف العجيبة شيخ الاسلام بن تيمية ذكر -رحمة الله عليه- وانظر الى دقة السلف في هذا الباب،  قال: ( حتى إن الصحابة كانوا يعتبرون الذي يحكم بين الصبيان بالخطوط حاكما , عندما يكتب الصبيان خطوط ويقول من احسن ؟ أي خط منا احسن ؟ )
يقول كان الصحابة يعتبرونه حاكما عندما يأتي صبيان ويقول احدهما خطي اجمل ولا خط فلان ؟ اذا قلت خط فلان اجمل حكمت لابد أن تحكم بعدل ،انظر الى الخط جيدا ودقق ثم احكم الى هذه الدرجة بلغت الدقة عندهم -رضي الله عنهم وارضاهم .
الحاصل أن في هذا الحديث (مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ ) حتى وإن وافق حكمه الصواب فهو مخطئ لأن المسلك الذي سلكه في حكمه في الامر او المسألة عن غير علم.
والإسناد هنا فيه سهل بن مهران القطعي ضعفه الامام أحمد وأبو حاتم وغيرهم.
قال:أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاسَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ قَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ «دَعْنِي أَقْتَلُ هَذَا الْمُنَافِقَ» قَالَ مَعَاذَ اللهِ: أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ "

قال أخبرنا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأنا أَسْمَعُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُهَا لِلنَّاسِ فَيُعْطِيهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ قَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ لَقَدْ خبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْتُلُ هَذَا الْمُنَافِقَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ وَحَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ))
ثم اورد الإمام النسائي - رحمه الله تعالى- هذا الحديث حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - أن رجلا أتى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ الى آخر الحديث.
هذا الحديث وكذلك الأحاديث التي بعده مما ساقه المصنِّف الى نهاية هذه الترجمة كلها تتعلق بالخوارج والترجمة عندنا (بَابٌ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ )، وعلاقة هذه الاحاديث بالترجمة ظاهرة وواضحة لأن الخوارج هم من أعظم الناس قولا على الله وفي كتابه بغير علم مع أنهم يقرؤون القرآن ويكثرون من قراءة القرآن لكن حظهم من القرآن ونصيبهم منه كما بين النبي عليه الصلاة والسلام لا يجاوز الحناجر.
معنى لا يجاوز الحناجر: أي لا يجاوز مخارج الصوت ، حظهم من القران في حدود مخارج الصوت فقط ، المعنى أن حظهم من القران هو من حروفه أما فقهه ومعناه ومدلوله ليس لهم منه نصيب وإن تكلموا في معاني القران تكلَّموا بغير علم لأنهم ليسوا أهل فقه ولا أهل بصيرة ، سفهاء الأحلام كما وصفهم عليه الصلاة والسلام،, أنّى لسفيه الحلم أن يفهم كلام العظيم -سبحانه وتعالى- ولهذا حظهم من القرآن هو في الحروف فقط مخارج الصوت أما الفقه والفهم والبصيرة والدراية فهم بعيدون عنه كل البعد؛ ولهذا عندما يقال القائلون على الله بغير علم يأتي في مقدمة هذا الخوارج ، الخوارج هم من أعظم الناس قولا على الله وفي دينه وفي شرعه بغير علم ولهذا يتكلمون في الآيات ويحتجُّون بالأدلة لكن ما يفهمونها ينزلونها في غير منازلها ويجعلونها في غير مواضعها لأنهم ليسوا من أهل الفقه ولا من أهل البصيرة ولا أهل الدراية بدين الله سبحانه وتعالى
قال :أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ ) أي وقت منصرفه من حنين
(وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاسَ ): صلوات الله وسلامه عليه، فقال ذلك الرجل وجاء تسميته في بعض الروايات بالخويصرة
قال ذلك الرجل: (يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ ):  يعني احكم بالعدل هذا فيه اتِّهام للنبي عليه الصلاة والسلام إمام العدل صلوات الله وسلامه عليه أنه لم يعدل ففيه اتهام للنبي عليه الصلاة والسلام بعدم العدل وفيه سوء أدب مع النبي عليه الصلاة والسلام وفيه فظاظة وغلظة وجفاء، في معاني سيئة اجتمعت في هذا القائل وفي خطابه للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام
قال: (اعْدِلْ قَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ) من الذي يقوم بالعدل إذا لم يقم به سيد ولد آدم إمام الأولين والآخرين وقدوة الناس أجمعين صلوات الله وسلامه عليه
(وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ)
( لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) ضُبطت بهذا وهذا
وانظر هنا في قول النبي عليه الصلاة والسلام(لَقَدْخِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ)كمال حلمه وأناته ورفقه صلوات الله وسلامه عليه
يقول له:( اعدل ) هذا اتِّهام للنبي عليه الصلاة والسلام بعدم العدل
قال: (وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ )
وفي الضبط الآخر ( لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) لأنكم اتباع إذا كان لم يعدل القدوة والإمام،من تحته يبوؤون بالخيبة والخسران، (لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ )
انظر في مقالة هذا الرجل لما قال : (اعدل) كيف قاس المسألة النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عطاءا وأنفق فيما يراه عليه الصلاة والسلام مصالح المسلمين ومقاصد الشريعة صلوات الله وسلامه عليه ، فالرجل قال ( اعدل ) بأي مقياس ؟ هو فهمه في هذه المسألة أن القسمة لابد أن تكون باعتبار الحاجة حاجة الناس وفقرهم وأن مثلا يُعطى الأفقر والأشد حاجة، لكن مثلا يُعطى رئيس القبيلة او رئيس القوم او العالي في قومه وعنده شيء من المال او عنده خير ويُعطى هذا خلاف العدل .
بينما نظرة النبي عليه الصلاة والسلام جمعت بين الرؤية لهذا المعنى والرؤية أيضا لمقاصد الشريعة ومصالحها العظيمة لأن الآن لما يعطي الرجل السيد في قومه عطاءا عظيما ماذا يترتب على ذلك ؟دعَك من قليل من المال يأخذه فلان أو فلان !
لكن لمَّا يعطي سيدًا في قومه وعاليا في قومه فيسره ذلك العطاء ويقبل على هذا الدين ، قومه كلهم يكونون تبع له ولهذا من مصارف الزكاة الثمانية المؤلَّفة قلوبهم تأليف القلوب مهم جدا فالنبي عليه الصلاة والسلام يعطي قوم وهم كبراء في أقوامهم ولهم مكانه وعندهم مال لكن يعطيهم تأليفا لقلوبهم فالنبي عليه الصلاة والسلام هذه نظرته نظرة لمقاصد الشريعة ومصالح الدين و ترغيب الناس في الدخول في هذا الدين وهذا نظرته قاصرة ولهذا حكم بناء على نظرته القاصرة وفهمه الضعيف ان النبي عليه الصلاة والسلام لم يعدل
قال عمر (دَعْنِي أَقْتَلُ هَذَا الْمُنَافِقَ، قَالَ: مَعَاذَ اللهِ)قال النبي عليه الصلاة والسلام (مَعَاذَ اللهِ: أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ) لأن قتله وقتل أمثاله يوجب نفورا من الدين لأن إذا تحدَّث الناس هذا الحديث قالوا إن محمدا يقتل اصحابه هذا يوجب نفورا من الدين ينفر من دخل فيه وينفر من الدين من دُعي له ، يعني اذا سمع ان محمد يقتل اصحابه فان من كان داخلا في هذا الدين ربما نفر ومن كان خارج هذا الدين أيضا ربما نفر من هذا الدين
ولهذا سدًا لهذه الذريعة ورعاية لمصلحة الدين لم يقتله عليه الصلاة والسلام ولم يأمر بقتله قال (مَعَاذَ اللهِ: أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ) واذا وجد هذا الحديث انه يقتل اصحابه فان هذا الحديث يوجب نفورا من الدين سواء من دخل في الدين أو من كان خارج هذا الدين
(إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)وهذا موضع الشاهد من الترجمة ان القوم -أعني الخوارج- عندما يتكلمون في القرآن ومعانيه يتكلمون بغير علم لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصفهم بأنه لا يجاوز حناجرهم بمعنى أن حظهم ونصيبهم منه هو مخارج الحروف من أقصى الحلق اقصى مخرج للحروف الهاء والحاء من هذا الحد ومن فوق ، الحنجرة من اقصى مخرج فما فوق هذا عندهم يقرأون القرآن.
حتى إن قراءتهم للقرآن اكثر من قراءة الصحابة قال : (تحقرون قراءتكم مع قراءتهم) يقرؤون القرآن كثيرا لكن ليس في قلوبهم فقه للقرآن ، (لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) اي ليس في قلوبهم فقه للقرآن.
بعض العلماء قال إن معنى قوله (لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)اي لا يقبل منهم يقرؤونه ولا يقبل منهم لا يجاوز الحنجرة , لا يرتفع الى الله سبحانه وتعالى لأنه لم يصدر عن اخلاص وصدق مع الله -سبحانه وتعالى- فلا يجاوز حناجرهم أي لا يُثابون عليه
(إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) يعني عندما يرمي الرامي للسهم ثم ينفذ السهم في الرمية أي الصيد ويخرج من الجهة الاخرى قال يمرقون من الاسلام مثل مروق السهم من الرمية.
هنا انتبه لأمر يتعلق بهذا القائل هذا الرجل في جفائه وغلظته وسوء أدبه واتهامه للنبي عليه الصلاة والسلام وتقوله عليه بلا علم وخوضه في الكلام في دين الله بلا علم ، انتبه لهذه السمة في هذا الرجل ، بن تيمية رحمه الله قال كلمة جميلة رأيتها في أحد كتبه على إثر نقله لهذا الحديث قال ( وقد التزم هذا الخوارج من بعده ) التزموا هذا المسلك فالخوارج من بعده على هذا المسلك، جفاء وغلظة وسوء فهم وتطاول على المقامات العالية مقامات العلماء أهل الفقه واهل البصيرة وخوض في دين الله بغير علم،  التزموا من بعده هذا المسلك فأنت عندما ترى قصة هذا الرجل جفائه مع النبي غلظته، سوء أدبه اتهامه للنبي عليه الصلاة والسلام، قوله في دين الله بغير علم الى غير ذلك من الصفات التي تظهر لك وانت تقرأ قصة هذا الرجل ، هذه الامور التزمها الخوارج من بعد هذا الرجل فسلكوا مسلكه ؛ ولهذا تراها في كل من يسلك هذا المسلك، مسلك الخوارج
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْقَدَحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارى فِي الْفُوقِ)
ثم أورد -رحمه الله تعالى- حديث أبي سعيد الخدري أيضا في صفة الخوارج ، قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ) الخطاب للصحابة وهنا أيضا استحضر عظم اجتهاد الصحابة في العبادة والصيام وقراءة القرآن والصلاة وقيام الليل ، مرت معنا قصة عبدالله بن عمرو العجيبة العظيمة واستغلاله لشبابه في عبادة الله وقراءة القرآن والذكر ، ومع ذلك قد قال النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب الصحابة (تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ) وجاء أيضا في بعض الروايات وقراءتكم مع قراءتهمأي للقران .
ثم قال في وصفهم (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ) يعني مع قراءتهم للقرآن بكثرة الا أنه لا يجاوز حناجرهم ، يعني لا يصل الى القلوب لا يفقهونه ، لا يفقهون القرآن، ولهذا فقه القرآن لا يُحصَّل بمجرد القراءة او الاكثار من القراءة ، فقه القرآن لابد للرجوع الى الأصول ، الاحاديث المفسرة والآثار المفسرة والعلم بالقواعد التي يفسر بها القرآن، والأصول التي يفهم بها القرآن  وإلا إذا خاض في الفهم بالرأي فإنه يضل في هذا الباب .
فعندهم قراءة للقرآن بكثرة لكن لا يفقهون ،لو سألت لماذا لا يفقهون ؟ في قديم الزمان وحديثه لماذا الخوارج لا يفقهون كتاب الله مع أنهم يقرؤونه بالكثرة ؟ لماذا لايفقهونه ؟ لانهم انفصلوا عن أهل العلم، انفصلوا تماما عن اهل العلم ولا يرون أهل العلم شيئا ويتَّهمون العلماء الأكابربالتهم فانفصلوا عن اهل العلم واستقلوا بفهمهم القاصر ، حداثة الاسنان ، سفاهة العقول وبدأوا يتكلمون في القرآن بغير علم وإلا لو اقتربوا من العلماء وعرفوا مكانة العلماء وتلقّوا العلم من العلماء شيئا فشيئا لما حصلت لهم هذه الحالة المزرية ، فالسبب في ذلك انفكاكهم عن العلم ؛ ولهذا من قديم الزمان إدخال الحدث والشاب في الخوارج أول مرحلة يبدأونها معه في هذا الباب يفصلونه عن العلماء،أول خطوة يكرهونه للعلماء ويبغضون العلماء في نفسه والعلماء كيت وكيت وكيت فيهم من الصفات حتى يكره العلماء ، فإذا كره العلماء صار من أهل هذا المسلك , ما عنده علم ويتكلم في القران وفي السنَّة وفي دين الله بغير علم .
هنا في الحديث وأحاديث أخرى لما نعت النبي عليه الصلاة والسلام الخوارج قال للصحابة:  (قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وقرائتكم مع قرائتهم) هل هذا بقي وصفا للخوارج ، استمر ؟الذي ينظر في تاريخ الخوارج بعد القرون الاولى يجد أن الخوارج على هذا المسلك لكن أصبحوا حتى القران ما عندهم قراءة ، وصلاة ما عندهم صلاة ، وعبادة ما عندهم عبادة؛ ولهذا بن تيمية رحمه الله تعالى لما ذكر في احد كتبه ما يسره الله للحاكم من القضاء على الخوارج الذين كانوا تحصَّنوا بالجبال وآذوا المسلمين وحصل على أيديهم شر ، يقول بن تيمية لما دُخل على أماكنهم قال يصف حالهم قال: ( وهؤلاء القوم كانوا اقل صلاة وصياما ولم نجد في جبلهم مصحفا ) الجبل الذي هم متحصنون فيه ، قال (ولم نجد في جبلهم مصحفا ولا قارئا ) ما وجدنا فيه قارئ للقران ( وانما عندهم عقائدهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة واباحوا بها دماء المسلمين )
اذن الصفة هذه لما قال (يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ) إلى آخره هذا كان في الخوارج الأول لكن الخوارج المتأخرين تركوا حتى العناية بالصلاة والعناية بالصيام والعناية بقراءة القرآن ؛ولهذا بعضهم يُذكر عنه انه حتى صلاة الفريضة متهاون فيها ، ثم يخوض في المسائل الكبار ويتجرّأ على الامور العظيمة ويخطئ العلماء وهو الصلاة لا يحافظ عليها ولا يعتني بها .
أيضا في قول النبي عليه الصلاة والسلام في وصف الخوارج ((تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ) هنا قد يستشكل بعض الناس يعني صلاة وصيام وقراءة للقرآن بالكثرة وأعمال أكثر من أعمال الصحابة ومع ذلك يمرقون من الدين ، أليست العبادة والعناية بها تورث طمأنينة ، تورث ثباتا على الحق والهدى ؟
هنا ينبغي أن يُلحظ أمر نبَّه عليه العلماء ألا وهو أن  عبادة هؤلاء وصلاتهم وقراءتهم للقرآن لم تكن على طريقة مشروعة وإنما كانوا يأتون بهذه العبادات الدينية على طرائق غير مشروعة،  يعني خذ المثال الذي يوضح لك هذا المعنى في قصة عبد الله بن مسعود مع النَّفر الذين كانوا في المسجد وهي في سنن الدارمي بإسناد جيد  ، وعليهم رجل قائم يقول سبحوا مائة هللوا مائة كبروا مائة وبين أيديهم حصى فإذا قال لهم سبحوا مائة بدأوا ينقلون الحصى من موضع الى موضع , كل حصاة بتسبيحة ، ينقلون الحصى من موضع الى موضع ، هذا التسبيح الجماعي والعد للتسبيح بالحصى بهذه الطريقة لم يكن موجودا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وإنما أحدثوا لأنفسهم طريقة في العبادة غير مشروعة ولهذا قال لهم رضي الله عنه : ( لقد جئتم ببدعة ظلمًا أو فقتم أصحاب محمد علمًا )
جاء في سياق هذا الخبر الراوي يقول :(رأيتهم يطاعنوننا في النهروان)أي مع الخوارج -نفس هؤلاء- فهذا يُستفاد منه فائدة ان العبادة اذا كانت على طريقة غير مشروعة هي التي توصل إلى هذه المواصل ، أما الإنسان الذي يزم نفسه بزمام الشرع ويحافظ على العبادة بالطريقة المشروعة فإن هذا لا يأتي له إلا بالخير بإذن الله سبحانه وتعالى .
قال (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْقَدَحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارى فِي الْفُوقِ) يعني هذا كله تأكيد لما سبق يمرق من الدين كما يمرق السهم : السهم بعد أن يمرق من الرمية وينظر صاحبه فيه ، في مقدمة السهم ووسطه وآخره هذا معنى (يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْقَدَحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا)
النصل : حديدة السهم
والقدح : ما بين النصل و الريش , وسطه
والريش : آخر السهم
فينظر في كل أجزاء السهم بعد أن يخرج لا يرى قد علق فيه شيء من الرمية , اخترقها بسرعة وخرج فلم يعلق في السهم بكل أجزائه شيء من الرمية
قال (وَيَتَمَارى فِي الْفُوقِ) يعني فوق السهم و المراد بيتمارى في الفوق أي يشك هل شيء فيه من أثر الدم او ليس فيه ، يتمارى يعني يشك هل شيء فيه من أثر الدم او ليس فيه شيء من أثره ، فالحاصل أن هذا تأكيد للمعنى السابق لقوله (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ).
وفوق السهم:  هو موضع الوتر منه ، يعني يشك فيه هل فيه شيء من الدم او ليس فيه شيء من الدم
قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرُورِيَّةِ قَالَ: أُخْبِرُكُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ هَاهُنَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)
ثم ختم رحمه الله هذه الترجمة بهذا الحديث حديث سهل بن حنيف أنه سُئل ماذا سمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحرورية ؟
الحرورية: هم الخوارج  ولقبوا يهذا اللقب لأنهم سكنوا حروراء ، سكنوا منطقة حروراء فلقِّبوا بهذا اللقب باعتبار سكناهم في تلك المنطقة
قال (أُخْبِرُكُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ ) هكذا لفظه هنا وفي السنة لابن أبي عاصم ( نحو المشرق)، والحديث في الصحيحين , صحيح البخاري ومسلم ولفظه ( يخرج في هذه الأمة) لم يذكر لا المشرق ولا المغرب ( يخرج في هذه الأمة قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)
وهذه صفة الخوارج يقرؤون القرآن : يعني عندهم عناية بقراءة القرآن لكن لا يفقهون القرآن ولا يفهمون معناه
معنى (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ )أي لا يفقهونه ليس في قلوبهم فهم ولا فقه ولا دراية بمعاني كتاب الله سبحانه وتعالى
قال (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)
فائدة أخير أنبه عليها قبل أن أختم هذا الدرس تتعلق بقصة ذي الخويصرة وهو مبدأ الخوارج ،والخوارج على سنته مثل ما قال بن تيمية رحمه الله: ( ولقد التزم هذا الخوارج من بعده )
هذا الآن كان بدايته حول ماذا ؟بدايته ( اعدل يامحمد ) بدايته حول  طمع في الدنيا , طمع في المال ، ولهذا الخوارج على هذه السنَّة يعني لما وجدوا أثرة مثلا واستئثار بالمال وقلة ذات يد عندهم ونحو ذلك، يخوضون ليس نصرة لدين الله وإنما طمع مثل ما حصل من هذا الرجل عندما قال: ( اعدل ) وهذا المعنى نبه عليه أهل العلم -رحمهم الله تعالى-  وإلا مواقف الصدق والإخلاص والنصح لدين الله لا تثمر ولا تنتج الأعمال التي يمارسها الخوارج في قديم الزمان وحديثه.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يُعيذ المسلمين وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح لهم شأنهم كله وأن يهدينا واياهم اليه صراطا مستقيما وأن يعيذنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ومن شر الشيطان وشركه ،نسأل الله عزوجل أن يثبتنا على الحق والهدى، اللهم انا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ، ونسألك من غير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب
اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.  اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا . اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آلهوصحبه .



 


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق