السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس السابع



بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس السابع
فاتحة الكتاب
  


بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام  على عبده  ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول الإمام النسائي – رحمه الله تعالى- في كتابه فضائل القرآن من السنن الكبرى:
فاتحة الكتاب
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ))

 بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أما بعد :
هذه الترجمه وما بعدها من أبواب في فضائل السور. وراعى المصنِّف في ترتيب هذه الفضائل ترتيب السور حسب مجيئها في المصحف فيما أورده من فضائل – رحمه الله تعالى –لبعض سور القران. وبدأ – رحمه الله تعالى- هذه الفضائل بفاتحة الكتاب, وقدَّمها في ذكر فضائلها لأنها مقدمة كتاب الله ومفتتحه، بها يفتتح كتاب الله عز وجل ؛ولهذا تسمى الفاتحة-من أسمائها الفاتحة  لأنها يفتتح بها كتاب الله عز وجل-. وهي فاتحة للصلاة ، تأتي في أولها وفي مقدمتها. وشأن هذه السورةشأن عظيم جدا فهي أفضل سور القران وأعظمها على الإطلاق وقد جاء في فضائلها أحاديث كثيرة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ، أورد المصنف- رحمه الله تعالى- طرفاً منها في هذا الباب وما بعده.


أورد حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) :هذا من الدلائل على عظم شأن هذه السورة وتميزها عن غيرها من سور القران. فهي ركن من أركان الصلاة، بل ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة ، فالرباعية تقرأ فيها الفاتحة أربع مرات، والثلاثية تقرأ فيها ثلاث مرات، والثنائية تقرأ فيها مرتان.  وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) دليل على أنها ركن من أركان الصلاة . بل سمَّاها الله تعالى في الحديث القدسي الآتي معنا صلاة -حديث أبي هريرة رضي الله عنه- يقول  الله عزوجل : ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ،فسمَّاها صلاة ؛ لأنها ركن الصلاة الأعظم،فهي أعظم أركان الصلاة .

وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) دليل على أنها ركن من أركان الصلاة في حق الإمام وفي حق المنفرد. أما المأموم فإنها في حقه واجبة ولهذا يُعفى عنه إذا نسيها أو جَهِل ، وكذلك يُعفى عنه إذا أدرك الإمام راكعا أو عند الركوع تسقط عنه الفاتحة، ولو كانت ركنا في حقه  لما سقطت، لكنها في حق المأموم واجبة من واجبات صلاته .
ومما استُدِل بهذا الحديث عليه :أن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة لعموم قول النبي صلَّى الله عليه وسلم (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
الحاصل:  أن هذا  الحديث من الدلائل على فضل هذه السورة وعظم شأنها ورفيع مكانتها في الصلاة وأنها من أركان الصلاة العظيمة بل أنها ركنٌ في كل ركعة من كل صلاة .

قال – رحمه الله تعالى-:فَضْلُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى -رضي الله عنه- قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟» قُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: " أَلَمْ يَقِلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]؟ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟» فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ، فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ
قال  -رحمه الله تعالى-:فضل الفاتحة
والقاعدة عند العلماء -رحمهم الله تعالى- أن المُفرد إذا أضيف فإنه يعُم . فقوله :فضل الفاتحه: أي فضائل الفاتحة؛ لأنها ليست فضيله واحدة ، حتى ما ساقه – رحمه الله تعالى- في هذه الترجمة هي جملة فضائل وليست فضيلةً واحدة.
قوله فضلفاتحة الكتاب: أي فضائل فاتحة الكتاب .
 والفاتحة لها فضائل كثيرة جدا جاءت في الأحاديث الصحاح الثابته عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، منها هذا الحديث حديث أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه.
قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني: دعاه عليه الصلاة والسلام وهو يصلي. رآه يُصلي فدعاه
قال: فدعاني، فلم آته حتى صليت: يعني أكملت صلاتي ثم لبيت ندائه
فَقَالَ لِي: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟قال: كنت أصلي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله عز وجل (يا يها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم: والآية نص في وجوب إجابة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن إجابة دعائه حياة للقلوب بل لا حياة للقلوب إلا في الإستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. وحظ العبد من الحياة الحقيقية بحسب حظه من الإستجابة لله تبارك وتعالى ولرسوله صلَّى الله عليه وسلم.

وهذا الصحابي لما دعاه النبي صلَّى الله عليه وسلم ظن أنه ليس له أن يقطع صلاته ، ولهذا أتمَّها وأكملها ثم أتى النبي صلَّى الله عليه وسلم ، لكنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلم قال له : ((ما منعك أن تأتيني؟)). قال: كنت أصلي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( ألم يقل الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: فالآية دليل على وجوب إجابة دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام  حتى وإن كان المرء في صلاةٍ ، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام وجوب إجابة دعوته وتلبية ندائه حتى وإن كان المرء في صلاة ولهذا الإمام بن كثير –رحمه الله تعالى- في كتابه الفصول في سيرة الرسول صلَّى الله عليه وسلم لما أفرد فصلا في آخر الكتاب في خصائص النبي عليه الصلاة والسلام أورد من جملة الخصائص هذا الحديث، وذكر حديث أبي سعيد بن المُعلَّى وأن الواجب على المرء إذا دعاه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجيب دعوته ؛لأن الله ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ .
 وانتبهوا معاشر الأخوة إلى أمر مهم أنبِّه عليه: إذا كانت دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم واجبة الإستجابة حتى وإن كان المرء في صلاة ،وأورد النبي صلَّى الله عليه وسلم في هذا المقام قول الله تعالى:﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ فكيف يكون الشأن بمن تأتيه دعوة الرسول صلَّى الله عليه وسلم إلى الصلاة وهو منشغل بأمور دنياه فلا يُلبي النداء!انظروا مصيبة كثير من الناس إذا كانت دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم واجبة الإستجابة حتى لو كان المرء في صلاة أن يقطع صلاته ويجيب دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم. فكيف إذا كان المرء في مصالح دنيوية أو مشاغل ثم تأتيه الدعوة إلى الصلاة فلا يجيب النداء؟. يقال له: ((حي على الصلاة، حي على الفلاح)). والنبي صلَّى الله عليه وسلم يقول: (( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) إذن ما حظ هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة والنداء يتكرر على مسامعهم : ((حي على الصلاة، حي على الفلاح))ولا يجيبون الصلاة ؟؟. أين حظهم من الحياة التي جاءت في قوله تعالى :﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾.

ثم قال النبي صلَّى الله عليه وسلم لأبي سعيد بن المعلى-رضي الله عنه- :((ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟))انظر إلى هذا الأسلوب من التشويق! ما أجمله! شوَّقه شوقا عظيما إلى أن يُعرفه ويُعلمه بالسورة التي هي أعظم سورة في القران
قبل أن أخرج من المسجد: وقّت وقتا لهذا الإعلام وهذا التعريف بأن يكون قبل خروجه عليه الصلاة والسلام من المسجد ،ولا شك أن أبا سعيد بقي في أشد الشوق والرغبة والحرص على هذه المعرفة.
فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته: هذا دليل على أن قلبه كان قد امتلأ حرصا وشوقا إلى معرفة هذه السورة التيهي أعظم سورة في القران.
وقول النبي صلَّى الله عليه وسلم في هذا الحديث :ألا أعلمك أعظم سورة في القران: دليل واضح على تفاضلسور القران وآياته ، وأن بعضها أفضل من بعض، لا بإعتبار من تكلم بها فهي كلها كلام الله، لكن بإعتبار المعاني التي اشتملتعليها تلك الآيات ، وباعتبار الألفاظ التي حملت تلك المعاني. فالقران آياته وسوره متفاضلة وهذا الحديث نصٌ على أن الفاتحه هي أعظم وأفضل سورة في القران . وجاء في الحديث الاخر أن آية الكرسي هي أفضل آية في القران، وجاءت أحاديث أخرى سيأتي بعضها في تفضيل بعض سور القرآن. فهذا من الدلائل بأن سور القران وآياته متفاضله باعتبارالألفاظ،وباعتبار المعاني التي اشتملت عليها تلك الألفاظ.
وكما قال بعض أهل العلم: ((كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره)): يعني عندما تأتيك الآيات وفيها كلام الله عن أسمائه وصفاته وعظمته وجلاله وكماله وكبريائه هذه أفضل من الآيات التي فيها كلام عن غيره .ولهذا ليست:﴿قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ﴾في الفضل مثل: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، كل القرآن فاضل وكله عظيم الشأن لكن سوره وآياته متفاضله، بعضها أفضل من بعض.
 وانظر في هذا المقام إلى فقه الصحابة عندما قال النبي صلَّى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب رضي الله عنه: (( يا أبا المنذر , أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: يا أبيّ أي آية معك من كتاب الله أعظم؟،قلت: آية الكرسي)) ،  هذا منفقه الصحابه لأنه لما استشعر أن النبي صلَّى الله عليه وسلم أذن له في أن يجتهد في معرفة الآية الأعظم في كتاب الله -عز وجل -ذكر هذه الآيه التي أخلصت لبيان أعظم شيء في القران وهو توحيد الله.
 فإن آية الكرسي فيها خمسة أسماء حسنى، وأكثر من عشرين صفة لله -عز وجل-وفيها وأكثر من عشرة براهين على وجوب توحيده وإخلاص الدين لله. وهذه المعاني من التوحيد لا توجد مجتمعة في آية أخرى من القران مثل آية الكرسي، نعم توجد متفرقة في آيات كثيرة، لكن لم تأت مجتمعة  مثلما أتت في هذه الآية العظيمةآية الكرسي .

فلما دعاه النبي صلَّى الله عليه وسلم للإجتهاد وأذن له استشعر ذلك، ذكر هذه الاية لأنها أعظم آية أخلصت لبيان توحيد الله سبحانه وتعالى . لم يتَّجه ذهنه لآيات الأحكام أو آيات الآداب أو آيات القصص أو غير ذلك وإنما اتجه ذهنه إلى آيات التوحيد لأن التوحيد أعظم شيء في القرآن ، ثم ذكر أجمع آية في بيان التوحيد وتقريره وهي آية الكرسي ولهذا لمَّا قال رضي الله عنه  اية الكرسي ﴿الله لا اله إلا هو الحي القيوم﴾
ضرب النبي صلَّى الله عليه وسلم بيده على صدره وقال : ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) . هنيئا لك هذا العلم ، وهذا الفقه العظيم الذي منّ الله سبحانه وتعالى عليك به.
قال في هذا الحديث: ((فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ، فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُه)):هنا اجتمعت عدة فضائل لسورة الفاتحه:
الأولى: أنها أعظم سورة في القرآن فهي أفضل سور القرآن وأعظمها على الإطلاق
الثانية: في قوله صلَّى الله عليه وسلم ((هي السبع المثاني)): السبع باعتبارأن  عدد آياتها سبع آيات والمثاني باعتبار أنها تثنَّى في كل صلاة بل في كل ركعة من كل صلاة. وهذه فضيلة وخاصِّيه لهذه السورة العظيمة
وقوله ((والقران العظيم الذي أوتيته)) هذه أيضا صفة لسورة الفاتحة دالة على عظيم فضلها وهي من تسمية البعض باسم الكل . القران العظيم هذا اسم للقرآن كله لكن النبي صلَّى الله عليه وسلم جعله وصفاً لهذه السورة الفاتحة ، قال العلماء: وصفت الفاتحة بأنها القرآن العظيم لأنها جمعتإجمالا  وحوت إجمالا ما حواه القرآن تفصيلا. فكل ما جاء في القران مفصلا جاء في الفاتحة على وجه الإجمال. وقد جاء في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((أم القران هي السبع المثاني والقران العظيم)). ونحو هذا الحديث في الدلالة على فضيلة سورة الفاتحة .
وأيضا جاء بلفظ مقارب من حديث سعيد بن أبي المعلى وبقصة مقاربة للقصة عند الترمذي في جامعه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه عن الصحابة أجمعين

قال :أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَعْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه  قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ فَنَزَلَ وَنَزَلَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُ بِأَفْضَلِ الْقُرْآنِ» قَالَ: فَتَلَا عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
ثم أورد رحمه الله تعالى هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي مَسِيرٍ لَهُ فَنَزَلَ وَنَزَلَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُ بِأَفْضَلِ الْقُرْآنِ» قَالَ: فَتَلَا عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)): هذا الحديث حديث صحيح ويشهد له أيضا حديث أبي سعيد بن المعلى المتقدم وحديث أبيّ الذي أشرت إليه وهو في جامع الترمذي .
وهنا إنتبه إلى فائدة نستفيدها من خلال حديث أبيّ عند الترمذي وحديث أبي سعيد بن المُعلَّى وهذا الحديث حديث أنس بن مالك : أن هذا المعنى تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة: (( ألا أخبرك بأعظم سورة في القران)) وهنا ملحظ لا بد أن نستفيده  من في هذا السياق: أن هذا البيان لفضل هذه السورة وعظيم مكانتها والتشويق إليها وبيان عظيم منزلتها ينبغي أن يشاع بين المسلمين وأن يذكر في مناسبات ومناسبات ((ألا أخبرك بأعظم سورة في القران؟)) ،((ألا أخبرك بأعظم القران؟)) هذا تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة.في حديث سعيد بن أبي المعلى قال (( ألا أخبرك بأعظم سورة في القران قبل أن أخرج من المسجد؟))، وهذا الرجل في المسير قال له النبي صلَّى الله عليه وسلم (( ألا أخبرك بأفضل القران؟))، وأيضا بنحو ذلك جاء في حديث  أبيّ بن كعب ،  فيستفاد من ذلك أهمية البيان لذلك الأمر والتكرار له في غيرما مناسبة حتى يعرف المسلمون قدر هذه السورة العظيمة ويعرفوا مكانتها الجليله فيعطوها حقها ويؤدوا حقها عنايةبها قراءة  وتدبراً للمعاني وعملا بهدايات هذه السورة العظيمة المباركة. ومن ينظر إلى واقع كثير من الناس يجد تفريطا في هذه الجوانب الثلاثة.
من الناس من لا يزال مع حتى كبر سنه لا يُحسِن قراءة الفاتحة ،وربما بعضهم  يلحن فيها لحنا يغير المعنى وكيف رضي لنفسه أن يمضي حياته هكذا ، في كل مرة يقف بين يدي ربه-سبحانه وتعالى - في اليوم والليلة فرضا سبعة عشر مرة ويلحن في هذه السورة لحناً يغيِّر معناها أو يحيل المعنى. وتجد أيضا في كثير من الناس ضعف في جانب تدبر هذه السورة وإذا كان الله تعالى قال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ فكيف الشأن بأعظم سورة في القران!ينبغي أن يكون لها حظ عظيم من التدبر والتفقه في معانيها ودلالاتها.

وكذلك التفريط في العمل . وأعظم ما دلَّت عليه الفاتحه:التوحيد ﴿إياك نعبد﴾ . تجد كثير من الناس يقرأ الفاتحة لكنه يفرط في العمل بل يأتي بما هو نقيض مقصود هذه السورة.
 والله إن في الناس من يقرأ في اليوم والليلة الفاتحة مرات كثيرة ثم يمد يديه في الدعاء فيقول: مدد يا فلان، يا فلان أغثني، أنا عائذ بك يا فلان، أين هذا من الفاتحة؟ والله إنه في واد بعيد عن القران وعن الفاتحة وعن هدايات القران، في واد سحيق أين هو من الفاتحه ؟ أين هو  من﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إن كان يمد يديه مستغيثا بغير الله من الأولياء أو غيرهم- نسأل الله العافية- ولهذا هدايات السورة ينبغي أن يُعتنى بها عناية عظيمة جدا وأعظم ذلك توحيد الله وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى.

قال:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ هِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ» فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ، فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]يَقُولُ اللهُ: «حَمِدَنِي عَبْدِي» يَقُولُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] يَقُولُ اللهُ: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي» يَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَقُولُ اللهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ{ [الفاتحة: 7] فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ((
خَالَفَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قال أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ» قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: يَا فَارِسِيُّ، اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ اللهُ: «حَمِدَنِي عَبْدِي» فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] قَالَاللهُ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ: }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ اللهُ: «مَجَّدَنِي عَبْدِي» أَوْ قَال: «فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي» فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: «هَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ »((
قَالَ سُفْيَانُ: دَخَلْتُ عَلَى الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي بِهِ
ثم أورد – رحمه الله تعالى-الحديث العظيم، الحديث القدسي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بيان فضل هذه السورة, سورة الفاتحه وعظيم شأنها
قال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ))وهذا من أسماء سورة الفاتحة،  والفاتحة لها أسماء كثيرة وكثرة الأسماء من دلائل كثرة الصفات ؛ لأن هذه أسماء دالَّة على صفات ليست أسماء محضة أو أعلاما محضة وإنما هي أسماء دالة على صفات لهذه السورة فمن أسمائها: أم القران وقيل أنها سمِّيت بهذا الاسم لأنها حوت إجمالا ما حواه القران تفصيلا. فهي  أجملت والقران فصَّل.

قال: ((...فهي خداج، هي خداج، هي خداج غير تمام))وهذا فيه عظم مكانة السورة في الصلاة وأن من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فصلاته غير تمام ،فصلاته ناقصة. ومعنى خداج: أي ناقصة غير تامة .
 وأعاد عليه الصلاة والسلام الكلمة ثلاث مرات ((هي خداج)) تأكيدا على هذا الأمر واهتماما به صلاة الله وسلامه وبركاته عليه .
قال: فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ، فِي نَفْسِكَ). أبو السائب مولى هشام بن زهرة يقول قلت لأبي هريرة: إني أحيانا أكون وراء الإمام . يعني ألا أكتفي بقراءة الإمام.؟ قال فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيّ، فِي نَفْسِكَ)
وهذا يفيد أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم يقرأ في سكتات الإمام، وإن كان ليس للإمام سكتات يقرأها وقت قراءة الإمام للسورة التي يقرأها بعد الفاتحة. فالمأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة من كل صلاة. تسقط عنه إذا أدرك الإمام وهو راكع أو أدركه عند الركوع لأنه فات محلها تسقط عنه حينئذ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه.
قال: (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي)
 المراد بالصلاة هنا: الفاتحة وسمَّى الفاتحة صلاة لأنها أعظم أركان الصلاة ، وهذا من الدلائل على فضل هذه السورة العظيمة. وهذا الحديث القدسي قال عنه الإمام المجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى- :أنه من أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة، فهم معاني سورة الفاتحة، وهو من أعظم ما يعينك على تدبر هذه السورة العظيمة. حديث عظيم بدأه الله سبحانه بقوله:قسمت الصلاة:أي الفاتحة
بيني, وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي: الفاتحة مقسومة بالنصف، كم عدد آيات الفاتحة؟ سبع آيات، معنى ذلك أن ثلاث ايات ونصف للرب وهي أولها، وثلاث ايات ونصف للعبد وهي آخرها. فمن أول السورة﴿الحمد لله رب العالمين﴾ إلى قوله: ﴿إياك نعبد﴾ هذا للرب سبحانه وتعالى .ومن قوله: ﴿..وإياك نستعين﴾ إلى تمام السورة، هذا للعبد.

فأولها للرب ، نصفها الأول للرب ، ثناء وتمجيد وتعظيم واخرها للعبد ،إفتقاروسؤال وتذلل وطلب من الله سبحانه وتعالى . فأولها للرب وآخرها للعبد.
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوها!))
 في الرواية الأخرى(قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال العبد : الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال العبد: مالك يوم الدين، قال الله: فوّض إلي عبدي))،وفي رواية: ((مجدني عبدي)). أي أوسع في الثناء والتعظيم على الله سبحانه وتعالى.
فإذن هذا الجزء الأول من السورة :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)﴾هذا  كله ثناء وحمد وتمجيد وتعظيم لله سبحانه وتعالى.
فإذا قال العبد :{ إياك نعبد وإياك نستعين} هذه الاية مقسومة أولها للرب واخرها للعبد
ولهذا قال:فإذا قال:{إياك نعبد وإياك نستعين}  قال : هذا بيني وبين عبدي:{إياك نعبد} هذا للرب، { وإياك نستعين}للعبد يطلب المعونة من الرب سبحانه وتعالى.
{إياك نعبد}هذه غاية {وإياك نستعين}هذه وسيلة  ولا يمكن أن تتحقق الغاية إلا بهذه الوسيلة، أن يعينك الله على عبادته، لهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))
وإذا قال :اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}, قال: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل.)  هذا سؤال وطلب، العبد يطلب ربه سبحانه وتعالى أن يهديه الصراط المستقيم. ثم ذكر أهله {الذين أنعمت عليهم } وذكرهم اللهسبحانه وتعالى  في الايات الأخرى﴿مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ .
الحاصل أن هذا الحديث القدسي العظيم من أعون ما يكون وأنفع ما يكون لتدبر هذه السورة والتفقه في معانيها ودلالاتها. وأهل العلم كتبوا في بيان معاني هذه السورة وهداياتها كتابات واسعة وكثيرة جدا وذكروا أيضا الفوائد المستنبطة من هذه السورة العظيمة والدروس المستفادة منها.
وابن القيم–رحمه الله- في كتابه مدارج السالكين ذكر لطائف ونفائس وفرائد جميله جدا فيما يستنبط ويستفاد من هذه السورة وما تنتظمه من هدايات عظيمة مباركة.
 وأيضا ذكر العلماء أن الدروس المستفادة والفقه المستفاد من هذه السورة كثيرة جدا ، حتى قال الإمام المجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن بعض المسائل المستنبطة من هذه السورة، قال رحمة الله عليه : (آيات الفاتحة كل ايه منها لو يعلمها الإنسان صار فقيها):لو يعلمها الإنسان كما ينبغي , يعطيها حقها من التدبر والفهم والمعاني المستفادة منها لو يعلمها الإنسان صار فقيها ( وكل اية أفرد معناها بالتصانيف) إشارة منه  - رحمه الله تعالى- لكثرة المسائل والفوائد المستنبطة من هذه السورة العظيمة.

الإمام النسائي – رحمه الله تعالى- لما ذكر الإسناد الأول لهذا الحديث: عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: ( ثمساق الحديث... ) ، قال خالفه سفيان بن عيينة أي خالف مالك أي لم يتفق معه في الإسناد .
فمالك كما تقدَّم رواه عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة، وسفيان رواه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا وجه المخالفة الذي أشار إليه النسائي – رحمه الله تعالى-.
سؤال: أحسن الله إليك، عدد آيات الفاتحة سبعا، فهل يستفاد من هذا الحديث أن البسملة ليست من اياتها؟؟
جواب الشيخ: نعم. يستفاد من الحديث هذا المعنى. وهل البسملة آية من ايات الفاتحة السبع أو أنها اية مستقلة تصدَّر بها كل سورة من سور القران؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، لكن هذا الحديث يفيد أن آيات الفاتحة السبع تبدأ من: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾
 قال: ((قسمت الصلاة بيني ،وبين عبدي نصفين)) المراد بالصلاة هنا الفاتحة، قال: فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، ما قال: (فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم)
سؤال: الرواية الأولى كأن فيها سقط ،لأنه يقول : يقول العبد مالك يوم الدين، يقول الله – تعالى -: ((مجدني عبدي وهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)).؟؟
جواب الشيخ: وهذه الآية:﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾
السائل:الحديث تقدَّم بالإسناد والمتن بزيادة ((يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، فيقول الله: هذه بينيوبين عبدي ولعبدي ما سأل)).
الشيخ: هذه الزيادة لا بد منها ولا يستقيم المعنى إلا بها.
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (( بَيْنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتًا نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ» فَقَالَ: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَسَلَّمَ» وَقَالَ: " أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ تُقْرَأْ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ "
ثم ختم – رحمه الله تعالى- هذه الترجمة بهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتًا نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِسمع صوتا نقيضا من فوقه:  أي من جهة السماء، وقيل : النقيض صوت الباب عندما يفتح ،فجبريل عليه السلام سمع صوتا من جهة السماء
فَقَالَ:هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ: باب من أبواب السماء يفتح لأول مرة وهذا يدل على أمر عظيم جدا فتح لأجله هذا الباب.
قال: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ،فَقَالَ: – أي جبريل هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ:  باب من أبواب السماء يفتح لأول مرة وملك من الملائكة ينزل إلى الأرض لأول مرَّة يحمل أمرا عظيما وبشارة كُبرى لمحمد عليه الصلاة والسلام وأمته تبع له، جاء يحمل بشارة.
 قال: فسلَّم:أي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جبريل
وَقَالَ:أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: جاء يحمل بشارة أما النزول بالوحي فهو من خصائص جبريل عليه السلام ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾هو الذي نزل بالفاتحة وبغيرها من سور القران .
لكن هذا الملك جاء يحمل البشارة العظيمة لمحمد صلَّى الله عليه وسلم ولأمَّته ببيان الفضيلة الكبرى العظمى لهذه السورة سورة الفاتحة .
قال: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: فاتحة الكتاب وهي السورة العظيمة التي أعظم سور القران ، والمشتملة  إجمالا لما اشتمل عليه القران تفصيلا ، والمشتملة على المعاني العظيمة والدروس البليغة والعبر العديدة التي انتظمتها هذه السورة المباركة. ووصفهاهذا الملك بأنها نور قال: بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، مع أن الوحي كله وصف بأنه نور في قول الله عز وجل :﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا  مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾، ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾.فالنور وصف للقران كله فقول الملك: أبشر بنورين . هذا يدل على مزيد اختصاص لفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة بالنور والضياء .

(بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ) وهذا فيه شرف هذا النبي عليه الصلاة والسلام وفضيلته العظيمة صلوات الله وسلامه عليه بهذه السورة وبخواتيم سورة البقره
أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ تُقْرَأْ:  وفي بعض الأصول -وهو أولى-: ((لن تقرأ بحرف منهما))
إلا أعطيته: وهذا نظير ما تقدم ((ولعبدي ما سأل)) وهذا فيه عظيم الأجر والثواب في قراءة سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة،وكل من السورتين فيهما من التمجيد والإيمان وأصول العقائد وفيهما الدعاء والسؤال والطلب. أما فاتحة الكتاب فأولها تمجيد وثناء وذكر لأصول التوحيد والإعتقاد ، وآخرها دعاء وطلب. وأما خواتيم سورة البقرة فهما آيتان الأولى منهما في الإيمان والتوحيد وأصول الإعتقاد ، والثانية دعاء وطلب وسؤال وتوجُّه لله تبارك وتعالى وهي دعوات مستجابات.
ما جاء من دعاء في سورة الفاتحة مستجاب لأن الله قال :((ولعبدي ما سأل)) وما جاء من دعاء في خواتيم سورة البقرة أيضا مستجاب لأن الله تعالى قال : ((قد فعلت))، فهي دعوات مستجابات.
الحاصل أن هذا الحديث حديث ابن عباس رضي الله عنهما من الدلائل على فضل هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة.

ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا وأن يزيدنا علما، وأن يُصلح لنا أمرنا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم إنا نسألك موجباتِ رحمتك وعزائم مغفرتك، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ،ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب. اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه عاجله واجله ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك ورسولك محمد صلَّى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك ورسولك محمد صلَّى الله عليه وسلم وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا .
 اللهم اعنَّا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكُر لنا ولا تمكُر علينا واهدنا ويسر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا . اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين إليك أواهين منيبين لك مخبتين لك مطيعين.
اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجَّتنا واهد قلوبنا وسدد ألسنتنا واسلل سَخيمة صدورنا .
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وأصلح لنا اخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت لنا راحة من كل شر . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنَّتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا .
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منَّا واجعل ثأرنا على من ظلمناوانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله وصحبه .


 

(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق