السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الثالث عشر

    بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الثالث عاشر
فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ



   

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، أما بعد :
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي -رحمه الله تعالى في كتابه السُّنن الكبرى:
فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ
قال :أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْيَحْيَى بْنِ حَكِيمِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ» فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَقَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عَشْرٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ سَبْعٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،أما بعد ،
هذه الترجمة :فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ، عقدها الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- لبيان في كم يقرأ القرآن أي ختماً، هل يختمه في كل أربعين أو في كل شهر أو في كل عشرين أو عشر أو سبع أو خمس أو ثلاث ؟ ، ما الأولى في ذلك ؟ في ضوء ما جاءت به السنَّة والهدي الكريم عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
وساق تحت هذه الترجمة -رحمه الله تعالى- روايات متعددة لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص، والذي يظهر من تعدُّد هذه الروايات-كما سيأتي ايضا بيان ذلك- تعدُّد القصة بتعدد المحاولة من عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- في أن يزيد له النبي صلَّى الله عليه وسلم القدر فيما يقرأه من كتاب الله عزوجلّ، فكان أقل ما حدّ له أسبوعاً ثم في محاولة أخرى خمسا ثم في محاولة أخرى ثلاثاً ثم قال عليه الصلاة والسلام (( لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فجعل ذلك الحد الأدنى وهذا كله سيتبين من خلال الروايات التي ساقها الإمام النسائي رحمه الله تعالى هنا مرتَّبةً.
أورد هذه الرواية عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال:
جَمَعْتُ الْقُرْآنَ:ومعنى جمعت القرآن أي حفظته عن ظهر قلب ، وكان هذا الحفظ عن ظهر قلب عند الصحابة ومن اتَّبعهم بإحسان هو حفظٌ مع فهم وعمل وبهذا يكون المرء من أهل القرآن- أهل هذا الكتاب العظيم- وقد مَّرت معنا قصة أشرت إليها ، وهي مجيء ذلك الرجل بابنه إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه وقال-: ( إن ابني هذا جمع القرآن ) قال أبو الدرداء (اللهم غفراً إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع)، فلما يُقال في عبدالله بن عمرو أو غيره (جمع القرآن) أي جمعه حفظا وفهما وعناية بالعمل والاتباع لهذا الكتاب العظيم
قال (جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ) أي أنه كان - رضي الله عنه- يختم القرآن ليلياً  كل ليلة ختمة .
(فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ): بِهِ:أي بالقرآن كاملا
(فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ): أنِّي كل ليلة أختم القرآن
(فَقَالَ لِي: اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ) :  يعني في كل شهر ختمة
(اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ):أي اختم القرآن في كل شهر مرة لا تزد على ذلك
فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ) وانظر هنا رعاك الله! المتعة في ما يطلبها -رضي الله عنه- وأن متعته يجدها مع كتاب الله، فهو يقرأ لهذا الكتاب العظيم ويجد متعته في هذه القراءة راحة قلبه وأُنس نفسه وقرَّة عينه وسعادته يجدها في هذا الكتاب العظيم ويريد أن يستغل قوته وشبابه في مزيد المتعة بهذا الكتاب .
قال (دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ): يعني زِد لي القدر والحظ حتى استمتع، يريد الزيادة ، والحال في الشباب في مثل هذا السن وفيما هو دونه يحاول أن يتفلت من النَّصيب إذا قُرر له مثلا نصف صفحة في اليوم يحفظها أو يراجعها يستثقل ذلك ويطلب أقل من ذلك ، لكن بن عمرو -رضي الله عنهما- يريد الزيادة لأن في الزيادة مُتعة له ويجد في ذلك حلاوة ولذة رضي الله عنه وأرضاه .
قال (دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ) : القوة والشباب نِعمة عظيمة؛ لكن كثير من الناس مغبون في قوته وشبابه ؛ إذ إنها تضيع هباء وتذهب سُدى إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى لإحسان الرعاية والعناية بهذه المرحلة -مرحلة القوة والشباب-وهي مرحلة خطيرة جدا في حياة المرء؛ ولهذا إذا وقف العبد أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يُسئل سؤالا عاما عن عمره كله ويُسئل سؤالا خاصَّا عن مرحلة شبابه : ((عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما أبلاه)) فالشباب يسئل عنه مع أنه داخل في العمر لخطورة هذه المرحلة ولهذا ايضا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: ((اغتنم خمسا قبل خمس)) وذكر في مقدمها: ((شبابك قبل هرمك))، فهي مرحلة خطيرة لكن كثير من الشباب يضيعها في الانفلات والضياع تذهب سُدى بينما انظر هذا الشاب الموفق -رضي الله عنه وأرضاه- يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: ( دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ)) يعني في كل عشرين يوم تختم ختمة
((قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَقَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عَشْرٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ سَبْعٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى)):أي منعه مما هو أزيد من ذلك، لكن كأن المحاولة تكررت فيما رجحه بعض أهل العلم من بن عمر وأن عبدالله بن عمر تكررت منه المحاولة أكثر من مرة ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رخَّص له في ان يختمه في خمس)) لأنه في هذه المرة طلب الزيادة قال (دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي) بأن يختم في خمس او في ثلاث فأبى عليه الصلاة والسلام؛ لكنه يظهر -والله أعلم- ان المحاولة تكررت منه وربما أيضا في مجلس آخر فرخَّص له النبي عليه الصلاة والسلام أن يختم القرآن في كل خمسة أيام وذلك ما سيأتي في الرواية التي تلي هذه الرواية.

قال :أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُجَالِدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِي كَمْ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ وعشرين» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خمس عشرة» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي عَشْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ» قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَمَا رَخَّصَ لِي))
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذه الرواية لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما - وفيها أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (فِي كَمْ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟)وهذا السؤال يستفاد منه أن ختم القرآن ينبغي أن تراعى فيه السنَّة والهدي المأثور عن النبي صلَّى الله عليه وسلم ولهذا حرص -رضي الله عنه- على هذا السؤال .

قال: (فِي كَمْ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟)يعني هل أختمه في الشهر مرة أو في الاسبوع مرة في كم أختم القرآن وأداوم على ذلك.
فقال له عليه الصلاة والسلام ((اخْتِمْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ وعشرين» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خمس عشرة» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي عَشْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ» قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَمَا رَخَّصَ لِي))
ما رخَّص له عليه الصلاة والسلام ان يزيد على ذلك مع أنه أخبر -رضي الله عنه- أنه يطيق أكثر من ذلك، لكن ثمة أمر ينبغي أن يراعى -وسيأتي التنبيه عليه في حديث النبي عليه الصلاة والسلام- أن كمية المقروء إذا زادت مع قلة عدد الأيام يضعُف التدبّر والتأمل في معاني القرآن ولهذا سياتي معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) لأن القراءة بتمهّل وتأن تعين المرء على حسن التدبر لكتاب الله وفهم معانيه ، بينما القراءة السريعة التي يحرص القارئ فيها على أن يختم السورة أو يختم القرآن فهذه لا تعينه على الوقوف على المعاني وحسن التدبر لكتاب الله تعالى ؛ ولهذا سيأتي معنا في الحديث ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) لأن القراءة السريعة لا تعين على تدبر القرآن وفهم معانيه كما ينبغي .

وهنا في هذه الرواية قال:  (اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ) فطلب الزيادة وقال (إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) فما رخَّص له عليه الصلاة والسلام .
لكن جاء أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام أذِن له ورخَّص له أن يقرأه في ثلاث وهذا يفيد -والله أعلم- أن بن عمرو -رضي الله عنه- تكررت منه المحاولة فيما رجَّحه أهل العلم، تكررت منه المحاولة إلى أن رخَّص له النبي عليه الصلاة والسلام أن يقرأ القرآن في ثلاث ولا يزيد على ذلك كما سيأتي في الرواية الثالثة .
قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا» وَقَالَ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ» فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ))


ثم أورد رحمه الله تعالى هذه الروايةوهي في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام :
«صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا» وَقَالَ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ» فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى)) -هنا في اختصار في الرواية- (حَتَّى قَالَ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ) فواضح من هذه الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام رخَّص له في سبع ولم يأذن له بأقل من ذلك ثم رخَّص له في خمس و ولم يأذن له بأقل من ذلك ثم رخَّص له في ثلاث وهو الحد الأدنى مما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ، بل سيأتي معنا في الحديث أنه قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)).

وختم القرآن في سبع -كل أسبوع - هو الأولى هو الأولى و النبي عليه الصلاة والسلام إنما رخص له بعد المحاولة في خمس ثم في ثلاث ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن سبعة أحزاب فيختمون في كل اسبوع مرَّة ، ومن أراد أن يختم في كل خمسة أيام مرَّة فله ذلك ومن أراد أن يختم في كل ثلاثة ايام مرَّة ايضا له ذلك ، هذا كله مما رخَّص به النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وظاهر هذه الروايات كما هو قدمت تعدد القصة بتعدد المحاولة من بن عمرو، وبعض أهل العلم قال إن القصة واحدة وليس هناك تعدُّد وإنما هذا من الرواة فحفظ بعضهم ما لم يحفظ الآخر، لكن يدفع ذلك أن في الروايات تصريح بأن النبي لم يرخِّص له عليه الصلاة والسلام فهذا يدفع أن ذلك في مجلس واحد لم يرخِّص له بأقل من ذلك ، لكن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن المحاولة من عبدالله بن عمرو تكررت لشدة حرصه وعظيم رغبته ورغبته الشديدة في أن يستمتع من قوته وشبابه رضي الله عنه إلى أن أذن له النبي عليه الصلاة والسلام في أن يقرأ القرآن في ثلاث .

قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ))
ثم أوردهذا الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ))
من ختم القرآن في أقل من ثلاث وهذا كما بين العلماء أنه إذا قرأه في أقل من ثلاث مثل أن يختمه في يوم أو يختمه في يومين فإن مثل هذه القراءة لا تُعين القارئ على فهم القرآن ومعانيه ودلالاته وهداياته كما ينبغي لأن القراءة السريعة لا تعين على التدبُّر والتأمل وقد قال الله تعالى ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَ‌كٌ﴾ [ص:29] ، قال تعالى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُ‌ونَالْقُرْ‌آنَ﴾ [محمَّد:24]، فالتدُّبر للقرآن لا يحصل بالقراءة السريعة ، وإنما يحصل بالقراءة المتأنية ولهذا لم يؤثر عن النبي عليه الصلاة والسلام -وهو القدوة لأمته عليه الصلاة والسلام- أنه كان يختم القرآن في يوم ، بل جاء في صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة))؛ولهذا بعض السلف كره أن يختم القرآن في يوم واحد، وجاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : (( من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز هذٌكهذِّ الشعر)) يعني مثل هذه القراءة لا يكون فيها تأمل وتدبر في معاني القرآن ودلالاته .
ومن العلماء من رخَّص في أقل من ثلاث ويرى أن ليس هناك حد وإنما الأمر يرجع إلى ما أوتي المرء من قوة أو نشاط لكن الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن الأولى والذي ينبغي أن يلتزم بهذا الهدي وهذا التوجيه الذي جاء عن النبي صلَّى الله عليه وسلم فيما وجَّه إليه هذا الشاب المبارك عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين.

أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ: «فِي أَرْبَعِينَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي شَهْرٍ» ثُمَّ قَالَ: «فِي عِشْرِينَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي خَمْسَ عَشْرَةَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي عَشْرٍ» ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ يَعْنِي مِنْ سَبْعٍ وَهْبٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو

قال : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ يَقْرَأَ فِي أَرْبَعِينَ، ثُمَّ فِي شَهْرٍ، ثُمَّ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي عَشْرٍ، ثُمَّ فِي سَبْعٍ» قَالَ: «انْتَهَى إِلَى سَبْعٍ))

ثم ختم رحمه الله تعالى هذه الترجمة بهذا الحديث أو بهذه الرواية عن عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ: «فِي أَرْبَعِينَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي شَهْرٍ» ثُمَّ قَالَ: «فِي عِشْرِينَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي خَمْسَ عَشْرَةَ» ثُمَّ قَالَ: «فِي عَشْرٍ» ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ يَعْنِي مِنْ سَبْعٍ )) لكن مرَّ معنا في الروايات الصحيحة الثابتة حديث أبي بُردة عن عبد الله بن عمرو وإسناده صحيح مرَّ معنا أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال : ((اختمه في خمس)) ومرَّ معنا أيضا عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو والحديث في صحيح البخاري أن النبي صلَّى الله عليه وسلم نزل معه إلى أن قال : ((اقرأ القرآن في ثلاث))،  فقوله في هذه الرواية: ((ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ يَعْنِي مِنْ سَبْعٍ)) هذا مخالف لما رواه جمع من قوله صلَّى الله عليه وسلم: ((اقرؤه في ثلاث)) وقوله ايضا في الرواية الأخرى: ((اختمه في خمس))، فمن اهل العلم من حكم على هذه الرواية بالشذوذ ومنهم من قال : هذا إرشاد إلى الأولى ، الأولى ألا ينزل عن سبع ليس قوله (لَمْ يَنْزِلْ يَعْنِي مِنْ سَبْعٍ ) للتحريم وإنما الأولى ألا ينزل ولهذا رخَّص له فيما بعد أن ينزل إلى خمس ورخَّص له أيضا فيما بعد أن ينزل إلى ثلاث .

وهذا الحديث رواه وهب بن منبِّه عن عبد الله بن عمرو وجاء عنه هذه الرواية من طريقين الأولى منها :أسقط من الإسناد عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، فرواه عن وهب بن منبِّه عن عبد الله بن عمرو وقد قال المصنف الإمام النسائي : (ووهب لم يسمع عبد الله بن عمرو بن العاص )، وجاءت الرواية الثانية مثبتا ذلك عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
قال رحمه الله تعالى :
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ
قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا وَإِنَّهُ قَالَ لِي: «كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا» فَقُلْتُ: يَا رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً قَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، فَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ نُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نُمِدُّكَ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْأَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ» ثُمَّ قَالَ: " أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ، وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ، وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا الَّذِينَ لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَرَجُلٌ إِذَا أَصْبَحَ أَصْبَحَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَرَجُلٌ لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا ذَهَبَ بِهِ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَاحِشُ، وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ)

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ الْأَثْرَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا» وَإِنَّهُ قَالَ لِي: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلُّهُمْ، وَإِنَّهُ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُغَيِّرُوا خَلْقِي، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَنِي فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانًا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا» قُلْتُ: إِذَا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، وَإِنَّ اللهَ قَالَ: «اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ سَنُغْزِكَ وَأَنْفِقْ نُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ))
ثم قال الإمام النسائي-رحمه الله تعالى- :قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ
أيأن للمرء أن يقرأ القرآن على كل أحواله-مثل ما تقدَّم معنا- راكباً وماشيا وأيضا يقرأه جالساًأو يقرأه وهو مضطجع على فراشه له ذلك كله أن يقرأ القرآن على كل أحواله إلا ماجاء فيه النهى مثل قراءة القرآن وهو جنب أو قراءة القرآن وهو في الخلاء او نحوذلك وإلا ما سوى ذلك فللمسلم أن يقرأ القرآن في كل أحواله،فهذه الترجمة عقدها الإمام النسائي-رحمه الله تعالى-وأورد هذا الحديث عياضالمُجاشعي-رضى الله عنه- وموضع الشاهدمن الحديث قول الله عز وجل في هذا الحديث القدسي(تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ) فهذا شاهد للترجمة أن المسلم له أن يقرأ القرآن في كل أحواله قائماأو قاعدا او مضطجعا او ماشيا او راكبا يقرأ القرآن علي كل أحواله.
هذا الحديث حديث عياضالمجاشعي حديث قدسي عظيم ، أن رسول الله صلَّي الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا وَإِنَّهُ قَالَ ) اي الله سبحانه و تعالي و هذا حديث قدسي
(قَالَ لِي: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ حَلَالٌ):كل مال نحلتهعبادي أي أعطيته عبادي فهو حلال، بمعني انه لا يجوز للعبد أن يحرم شيئا من المال هكذا من قبلنفسه مثل ما فعل أهل الجاهلية حرموا السائبة والوصيلة والبحيرة والحام ، أشياء حرموها هم من أنفسهم لم يحرمها الله، فإذنهذا الحديث يعطي قاعدة في المال أن كل مال أعطاه الله سبحانه و تعالي لعبد فهو حلال له فلا يحرُم من المال إلا ما حرَّمه الله ، والأصل فيه الحل والحديث يفيد ذلكلا يحرم من ذلك الا ماحرَّمه الله ، فالله عز وجل يقول:(كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ)
(وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ):أي أن كل من يولد يولد علي الحنيفيةعلي الفطرة كما في الحديث الآخر:((كل مولود يولد علي الفطرة))
وفي القرآن قال الله عزوجل :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَ‌تَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ‌ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30]
(خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ): خلقتهم كلهم على الحنيفية أي على الفطرة ،فطرة التوحيد، على الإسلام
(فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ) أي حرفتهم عن الفطرة؛ ولهذا الأصل في ولادة المولود أنه يولد على الفطرة حتى أبناء الكفار، ابناء اليهود، أبناء المشركين،كل مولود يولد على الفطرة ، ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل ترون فيها من جدعاء إلا أن تكونوا أنتم الذين تجدعونها))
قال: (وَحَرَّمَتْ ) أي الشياطين (عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ): قوله (وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ) هذا عائد إلى الكلام الأول، قال : (كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ) لكن الشياطين جاءت وحرَّمت عليهم أمور أحلّها الله لهم مثل ما حصل للمشركين في الجاهلية تحريم السائبة والحام والوصيلة والبحيرة وما إلى ذلك من أمور حرَّموها على أنفسهم ولم يحرمها الله سبحانه وتعالى، فجاءتهم الشياطين فحرَّمت عليهم ما أحلَّ الله لهم
وقوله (وَأَمَرَتْهُمْ )أي الشياطين (أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) هذا يتعلق بقوله (خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ)الحنيفية: الفطرة على التوحيد والبُعد عن الشرك لكن الشياطين جاءت وزيَّنت لهم الشرك وحرَّفتهم عن الفطرة فطرة التوحيد
(وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ): قوله (مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) هذا وصف لازم لكل شرك ، كل شرك هذا وصفه لم ينزل به تبارك وتعالى سلطانا ﴿ياصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْ‌بَابٌمُّتَفَرِّ‌قُونَ خَيْرٌ‌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‌ ﴿٣٩﴾ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾ [يوسف:39-40] فكل شركٍ هذا وصفه وهذه حاله أيّا كان نوعه وأيّا كانت صفته .
قال:(وَإِنَّ اللهَ –عزَّ وجلّ-نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ) أي قبل مبعث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام (فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)اي أن الجاهلية والضلال والظلام والشرك والكفر خيَّم على الأرض كلها وطبق الأرض كلها ولم يُصبح على الفطرة والسَّلامة والإسلام إلا قلة قليلة جدا بقايا من أهل الكتاب ، وإلا بقيَّة الناس في أنحاء الأرض كلهم على الكفر والشرك بالله ، فنظر إليهم أي قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام (فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)
وأنت إذا تأملت هذا الحديث وأن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم كلهم عجمهم وعربهم إلَّا بقايا، تدرك عظم النعمة وكبر المنَّة بمبعث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي أخرج الله سبحانه وتعالى به النَّاس من الظلمات إلى النور.
قال: (وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا )أي أن أهلكهم وهذا كناية عن القتل الذي سيكون والقتال الذي سيكون بينه وبين كفار قريش
(فَقُلْتُ: يَا رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوارَأْسِي )يَثْلَغُوا رَأْسِي أي يشدخوه،الثلغ:الشدخ
(إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً ) يعني لا طاقة لي بهم ولا قبل لي بهم ، إن تصديت لهم لا طاقة لي بهم يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ أو يذروه خبزة
قال (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ):
(لِأَبْتَلِيَكَ ) فالبعثة ابتلاء لمن يبعثه الله سبحانه وتعالى
(وَأَبْتَلِيَ بِكَ)أي الناسهل يقبلوا دعوتك او يردُّوها ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ...﴾ [النحل:36]، هذا حال الناس مع هذا الابتلاء ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾
(وَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا ) وهو القرآن الكريم
(لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ )أي يُنعم سبحانه وتعالى على من ينعم بهذه الأمة بحفظه في الصدور ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ﴾[العنكبوت:49]
قال: (كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) لو قدِّر أنه غُسل من المصاحف هو محفوظ في الصدور
(تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ )أي بسهولة ويسر إشارة إلى قول الله عزوجل ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْ‌نَاالْقُرْ‌آنَ لِلذِّكْرِ‌ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ‌﴾وهذا موضع الشاهد في هذا الحديث للترجمة : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ، يقرأ الإنسان في المنام يعني وهو مضطجع وفي اليقظة وهو جالس أو قائم أو ماشي أو راكب ،  يقرأ القرآن على كل أحواله
(فَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ)أي نعينك (اغْزُهُمْ) اي اغز هؤلاء الكفار ونمدك بالعون والتأييد والنصر
(وَأَنْفِقْ نُنْفِقْ عَلَيْكَ وَابْعَثْ جَيْشًا نُمِدُّكَ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِمْ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ )أي ممَّن قبل هذا الدين وقبل  هذه الدعوة (مَنْ عَصَاكَ) من الكفار والمشركين
ثم قال: (أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ، وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ)
(أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ)الأول (إِمَامٌ مُقْسِطٌ ) أي إمام قام في رعيته بالعدل والقسط
(وَرَجُلٌ رَحِيمٌ )أي في قلبه رحمة يتعامل مع الناس بهذه الرحمة التي قامت في قلبه
(رَقِيقُ الْقَلْبِ ) في قلبه خشية وخوف ، وقلبه رقيق
(رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ)
(رَقِيقُ الْقَلْبِ ) يعني فيه عطف، قلبه رقيق نحو الناس يعطف عليهم يعاملهم بقلبٍ رقيق، فرق بين من يعامل الناس وقلبه رقيق في معاملته لهم وبين من يعاملهم وقلبه فظ وشديد، وقد قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران:152] قال: (وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ) رجل منّ الله عليه بالخير والمال وعفيف متعفف عن ماحرمه الله عليه وما نهاه عنه وهو متصدق يبذل من هذا المال الذي آتاه الله .
قال (وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ ) الضعيف في فكره وعقله
(لَا زَبْرَ لَهُ) يعني ليس عنده عقل يزبره أي يمنعه ويحجزه عما نهاه الله عنه وما حرَّمه الله سبحانه وتعالى عليه
(الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا الَّذِينَ لَا يَبْتَغُونَ)وفي رواية ( لا يتَّبعون ) (أَهْلًا وَلَا مَالًا )
الثاني قال (وَرَجُلٌ إِذَا أَصْبَحَ أَصْبَحَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ ) رجل صاحب خداع ومكر وحيل كل ما أصبح هذه طريقته وديدنه -والعياذ بالله- مع الناس
(وَرَجُلٌ لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا ذَهَبَ بِهِ ): (لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ ) أي لا يظهر له طمع،
 يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته.
ف (رَجُلٌ لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ ) يعني لا يظهر له طمع في شيء من الأمور .
(وَإِنْ دَقَّ إِلَّا ذَهَبَ بِهِ ) يعني رجل يلهث وراء مطامعه كل ما بدا له طمع أيّا كان لا يفكِّر لا في حلال ولا في حرام كل ما ظهر له طمع ركب وراءه وإن كان أيّا كان هذا الطمع
(وَالشِّنْظِيرُالْفَاحِشُ )أي سيئ الخلق في تعاملاته يتعامل بالسوء الألفاظ القبيحة والكلمات النابية والتعاملات السيئة
قال: (وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ)في مسلم -والحديث مخرَّج في صحيح مسلم-((وذكر البخل أو الكذب)) وهو الأولى فبه تكون المذكورات خمس.
ثم أورد رحمه الله تعالى الحديث من طريق أخرى وهي بمثل هذه الرواية تختلف عنها في ألفاظ يسيرة
قال رحمه الله تعالى :اغْتِبَاطُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ قُرْآنًا فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ "
ثم قال -رحمه الله تعالى- :اغْتِبَاطُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ
أي ان من كان كذلك صاحب قرآن فهو في نعمة عظيمة ومنّة كبيرة يُغبط على ذلك لأنه في نعمة عظيمة جداً من أعظم النعم وأجلها أن يكون صاحبا لهذا الكتاب العظيم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ،فمن كان صاحب قرآن أي من أهل القرآن الذين هم أهل الله تبارك وتعالى وخاصته فإنه يُغبط على ذلك ،فهو في موضع يُغبط عليه ، موضع عظيم، نعمة عظيمة يغبط عليها
وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ))والمراد بالحسد هنا الغبطة ، والغبطة هي ان يتمنى المرء أن يكون له مثل ما للغير من خير دون تمنٍ لزواله عن الغير، مثل أن يرى شخص عنده مال وينفق ويتصدَّق يبني المساجد يساعد الأيتام يعين الأرامل إلى غير ذلك فيغبطه على ذلك، بمعنى أن يتمنَّى أن لو كان عنده مثل ماله وان يفعل مثل فعله، دون تمنٍ منه ان يزول ذلك عن ذلك الرجل ، فهذه غبطة وهي محمودة بل إن المرء في مثل هذا يؤجر إذا عظمت غبطته وصدق مع الله سبحانه وتعالى في ذلك يؤجر مثل أجر صاحب المال وهذا فضل الله سبحانه وتعالى.
قال: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ ) يتصدق بهذا المال وهذه الثمرة الحقيقية لوجود المال ينفق ، يقدم لنفسه وما نقصت صدقة من مال جاء بذلك الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بل تزده
(وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ قُرْآنًا ) صاحب قرآن (فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ)،وهذه ايضا ثمرة القران ، ثمرة المال ن ينفق وثمرة القرآن أن يقوم به صاحبه آناء الليل وآناء النهار.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهٌ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَيُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ)
ثم اورد حديث  أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأنه  قَالَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهٌ الْقُرْآنَ)فَهُوَ من أهل القرآن (فَهُوَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) معتني بهذا الكتاب يقرؤه في الليل ويقرؤه في النهار , في صلاة وفي غيرصلاة
(وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَيُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ) أي لايصرف هذا المال الا في الحق لا يصرفه إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى ،فهذان الرجلان يغبطان على ذلك ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ ) والمراد بالحسد هنا الغبطة
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ قَالَ: «قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسٌ لِي مَرْبُوطٌ وَيَحْيَى ابْنِي مُضْطَجِعٍ قَرِيبًا مِنِّي وَهُوَ غُلَامٌ فَجَالَتِ الْفَرَسُ جَوْلَةً، فَقُمْتُ لَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي يَحْيَى فَسَكَنَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَقُمْتُ لَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي، ثُمَّ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِي مِثْلِ الْمَصَابِيحِ مُقْبِلٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَالَنِي فَسَكَتَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ» فَقَالَ: اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى فَقُلْتُ: «قَدْ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَقُمْتُ لَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي» قَالَ: «اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى»، قُلْتُ لَهُ: قَدْ قَرَأْتُ يَا رَسُولَ اللهِ فَجَالَتِ الْفَرَسُ ولَيْسَ لِي هَمٌّ إِلَّا ابْنِي، قَالَ: " اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِيهَا مَصَابِيحُ فَهَالَتْنِي" فَقَالَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَوْا لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ))
ثم ختم -رحمه الله تعالى- هذه الترجمة بحديث أسيد بن حضير -رضي الله عنه- والحديث مرَّ معنا في فضل سورة البقرة وساقه -رحمه الله تعالى- هنا من طريقين الطريق الثانية عن شيخ النسائي محمد بن عبدالله بن عبد الحكم وهي التي تقدمت معنى في فضل سورة البقرة ، وايضا مضى شرح الحديث والكلام على معانيه هناك.
والشاهد من هذا الحديث للترجمة أن هذا الذي حصل لأسيد من كرامة عظيمة وهو يقرأ سورة البقرة فدنت منه الملائكة ونزلت السكينة ورأى -رضي الله عنه- كهيئة الظلة فيها مصابيح وأخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنها الملائكة دنوا لصوته -رضي الله عنه- وكان حسن الصوت بالقرآن، فهذا ولا شك مما يغبط عليه المرء العناية بالقرآن والصوت الحسن بالقرآن والمداومة على قراءة القرآن والعناية بقراءة القرآن ليلاً والمواظبة على ذلك هذا كله من الأمور التي يغبط عليها العبد ولأجل هذا المعنى اورد النسائي -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في هذه الترجمة .
سؤال في الحديث السابق : ما المراد ب ((وَرَجُلٌ إِذَا أَصْبَحَ أَصْبَحَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ)؟
الشيخ :مرَّ الكلام على هذه اللفظة ، أن من أهل النارمن كانت هذه صفته يعني رجل لا يؤتمن الجانب وإنما هو صاحب مخادعة من يصبح وهو في مكر ومخادعة للناس ومكر وغش وحيَل يخادع الناس عن اهله عن ماله لا يؤتمن ان كان جارا ، لا يؤتمن ان كان بائعا ، لا يؤتمن ان كان متعاملا معه ، يعني صفته المكر والخديعة من يصبح كل يوم وهذا تعامله مع الناس في مكر وفي خديعة وفي حيَل فذكر النبي عليه الصلاة والسلام من اهل النار الخمسة رجل هذه صفته .

ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما، وأن يصلح لنا أمرنا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وان يهدينا اليه صراطا مستقيما .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولذرياتنا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم آمنا في اوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين
اللهم جنبنا والمسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا . اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا  ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا .
 سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
 اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آلهوصحبه .
 


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق