السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الثاني عشر

   

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الثاني عشر
الترتيـــــــل



بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد،
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي -رحمه الله تعالى-في كتابه السنن الكبرى: الترتيــل:
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله صلَّى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمً وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا الى أنفسنا طرفة عين، أما بعد :
 قال المصنِّف الإمام النسائي -رحمه الله تعالى-:الترتيــل
هذه الترجمة عقدها -رحمه الله تعالى- لبيان فضل ترتيل القرآن واستحباب ذلك ، والترتيل للقرآن يكون بقراءته بتمهُّل لا هذرمة وبعجلة ؛ ولهذا إذا رتَّل المرء السورة تكون بترتيله لها أطول من التي هي أطول منها ، مثل ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت -رضي الله عنها-: ((كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقرأ السورة ويُرتِّلها حتى تكون أطول من التي هي أطول منها)) والترتيل هو القراءة بتمهُّل،ولا خلاف بين العلماء في جواز قراءة القرآن بدون ترتيل، لكن الترتيل أفضل ومَقامُه أعلى وثوابه أعظم وهو أعون للمرء على تدبُّر القرآن وعقل معانيه.
أورد -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال : ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ)):  يقال : أي في الجنة يوم القيامة
لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: الصحبة هنا تعني الملازمة والعناية بالقرآن قراءة وتعلُّما للمعاني وعملاً بالقرآن ، فقوله : لصاحب القرآن أي من عنده ملازمة للقرآن وعناية بالقرآن ؛ ولهذا ليس كل تالٍ للقرآن يعد صاحبا للقرآن وليس كل حافظ للقرآن يُعدُّ صاحبا للقرآن ؛ لأن الصُّحبة للقرآن تعني العناية بالقرآن تدبرا وعملا بالقرآن ولهذا اذا كان المرء لا يعمل بالقرآن حتى وإن حفظه لا يُعد صاحبا للقرآن ، لأنصحبة القرآن تعني القيام بهذا الكتاب واتِّباعه والعمل بما دلَّ عليه والصحبة لا تكون إلا بالملازمة والألفة لذلك لا يقال فلان صاحب فلان إلا عن طول ملازمة له وألفة عظيمة بينهما ولا يكون المرء صاحب قرآن إلا بالملازمة لهذا الكتاب العظيم ترتيلا ً وفهما وعناية بفهم القرآن وتدبر معانيه والعمل بما دلَّ عليه هذا الكتاب العظيم .
قال: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ ): هذه القراءة من صاحب القرآن في الجنة ، وليست القراءة التي تكون في الجنة كما هي في القراءة في  الدنيا على وجه التعبُّد لان الآخرة ليست دار تكليف؛ ولكن تكون هذه القراءة من جملة النَّعيم واللذة التي ينعم الله سبحانه وتعالى بها على أهل الجنَّة .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أخذا من هذا الحديث قال (أهل الجنة يتنعَّمون بقراءة القرآن) ثم ذكر هذا الحديث ،فهو من جملة ما ينعم به أهل الجنَّة يقال له اقرأ فالأمر بالقراءة هنا ، فالأمر بالقراءة هنا ليس امر بها على وجه التكليف والتعبُّد وانما على وجه التلذذ والتنعُّم بهذا الخير الذي جعله الله سبحانه وتعالى من أهله 
(اقرأ وارتق)ومعنى ارتق أي اصعد في درجات الجنة
(ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)لا تسرع في القراءة ، رتِّل لأنه ما دام في ترتيل فهو لا يزال في صعود في درجات الجنة، والجنَّة درجات والصعود في درجات الجنة بحسب الاعمال﴿وَلِكُلٍّ دَرَ‌جَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾[الأحقاف :19]
فالجنَّة درجات ومنازل ،والعلو في هذه المنازل والدرجات بحسب الاعمال ، وهذا من أبين ما يكون دليلا على أن الايمان يزيد وينقُص، وأن زيادة الايمان موجبة لرفعة الدرجات وعلو المنازل يوم القيامة .ومن ذلكم زيادة الايمان بقراءة القرآن وتدبُّره وتأمُّل معانيه قال سبحانه وتعالى :﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَ‌ةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُ‌ونَ﴾ [التوبة:124]
وقال الله سبحانه :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ‌ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰرَ‌بِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَ‌جَاتٌ عِندَ رَ‌بِّهِمْوَمَغْفِرَ‌ةٌوَرِ‌زْقٌكَرِ‌يمٌ﴿٤﴾﴾
قال: (اقرأ وارتق) أي في درجات الجنَّة
(ورتِّل)وهذا موضع الشاهد من هذا الحديث للترجمة
(ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا)أي اقرأ بتمهل وأناة ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا
:( فان منزلتك عند آخر اية كنت تقرؤها): منزلتك فيه أن الجنَّة منازل ودرجات وليست منزلة واحدة بل منازل متفاوتة، بلغنا الله أجمعين عليّ منازل الجنَّة ورفيع درجاتها بمنّه وكرمه .
قال :(فان منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها): بعض العلماء أشار هنا الى أن درجات الجنة عددها بحسب عدد آيات القرآن، وآيات القرآن تنيف على الستة ألاف آية ، وأوردوا في ذلك حديثا ولكنه لا يصح عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، والأمور المغيَّبة لا يقطع بشيءٍ منها إلا بدليل، دليل ثابت عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأيضا مما نبَّه عليه أهل العلم في بيان معنى هذا الحديث ، وفي بيان قوله : (اقرأ وارتق ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا) ليس من شرط هذه القراءة أن يكون حافظاً للقرآن أي ليس هذا خاَّصاًبمن حفظ وانما هو يتناول كل من كان ذا عناية بالقرآن قراءةً وترتيلاً وعنايةً بفهم القرآن والعمل به ، يكون له صحبة مع كتاب الله وبحسب هذه الصحبة لكتاب الله فهماً وعملاً بكتاب الله عز وجل تعلو منازل العبد ودرجاته عند الله -سبحانه وتعالى- وترتفع منازله عند الله، فليس الأمر متعلقاً بمجرَّد الحفظ ، وإنما هو متعلق بالصحبة لهذا كما هو مبين في هذا الحديث يقال لصاحب القرآن ، ومعلوم أن من يحفظ القرآن ولا يعمل به لا يعد صاحبا لكتاب الله ؛ لأن القرآن أُنزل ليعمل به فمن لم يعمل به لا يكون صاحبا لهذا الكتاب العظيم .
ولهذا اشتراط بعض أهل العلم في الحفظ في الفوز بهذا الثواب، في قوله: (اقرأ وارتق) ،اشتراط الحفظ لا يوجد شيء يدل عليه ، فيمكن أن ينال بالحفظ ويمكن أن ينال بالعناية بالقرآن وإن لم يتيسر للعبد حفظه كله  ولا شك أن الحفظ أعلى وأرفع إن كان عن عناية بهذا القرآن وفهما وعمل بكتاب الله سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ محمد ابن عثيمين -رحمة الله عليه-في كلام له على هذا الحديث قال:(ظاهر الحديث أن المراد بذلك القراءة سواء كان ذلك من ظهر قلب او من مصحف)
(اقرأ) ظاهر الحديث يقول : القراءة ان هذا الثواب على القراءة بعناية بالقراءة والتدبر لكلام الله سبحانه وتعالى سواء كانت هذه القراءة عن ظهر قلب يقول أو قراءة من المصحف .    


قال:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِ فَقَالَتْ: «مَا لَكُمْ وَصَلَاتَهُ، ثُمَّ نَعَتَتْ لَهُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا))
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة -رضي الله عنها -زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وصلاته وهذه السؤالات يراد بها الوقوف على هديه عليه الصلاة والسلام من أجل التأسِّي به والاقتداء تحقيقا لقول الله -جل في علاه-:﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾
فقالت (ما لكم وصلاته ثم نعتت له قراءته)أي قراءة النبي صلَّى الله عليه سلم للقرآن، ومعنى نعتت أي وصفت
(فاذا هي تنعت قراءة مفسَّرة) أي مبينة واضحة
(حرفاً حرفاً):وهذا هو الشاهد من الحديث مفسرة حرفاًحرفاً أي مرتَّلة يعطي كل حرف حقه من مخرجه ووضوحه وبيانه وكل كلمة واضحة. أحيانا بعض الناس إذا قرأ ربما أكل بعض الحروف، ولم يفصح عن بعض الحروف ،وربما–أيضاً- مع سرعته في  القراءة ينقص منه حرف او اكثر ، لكن القراءة المفسرة حرفاًحرفاً أي مجودة مرتَّلة كل حرف وكل كلمة أعطيت حقها من الوضوح وسلامة المخرج وحسن الترتيل لها .
 وانتبه هنا الحقيقة الى فائدة جميلة لقول أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (مفسَّرة): بعض القرَّاء اذا استمعت الى قراءته مع وضوحها وبيانها وحسن المخارج وجمال الاداء كأنما يفسِّر لك الآيات؛لأن القراءة التي بهذا الوصف أعوَن للعبد على الفهم للمعاني والدلالات فهي تفيد القارئ فهماً وتدبرا للقرآن وتفيد المستمع أيضا

قال رحمه الله تعالى :تَحْبِيرُ الْقُرْآنِ  :
قال:  أَخْبَرَنَا طَلِيقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَبِي مُوسَى ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقْرَأُ» فَقَالَ: «لَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ» فَقَالَ: «لَوْ كُنْتَ أَعْلَمْتَنِي لَحَبَّرْتُ ذَلِكَ تَحْبِيرًا»
قال رحمه الله تعالى تَحْبِيرُ الْقُرْآنِ   :
التحبير : التزيين وقد مرّ معنا حديث:((زينوا أصواتكم بالقرآن))،
(تحبير القرآن):  التحبير أي  تزيين الصوت ، والمحبَّر: المزيَّن المجمَّل، فتحبير القرآن: تجميل الصوت وتحسين الصوت عند التلاوة لكتاب الله سبحانه وتعالى .
أورد حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلَّى الله عليه وسلم مرَّ به ذات ليلة وهو يقرأ
فقال: (لقدأُعطي من مزامير آل داوود) : أي أُعطي صوتا ، (المزمار):  هو الصوت الحسن ، ومنه سمّيت آلة الزمر مزمارا ، المزمار هو الصوت الحسن الصوت الجميل ،
فقول النبي صلى الله عليه وسلم اعطي من مزامير آل داوود أي أعطي صوتا حسناًجميلاً ، وقوله: (من آل داوود): المراد داوود نفسه وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى صوتاً حسناً جميلاً ، فيقول هنا أُعطي أي ابو موسى ، من مزامير آل داوود:  أي صوتاً حسناً مثل ما أُعطي داوود عليه السلام الصوت الحسن .
(فلما اصبح ذكروا ذلك له)النبي مرَّ بأبي موسى وقال ما قال ولكن أبا موسى لم يعلم، ولكن لمَّا أصبح أبوموسى أخبروه بذلك .
-سبحان الله- يمرّمعنا كثيرا -ويا ليت أحد يعتني بتتبع ذلك وجمعه-  الصحابة كانوا يقرؤن القرآن بالليل وبصوت ؛ ولهذا بيوتهم مباركة بيوتهم آمنة مطمئنة فيها السكينة ،الآن كثيرا من بيوت المسلمين ليس فيها إلا صوت المعازف وآلات اللهو ثم يشتكون من مشاكل كثيرة ووساوس وشياطين وأشياء كثيرة .فالصحابة -رضي الله عنهم- بيوتهم يُقرأ فيها القرآن ليلاً والقراءة للقرآن ليلا لها خاصية سواء بصلاة -قيام ليل- او بدون صلاة سواء بمصحف او عن ظهر قلب وتكون قراءة بصوت يدوي في البيت ويسري في البيت.
 فالنبي - عليه الصلاة والسلام- مر وسمع اباموسى ، ومر معنا قصة عباد بن بشر (اللهم ارحم عبادا) وفي هذا الباب قصص كثيرة جدا وقصَّة أسيد بن خضير ، قصص كثيرة جدا في هذا الباب قراءتهم للقرآن بصوت .
(فلما أصبح ذكروا ذلك له فقال: لو كنت أعلمتني) قال لمن أخبره :لو كنت اعلمتني : يعني وقتها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءتك
(لحبَّرتُ ذلك تحبيرا): هذا هو موضع الشاهد من الحديث : أي حبَّرت صوتي بالقرآن وحسنته هوكان يقرأ -رضي الله عنه- قراءة محبَّرة ، ولكنه قصد ماذا ؟ قصد -رضي الله عنه- الزيادةهوكان يقرأ رضي الله عنه قراءة محبرة بصوت حسن وسمعه النبي  صلى الله عليه وسلم وقال:(أُوتي مزمار من مزامير آل داود) هو كان يقرأ قراءة محبرة ولكن مع ذلك قال لحبَّرت ذلك تحبيرا أي إنه قصد أن يزيد -رضي الله عنه- في رفع الصوت أبلغ في سماع النبي صلَّى الله عليه وسلم للصَّوت وأيضا يزيد في تحسين الآداء والترتيل


وجاء في بعض الروايات لهذا الحديث جاء بلفظ : ((لحبرته لك تحبيرا)) أي للرسول لحبرته لك تحبيرا
وهنا تأتي مسألة تتعلق تحسين الصوت للناس وما حكم ذلك؟أن يحسن صوته للناس وهم يسمعونه ويقصد بتحسين الصوت أي يحسنه للناس وهم يستمعون اليه ،وهذا على نوعين :
•    إما أن يحسنه حتى يعينهم على تدبر القرآن وسماع القرآن والإنصات للقرآن والتدبُّر للقرآن وهذا نيته من ذلك فهذا من عمله الصالح الذي يثيبه الله عليه .

•    وأما ان كان يقصد من ذلك شُهرة وسمعة ويريد بذلك الدنيا فلا يدخل في صالح عملهلأنه لا يدخل في صالح عمل المرء الا ما قصد به وجه الله سبحانه وتعالى لا يدخل في صالح عمله ،اذا كان يحسن صوته عند الناس للمراءاة والشهرة ومن أجل أن يمدحه الناس فهذا لا يدخل في صالح عمله ، لكن إذا اراد من تحسين صوته للناس أن ينفعهم وأن يستفيدوا وأن يدبَّروا لكلام الله سبحانه وتعالى فهذا يدخل في صالح عمله
العلماء -رحمهم الله-أشاروا الى أمر يَحسُن التنبيه عليه وهو : أن طول القراءة للقرآن تُعين على حُسن الصوت بالقرآن فيزداد حسناً الصوت بازدياد التلاوة وأما مع قلة التلاوة حتى وإن كان الانسان في خلقته حسن الصوت اذا قرأ وهو قليل القراءة للقرآن لا يكون صوته حسنا بالقرآن وانما حُسن الصوت بالقرآن  يحتاج الى طول قراءة للقرآن وان يكون هذ القراءة ايضا بصوت

قال رحمه الله تعالى :مَدُّ الصَّوْتِ :
قال:  أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ مَدًّا))
ثم قال رحمه الله تعالى :مد الصوت بالقرآنوالمراد بمد الصوت أن يطيل الحرف الصالح للإطالة أان يطيل الحرف الصالح للإطالة ، أن يطيل الحرف الصالح ان يمد وحروف المد كما هو معلوم ثلاثة: الواو والالف والياء ، فمدّ الصوت اطالة الحرف الذي يصلح أن يطال، ليس كل حرف يصلح أن يطال
 وأورد حديث أنس -رضي الله عنه- وقد سأله قتادة (كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان يمد صوته مدا) يمد صوته مداً يمد صوته بالقرآن مدا والمد إنما يكون في الحرف الذي يستحق المد او يصلح أن يمد ، وهذا داخل فيما سبق الترتيل والتمهُّل في قراءة القرآن .

قال –رحمه الله تعالى-السَّفَرُ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
قال:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ))
ثم قال -رحمه الله-السفر بالقرآن الى ارض العدوأي ما حكم ذلك .
والقرآن كتاب معظَّم يجب أن يُصان وأن يُحفظ  وأن يُبتعد به عن الأيدي التي يخشى أن تنال من كتاب الله -سبحانه وتعالى-أيدي الاعداء المبغضين للقرآن وللإسلامولأهل الاسلام والمعادين لدين الله سبحانه وتعالى . فكتاب الله عز وجل كتاب معظَّم يجب أن يُصان وان يُحفظ بحيث لا يصل الى أيدي العدو فينالون من كتاب الله .
ولهذا جاء في السنة نهى النبي صلَّى الله عليه وسلم عن أن يُسافر بالقرآن الى أرض والنهي جاء في الحديث معلَّلا قال: (يخافأن يناله العدو)أي الكتاب
(بأذى)أي بشيء من الأذى ،فنهى عليه الصَّلاة والسلام من أجل هذه العلَّة؛ لذلك لا يجوز أن يُسافر بالقرآن الى أرض العدو من أجل الا يناله العدو بشيء من الاذى .
والحكم جاء معلّلاً؛ولهذا قال أهل العلم أن هذا الجانب اذا أُمن  تماماً وتحقق تماماً من سلامة القرآن فلا بأس أن يُسافر به المرء لحاجته الخاصة ليقرأ ويراجع ويحفظ، اذا أُمن من هذه المفسدة التي عينَّها النبي صلَّى الله عليه وسلم في النهي عن السفر بالقرآن الى أرض العدو .
وأيضا بين العلماء أنه لا بأس أن يُكتب للعدو بالآية والآيتين من كتاب الله على وجه الدعوة دعوته الى الاسلام وبيان الدين له فيكتب له بالآيةوالآيتينأو الثلاث أو نحو ذلك فهذا لا بأس به وهو محل اتفاق بين اهل العلم لفعل النبي صلوات الله وبركاته عليه .




قال -رحمه الله تعالى-:الْقِرَاءَةُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
قال:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ «جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» فَقَالَ: «أَيْ رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا» فَقَالَ: «هَلْ عِنْدِكَ مِنْ شَيْءٍ؟» قَالَ: «لَا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا» قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ» قَالَ: «لَا وَاللهِ وَلَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي» قَالَ: «سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ» فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: «مَعِي سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا» قَالَ: «تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ))
ثم قال رحمه الله تعالى : القراءة عن ظهر قلبأي قراءة القرءان حفظا من غير مصحف وهذه الترجمة عقدها رحمه الله تعالى لبيان فضل ذلك ،فضل كون المرء يحفظ القرآن أو يحفظ قدرا من القرآن ؛ لأن الحفظ فيه معونة للعبد اي يقرأ متى يشاء ومتى أراد في أي وقت ولكن المصحف لا يتيسر للمرء أن يفتحه في كل وقت ولا يكون معه في كل وقت وقد يكون المرء في بعض أوقاته على غير طهارة فلا يمس المصحف ، ولكن الحفظ فيه معونة على مزيد القراءة لكتاب الله- سبحانه وتعالى- عندما يكون في صدر المرء القرءان او في صدره قدر من القرءان هذا لا شك في عظيم فضله ورفيع مكانته. ولأجلذلك  أورد-رحمه الله تعالى هذه الترجمة - واورد حديث سهل بن سعد ان امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي): جاءت واهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم اي ان ينكحها وتكون زوجة له فنظر اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصعَّد النظر اليها وصوبه)وهذا اخذ منه العلماء -رحمهم الله تعالى- جواز النظر الى المخطوبة اذا كان ثمَّة شيء من الرغبة الى ذلك فلينظر ان وجد ما يدعوه الى ذلك والا عدل عن ذلك.
فالنبي عليه الصلاة والسلام صعَّد النظر اليها وصوَّبه هذا يدل على أنه كان يريد ان يتزوجها لو كانت أعجبته النظر اليها وهذا اخذ منه مشروعية النظر الى المخطوبة وكما جاء في الحديث الاخر((أحرى أن يؤدم بينكما)) يعني أن تقوى العلاقة والصِّلة والمحبة بينكما اذا كان الدخول على الزوجة النظر المُسبق والمعرفة بقدر حسنها وجمالها .
ثم طأطأ رأسه عليه الصلاة والسلام ولم يتكلم بشيء، فلما رأت المرأة انه لم يقضِ فيها شيئا جلست لما رأت انه لم يقضي فيها ولم يبت بموافقة او بعدم موافقة جلست
(فقام رجل من اصحابه فقال : أي  رسول الله ان لم يكن لك فيها حاجة فزوجنيها)
(فقال  : هل عندك من شئ)أي هل عندك من مهر تسوقه او تقدمه
قال: (لا والله ما وجدت شئ ما وجدت شيئا)
قال:(انْظُرْ) : ارجع ،اذهب بيتك، ابحث
(وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)ولو خاتم من حديد، 
(فَذَهَبَ)أي إلى بيته وبحث عن شيء فما وجد، - سبحان الله- ما في بيته شيء حتى خاتم من حديد ما فيه،شيء قليل يقدمه مهر ما يوجد في بيته ، لباس ما يوجد في بيته، ما عنده لباس  الا الإزار حتى بدون رداء حتى بدون رداء، عنده ازار فقط ، الإزار هو ما يلف به جزء البدن الاسفل حتى الرداء ما عنده ، وبيته ما فيه ملابس ولا فيه شيء في بيته فذهب
قال :(لا والله ولا خاتم من حديد)ما وجدت شيء في البيت
(ولكن هذا ازاري)ازار بدون رداء
قال :(هذا ازاري)، ما عندي غير ازاري ألف به أسفل البدن أقدمه مهرا، الرجل راغب جدا في الزواج ، قال هذا ازاري،
قال:  (سهل ما له رداء) : ازار بدون رداء
(فلها نصفه) : أي أعطاها نصف إزاره مهرا،  الرجل راغب في هذا الزواج ولكن ما عنده شيء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ) : ولا يقبل أن يقطع نصفين لانهإن قطع نصفين لن يصبح ساتر له ولا لها
(فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ): وهذا فيه رحمة الرسول عليه الصلاة والسلام  وحرصه على اصحابه وعنايته بهم واهتمامه بتحقيق حاجتهم ومطالبهم .
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: «مَعِي سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا» قَالَ: «تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ))

(فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟)وفي بعض الروايات قال له :(ماذا تحفظ من القرءان)
(قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا) :وفي سنن أبي داوود ذكر سورة البقرة ولكن الحديث في إسناده شيء من المقال
(سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا، سُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا)أي عدَّ السور التي يحفظها
(قَالَ: تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟)وهذا موضع الشاهد أي تحفظهن حفظا في صدرك ليس قراءة من مصحف
( قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)ملكتكها اي زوجتكها بما معك من القرآن أي بأن تعلمها هذا هو المراد ، أي أن المهر ان يُعلمها القرآن يعلمها ما يحفظ او ما تيسرله مما يحفظ  فجعل ذلك مهراً لها  .
اذكر من اللطائف الجميلة يحدثني أحد الاخوة الثِّقاة عن زواجه من إحدى الدول يقول: خطبت امرأة تحرَّيت في أدبها ودينها وخلقها فخطبتها من والدها فقبلت، وقالت لا أريد منه مهرا الا نسخة من صحيحالبخاري، يقول فعلا اشتريت نسخة من صحيح البخاري ثم تزوج وجاءه منها عدد من الاولاد -رأيت بعضهم- وما كان مهره إلا نسخة من صحيح البخاري طلبته تلك المرأة الصالحة -إن شاء الله- .
وأذكر أيضا انني رويت القصة هذه في إحدى المجالس، فقال أحد الحاضرين ما لها اخت ؟[يضحك الشيخ –بارك الله فيه وزاده من فضله] .
قال –رحمه الله تعالى-الْقِرَاءَةُ عَلَى الدَّابَّةِ
قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ الْفَتْحِ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ فَقَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] فَرَجَّعَ أَبُو إِيَاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ، وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ))
ثم عقد -رحمه الله تعالى- هذه الترجمة:القراءة على الدابة، والمراد بهذه الترجمة بيان جواز ذلك وان النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك قرأ وهو على دابته فللمرء أن يقرأ وهو على الدابة بعيراًأو حتى المركوبات الحديثة يقرأ من مصحف او عن ظهر قلب وهذا كله الامر فيه واسع ،وقد جاءت به السنة الصحيحة عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام
 وأورد حديث عبد الله بن المغفَّل -رضي الله عنه- قال (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ الْفَتْحِ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ فَقَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا})والحديث تقدّم معنا قريبا في باب الترجيع وايضا مر الكلام على معناه والشاهد من الحديث لهذه الترجمة قوله رأيت النبي صلَّى الله عليه وسلم  يسير على ناقته فقرأ {انا فتحنا لك فتحا مبينا }فهذا فيه مشروعية وجواز القراءة على الدابَّة .
قال -رحمه الله تعالى-:قِرَاءَةُ الْمَاشِي
قال:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا عُقْبَةُ قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ؟ فَسَكَتَ عَنِّي» ثُمَّ قَالَ: يَا عُقْبَةُ قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ عَنِّي» فَقُلْتُ: «اللهُمَّ ارْدُدْهُ عَلَيَّ» فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ قُلْ: فَقُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ؟» فَقَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقَرَأْتُهَا حَتَّى آتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا» ثُمَّ قَالَ: قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» فَقَرَأْتُهَا حَتَّى آتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهِمَا وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِمَا))
ثم قال -رحمه الله تعالى-قراءة الماشي:
الترجمة السابقة: قراءة الراكب على الدابة، وبيان جواز ذلك ،وأيضا هذه الترجمة في بيان جواز قراءة  القرآن للماشي على قدميه فيجوز للمرء أن يقرأ القرآن وهو راكب على دابته ويجوزله أيضا  قراءة القرآن أو ما تيسر من القرءان وهو ماشي على قدميه وأن ذلك لا حرج فيه ، لا حرج ان يقرأ القرآن وهو راكب على الدابة ولا حرج ايضا ان يقرأ القرءان وما يتيسر له من الآيات والسور وهو ماشي على قدميه .
وأورد حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال:((كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا عُقْبَةُ قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ؟ فَسَكَتَ عَنِّي» ثُمَّ قَالَ: يَا عُقْبَةُ قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ عَنِّي» فَقُلْتُ: «اللهُمَّ ارْدُدْهُ عَلَيَّ»)) يعني تشوق  -رضي الله عنه- وهذا الاسلوب  من النبي عليه الصلاة السلام،يتكرر في مواضع عديدة الذي هو  أسلوب التشويق للفائدة والترغيب فيها، لذلك تشوَّق عقبة رضي الله عنه ليسمع هذا الذي أراد النبي صلَّى الله عليه وسلم من عقبة أن يقوله شوَّقه الى ذلك شوقاًعظيماً.
 مرَّ معنا قريباً في أسلوب التشويق قصة أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه-عندما قال له ((النبي صلى الله عليه وسلم لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن اخرج من المسجد))أنظر إلى هذا الأسلوب في التشويق وله نظائر كثيرة جدا في هديه وهذا من كمال نصحه وجميل بيانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
((فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ قُلْ: فَقُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ؟» فَقَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ))، يعني اقرأ هذه السورة ، ((فَقَرَأْتُهَا حَتَّى آتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا» ثُمَّ قَالَ: قُلْ: قُلْتُ: «مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» فَقَرَأْتُهَا حَتَّى آتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا  ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ما سأل سائل بمثلهما ولا تعوذ متعوذ بمثلهما)) وهذا فيه  عظم هاتين السورتين وأنه ما تعوذ متعوذ بمثل هاتين السورتين العظيمتين والحديث جاء في سنن ابي داوود ولفظه ((بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء اذ غشينا او غشيتنا ريح و ظلمة شديدة فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يتعوذ بأعوذ  برب الفلق وأعوذ برب الناس))أي يقرأ هاتين السورتين ((ويقول يا عقبة تعوَّذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ))
وهذه حقيقة فائدة عظيمة أن التعوذ بهاتين السورتين يصلح في كل مقام يخاف فيه الإنسان وتحدث اشياء مفزعة او اشياء مخيفة او موحشة او نحو ذلك فيقرأ هاتين السورتين قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس .
فالتعوّذ بهما لها اثر عظيم في دفع الشرور بأنواعها شر الشياطين وشر المعتدين وشر أيضا ما يخافه الانسان من حوادث او كوارث او مصائب او نحو ذلك ومن يتأمل في هذه الآيات وما اشتملت عليه مما يتعوَّذ منه يجد انها جمعت ، فالأمور التي يُتعوَّذ منه كثيرة ، لكن هاتين السورتين  جمعت ما يُتعوذ منه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ((ما تعوذ متعوذ بمثلهما)) إشارة الى ما جمعته  هاتان الآيتان في هذا الباب من كمال وجمال ووفاء في باب التعوذ.
 واشير مرة ثانية الى كتاب الامام ابن القيم في الكلام على المُعوَّذتين وهو في ضمن كتابه اعلام الموقعين وطبع مفرداً بعنوان تفسير المعوذتين لابن القيم حقيقة فيه كلام نفيس جدا وبيان عظيم يتعلق بهاتين السورتين العظيمتين سورة الفلق وسورة الناس .
نسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا وأن يزيدنا علماً، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا الى أنفسنا طرفة عين وأن يهدينا اليه صراطا مستقيما ونسأل الله عز وجل أن يصلح لنا أجمعين ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن يصلح لنا آخرتنا الذي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقَّه وجلَّه اوله وآخره وعلانيته  وسره،  اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعناأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا .
 سبحانك الله وبحمدك اشهد أن لا إله الا انت ، استغفرك وأتوب اليك،  اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد  وعلى اله وصحبه .


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق