السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس السادس

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس السادس
السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا كَذَا




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد ،
يقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي -رحمه الله تعالي- في كتابة فضائل القرءان من سننه الكبري تحت قوله : السورة التي يذكر فيها كذا

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه: ((مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأوضعْتموها فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَتُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ» فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا بِسَطْرِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلي الله وسلم عليه وعلي آلة وأصحابه أجمعين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علما وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين أما بعد :-
قال الإمام النسائي -رحمه الله تعالي- :
باب السورة التي يذكر فيها كذا السورة التي يُذكر فيها كذا : هذا الباب ذكره -رحمه الله تعالي- عقب الباب الذي قبله وهو باب سورة كذا سورة كذا،  سورة البقرة ، سورة النساء ، سورة آل عمران ، سورة المائدة،  إلي آخره....، وهذا الإطلاق أوهذه الإضافة صحيحة، جاءت بها السنَّة الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه  وسلم أن  يقال سورة البقرة سورة المائدة سورة النساء ، وجاء في ذلك أحاديث عديدة ساق المصنف بعضها منها الحديث المتقدم : ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة)) لم يقل السورة التي تذكر فيها البقرة .

الحاصل أن هذا الاطلاق صحيح وجاءت به السنة الثابته عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، وقد روي عن بعض السلف كراهيه ذلك- أن يُقال سورة البقرة ، سورة النساء-  والبعض استند في ذلك علي حديث يروي عن النبي صلَّي الله عليه وسلم لكنه غير ثابت ((لا تقولوا سورة البقرة ولا تقولوا سورة آل عمران ولا تقولوا سورة النساء ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة، السورة التي تذكر فيها آل عمران ، السورة التي تذكر فيها النساء))،  لكن الحديث غير ثابت عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والاطلاق صحيح ، أن يُقال سورة البقرة سورة النساء إلي آخره ، وجاء في ذلك كما قدمت أحاديث كثيرة عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .

أورد رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال :قلت لعثمان  بن عفان ما حملكم أن عمدتم إلي الأنفال وهي من المثاني وإلي براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم: أي الذي يُكتب بين كل سورتين ، أو في مُفتتح كل سورة ، ومعلوم أن البسملة مثبتة في مفتتح  كل سورة من سور القرءان عدا سورة براءة ،  فإنها لم تُفتتح بالبسملة ،  فسأل -كما في هذه الرواية -ابن عباس عثمان بن عفان رضي الله عنهم :
ما حملكم علي أن عمدتم إلي الأنفال وهي من المثاني:  الانفال من المثاني ويراد بالمثاني ما وَلي المئين، ويراد بالمئين ما جاوزت آياته المائه آيه ،وكما هو معلوم  آيات براءة مائه وتسع وعشرين آيه فبراءة من المئين ،والأنفال آياتها خمس وسبعين آيه فهي من المثاني ، المثاني ما يلي المئين يعني ما قلّت آياته عن المائة -ما كانت آياته دون المائة آيه - فسأل ابن عباس عثمان وهو كما تقدم معنا  من قام علي جمع القرآن رضي الله عنه وأرضاه  في خلافته.

فسأله ما الذي حملكم علي ذلك أن عمدتم إلي الأنفال وهي من المثاني وإلي براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال :
السبع الطوال هي سبع سور، وصْفها -كما جاء هنا -طوال وجاء الترتيب في المصحف ذكر الطوال أولا ثم المئين ثم المثاني ثم يأتي من بعد ذلك المفصَّل ، فالسبع الطوال ذُكر فيها -أو في آخرها - لأن السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ، ثم بعد ذلك اختلف في السابعة من السبع الطوال،  فقيل هي براءة ، وقيل هي يونس ، وقيل هي الأنفال وبراءة معا ممن اعتبرهما سورة واحدة.

 فيسأله عن ذلك فيقول : وضعتموها في السبع الطوال وضعتموها في السبع الطوال فما حملكم علي ذلك ؟ قال عثمان إن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه شيء إي من القرآن يدعو بعض من يكتب عنده أي كُتَّاب الوحي،  ومرَّ معنا باب عند المصنف بذلك قال: كاتب الوحي وذكر زيد بن ثابت ، وكتابة الوحي قام بها وشرُف بها غير واحد من أصحاب النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه منهم الخلفاء الأربعة ، وكذلك معاوية خال المؤمنين رضي الله عنه ، وأبيّ بن كعب، فكان يأتي ببعض ممن يكتب عنده فيقول ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا -هذا موضع الشاهد  للترجمة- يعني يذكر فيها البقرة، يذكر فيها النسا ، تذكر فيها المائدة وتنزل عليه الآيات فيقول ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا .

قال وكانت الأنفال من أوائل ما نزل: ومراده رضي الله عنه  بقوله: من أوائل ما نزل أي  بالمدينة؛ لأن الأنفال صح أنها نزلت في السنة الثانية من الهجرة نزلت في غزوة بدر، وبدر في السنة الثانية من الهجرة
قال: وكانت الأنفال من أوائل ما نزل أي في المدينة وبراءة من آخر القرآن :  من آخر القرآن  نزولا ، وآخر سور القرآن نزولا سورة براءة
وكانت قصتها شبيها بقصتها: يعني ما جاء في مضمون سورة الأنفال شبيها بما جاء في مضمون سورة براءة
وقبض رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها: أي أن براءة من الأنفال

ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم اكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم : قوله في هذة الرواية قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها : هذا فيه إشكال،  ومع الإشكال الذي فيه أيضا يعارض ما تقدم ؛ لأن ما تقدم  ذكر علي أنهما سورتان الأنفال وبراءة ، وابن عباس في سؤاله يقول وكانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخر ما نزل علي اعتبار أنه واضح أنهما سورتان وليستا  سورة واحدة، وأيضا في الجواب أجاب بما يشعر بأنهما سورتان
قال: ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها : أن براءة من الأنفال وهذا أيضا مخالف لما أجمع عليه العلماء أن ترتيب آي السور توقيفي ، جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وليس محلا للاجتهاد، وهنا في هذا الاجتهاد في هذه الرواية جُعلت آيات براءة من سورة الأنفال وهذا مُخالف للمجمع عليه من أن ترتيب آي سور القرآن توقيفي، أما ترتيب السور هذا محل خلاف بين أهل العلم منهم من يري أنه توقيفي ومنهم من يري أنه محل اجتهاد.

والحديث في إسناده مقال لأن يزيد الفارسي الراوي لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ضعَّفه الإمام البخاري وغيره من أهل العلم فهو ممَّن لا يُعتمد علي مروياته ولا سيّما ما تفرَّد به والحافظ لما ذكره في التقريب قال :مقبول ، والمقبول عنده هو من إذا تفرَّد ولم يوجد له من يتابعه علي ما تفرد به فإن روايته تُرد ، فالحاصل أن الحديث من حيث الإسناد ضعيف ومن حيث المتن فيه بعض الإشكال -كما أشرت إلي ذلك -

وأما عدم كتابه البسملة في أول براءة فقد ذُكر في ذلك أقوال، منها هذا القول الذي جاء في هذه الرواية ، وأن هذا اجتهاد من عثمان بن عفان رضي الله عنه
وقيل لأن البسملة آية رحمة، والرحمة فيها أمان، وسورة براءة في المنافقين ، والمنافقين لا أمان لهم .  

والأظهر -والله تعالي أعلم- أن عدم كتابة  البسملة في أوائل سورة براءة أن جبريل لم ينزل بذلك ،   يعني في كل سورة ينزل بالبسملة مفتتحا  لها إلا برءاة لم ينزل بذلك .

قال -رحمه الله تعالي-: كِتَابَةُ الْقُرْآنِ

أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ «إِلَّا الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ))

 ثم عقد -رحمه الله تعالي هذه الترجمة-  كتابه القرآن ، وأراد -رحمه  الله تعالي- أن يبين أن كتابه القرآن في الصحف والرِّقاع ونحو ذلك جاءت به السنَّة عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ،وجاء في ذلك أحاديث عنه صلوات الله وسلامه عليه منها هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، وفي رواية ((إلا القرآن)) ، ((فمن كتب عني شيئا غير القرءان فليمحه)):  فهذا نص في الإذن بكتابة القرءان ، وأن السنَّة جاءت بذلك وقد ورد أحاديث كثيرة جدا تدل علي ذلك والنبي عليه الصلاة والسلام له كُتاب للوحي مرَّ الإشارة إلي أسماء بعضهم وعدد منهم.

 فالكتابه كتابه القرآن ثبتت بها السنَّة عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، وهنا في هذا الحديث نهي عن أن يكتب عنه شيء غير القرآن، لكن من بعد ذلك جاء الإذن بالكتابة -كتابة حديثه- صلوات الله وسلامه وبركاته عليه،  وقد قيل أقوال في هذا النهي الذي في هذا الحديث عن كتابة شيئ عنه صلي الله عليه وسلم غير القرءان : ((وأن من كتب شيء غير القرءان فليمحه)) فقيل : أن ذلك كان خيفة أن يختلط القرآن بغيره ، ولهذا لما أُمِن ذلك أمن هذا الأمر أذن عليه  الصلاة والسلام بعد في كتابة  سنته ولهذا أيضا من الأقوال التي قيلت في هذا النهي : أن هذا النهي كان وقت النزول- وقت نزول الآيات أو السور - كان ينهي أن يكتب شيء من حديثه عليه الصلاة والسلام للعلَّة  السابقة- لكي لا يختلط حديثه عليه الصلاة والسلام بالقرآن-

وقيل إنَّما أريد بالنهي:  أن يكتب ذلك في صحيفة واحدة في موضع واحد -بأن يكتب القرآن ومعه الحديث في موضع واحد-
 والحاصل أن النهي الذي كان في هذا الحديث كان في أول الأمر والغرض من النهي لئلا يختلط القرآن بغيره من أحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولما أُمِن هذا الأمر فيما بعد جاء الإذن عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بكتابه حديثه صلي الله عليه وسلم .

نكتفي بهذا القدر ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا أجمعين بما علَّمنا وأن يزيدنا علماً وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلي أنفسنا طرفة عين ، اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا وأجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا علي من ظلمنا ، وأنصرنا علي من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلي وسلم علي عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبة

(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق