السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس السادس عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس السادس عشر
ذِكْرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد :
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي -رحمه الله تعالى- في كتابه السنن الكبرى :
ذِكْرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ، عَنِ الْبَيَاضِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ» فَقَالَ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أما بعد،
قال المصنِّف الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- :ذِكْرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ»، جاء النَّهي عن ذلك لما يحدثه هذا الجهر بالقرآن عندما يكون في الموضع أو في المسجد من هو يتلو القرآن ومن هو يصلِّي ومن هو أيضا مشتغل بالأذكار أو بقراءة العلم أو نحو ذلك، فإذا حصل هذا الرفع والجهر بالصوت بالقرآن يُحدث عند هؤلاء تشويشا في عبادتهم وفي تلاوتهم وفي قراءتهم وفي ذكرهم ولهذا نهى النبي صلَّى الله عليه وسلم عن ذلك قال: (وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ)بمعنى أن لا يرفع احد الأشخاص وهو يتلو القرآن صوته بالقرآن وإنما يقرأ قراءة يُخافت فيها ولا يرفع صوته لأنه إن رفع صوته شوَّش على الآخرين وخلط عليهم ولهذا جاء في بعض الأحاديث أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما حصل مثل ذلك قال:((خلطتم عليّ القرآن)) وفعلا إذا كنت تتلو سورة وإلى جنبك شخص ثم رفع صوته بالقراءة ربما من حيث لا تشعر تجد أنك دخلت في قراءته واختلطت قراءته بقراءتك فيحصل لك شيء من التشويش ولهذا نهى النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك .
أورد حديث البياضي وهو فروة بن عمرو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ»
يُصلُّون أي النافلة ، يتنفلون ولكن علت أصواتهم بالقراءة في صلاتهم ، وصلاة الليل المرء مخيَّر بين أن يجهر بالقراءة وبين أن يُخافت بها، له هذا وله هذا ، لكن اذا كان إلى جنبه أناس آخرين يصلُّون ليس له أن يجهر بالقراءة لأنه يخلط عليهم قراءتهم ويحدث عندهم تشويشًا في صلاتهم
(خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ» فَقَالَ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يُنَاجِيهِ بِهِ ) بيَّن لهم مكانة الصلاة وأنها مناجاة بين العبد وبين الله -سبحانه وتعالى -واستحث عليه الصلاة والسلام في هذا المقام على حسن المناجاة قال (فَلْيَنْظُرْ ) هذا حث ٌعلى حسن المناجاة لله سبحانه وتعالى وحسن الإقبال عليه في هذه الصلاة
(فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يُنَاجِيهِ بِهِ ) ثم قال (وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ)لأنه إن جهر بعضهم على بعض في القرآن خلط بعضهم على بعض القراءة وأحدث بعضهم لبعض تشويشًا ولم يتحقق مقصود الجميع من القراءة تدبرا للقرآن وتعقُّلا لمعانيه ولهذا نهى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن ذلك.

قال:أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ فَكَشَفَ السُّتُورَ» وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذَيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»
ثم أورد -رحمه الله تعالى- في هذا الباب حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال (اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ ) قبة اتخذها لنفسه يعتكف فيها صلوات الله وسلامه عليه (فَكَشَفَ السُّتُورَ) ستور القبة التي هو فيها عليه الصلاة والسلام داخل المسجد وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذَيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)
تأمَّلوا هنا قول النبي عليه الصلاة والسلام (لَا يُؤْذَيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)ما الأذية التي هنا؟
والذي حصل أن بعضهم كان يرفع صوته ويجهر بالقراءة ومع ذلك قال (فَلَا يُؤْذَيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ)و النبي عليه الصلاة والسلام وصف هذا الرفع بالصوت بأنه أذية قال: (لَا يُؤْذَيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) وفعلا الشخص عندما يكون في قراءة او في صلاة او في تسبيح او قراءة لشيئ من العلم ثم يجلس إلى جوار شخص ويرفع صوته عاليا بالقرآن يربك عليه مقصوده ويشوش عليه قراءته وصلاته ويخلط عليه قراءته للقرآن . النبي عليه الصلاة والسلام نفسه قال في مثل هذا المقام ((خلطتم عليّ القرآن)) فسمَّى ذلك عليه الصلاة والسلام أذية قال : ( لا يؤذي بعضكم بعضا في القرآن أو في الصلاة )
هنا في هذا المقام تأمَّلوا معاشر الكرام كلمة جميلة للإمام بن عبد البر المالكي -رحمه الله-وهو يتكلم عن هذا الحديث يقول -رحمة الله عليه- : ( وإذا نُهيَ المسلم عن أذى المسلم في أعمال البر وتلاوة القرآن فأذاه في غير ذلك أشد تحريمًا )
الآن في داخل المسجد ،إذا كان في المسجد مصلِّي وراكع وساجد وتالي للقرآن ومشتغل بقراءة العلم أو مشتغل بالذكر تسبيحًا وتهليلا وحمدًا ثم يأتي شخص إلى جوارهم ويرفع صوته بالقرآن هذاه سمَّاه النبي عليه الصلاة والسلام أذية لهؤلاء يؤذيهم لأنه يشوش عليهم كل مشتغل في عبادته فإذا جاء هذا ورفع صوته بالقرآن شوَّش عليهم في عبادتهم ، خلط عليهم قراءتهم آذاهم في تأملهم وتدبرهم لكلام الله -سبحانه وتعالى- لم يتحقق لهم المقصود بهذه التلاوة او هذه الصلاة عندما يوجد مثل هذا بينهم .
فإذا كان رفع الصوت بالقرآن منهي عنه ماذا يقال ممَّا حدث الآن في زماننا هذا ممَّا يحصل في الجوالات التي يحملها الناس داخل المساجد أي اذية تحصل الآن في بيوت الله ؟
والله يا إخوان إنها أذية عظيمة جدا وبليّة كبيرة أوذي المسلمون في بيوت الله عزوجل بسبب هذه الجوالات أذىً عظيما ما يعلمه إلا الله وأصبح هؤلاء الذين يحملون هذه الجوَّالات لا يرعون لبيوت الله حرمة ولا يعرفون لها مكانة ولا يراعون لمصلٍ ولا لساجدٍ ولا لراكعٍ ولا لقارئ للقرآن لا يراعون حرمة لهؤلاء .
بعضهم يقول أنا جعلت التنبيه الذي في الجوال أذان أو مثلا دعاء ، الآن تجد الناس في مثلا الصلاة وهم ساجدون وإذا بصوت أحد الجوالات عاليا يدعو أو يؤذِّن هذا يربك على الناس عبادتهم ويشوش عليهم إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) بماذا ؟ ( بالقرآن ) أفضل الذكر وأعظم الكلام ، قال (وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بالقرآن ) فإذا كان الجهر بالقرآن وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه أذى للمصلين الراكعين الساجدين المسبحين الذاكرين التالين لكلام الله سبحانه وتعالى سماه النبي صلى الله عليه وسلم أذى فكيف بهذه الاصوات ؟ كيف بما هو أطم وأنكى وأشنع أصبحت الموسيقى الآن تضرب في المساجد بل لا يكاد يخلو فرض من الفرائض التي يؤديها الناس في الناس في المساجد إلا يسمعون الموسيقى إما وهم ركوع أو وهم سجود في صلاتهم وأصبح أنواعالموسيقى تضرب في المساجد، والله لو قيل قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة قبل أن توجد هذه الجوالات لو قيل لأحد من الناس هل تتصور أن الموسيقى في كل صلاة تسمع في المساجد ما يصدق والله ، والله ما يصدق لو قيل لشخص قبل عشرين او ثلاثين سنة قبل وجود هذه الجوالات لو قيل له سياتي على الناس بعد ثلاثين ، أربعين سنة ما يخلو من مساجد المسلمين إلا ما نذر إلا في كل صلاة يسمعون الموسيقى يقول والله ما أصدق،ما يمكن هذا والآن هذا واقع يعايشه الناس، واقع يتألم منه الناس في صلاتهم مع أن الجوالات والله أنعم بها على الناس فيها خصائص تريح الناس من هذه المشكلة فيها خصائص مثلا إغلاق قبل أن يدخل المسجد تغلقه تماما ، فيها خاصية الصامت يجعلها صامت ، إذا جاء رنين ما يخرج اي صوت أشد من ذلك قليلا الهزاز،أما الأصوات هذه العالية حتى لو كان أذان  أو دعاء أو غير ذلك هذا كله ما يجوز داخل المساجد النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يرفع بعضكم على بعض في القرآن )  فكيف بالصوت بالموسيقى والعياذ بالله في المساجد والله يجب علينا ان نتقي الله , يجب علينا ان نعظم بيوت الله عزوجل ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ‌ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج:32]، يجب أن نعرف حرمة هذا المصلي يجب ألا نشوِّش على المصلي صلاته لا نؤذيه في عبادته يتأذى المصلُّون اذى عظيما وهو ساجد وإذا إلى جواره الموسيقى تضرب ثم تنتهي هنا وتضرب هناك وتضرب في الأمام ولا يزال يتكرر عليهم سماع الموسيقى داخل الصلاة ، وبعضهم يرن جواله بالموسيقى ويبقى ثابتا ما يريد أن يتحرك في صلاته وتستمر الموسيقى إلى أن ينتهي المتصل، هذا يحصل ، هذا كله والله من الأذية وإذا تأملنا في هذا الحديث
في الحديث الأول (وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقُرْآنِ)إذا كان منهي عن الجهر البعض على بعض في القرآن وسمى ذلك أذية ماذا تكون الموسيقى هذه ؟ ماذا تكون الموسيقى هذه التي تضرب الآن في مساجد المسلمين .
الحاصل أن يجب على كل من يحمل هذا الجوال أن يتقِ الله سبحانه وتعالى وقبل أن يدخل المسجد يتذكر حرمة المسجد وحرمة المصلين وعظم شأن هذه الصلاة وهذه العبادة وقبل أن يدخل المسجد يُغلق جواله أو يجعله على الصامت حتى لا يحصل منه أي اذية ولا في قليل لأحد من المصلِّين ولا يخدش هذه الحرمة لبيت الله سبحانه وتعالى ولو قدِّر أنه نسي ذلك مجرد ما ينبعث الصوت يترك كل شيء حتى وهو في صلاته يبادر إلى إغلاقه وإطفائه حتى لا يؤذي إخوانه المصلين.
ونسأل الله عزوجل أن يكشف عن مساجد المسلمين هذه الغمة هذه غمة عظيمة والله هذه غمة وبلوى كبيرة ابتُلي بها المسلمون في المساجد فنسأل الله عزوجل أن يكشف عنهم هذه الغمة وأن يبصر المسلمين بدينهم وأن يرزقهم التعظيم لبيوت الله سبحانه وتعالى والمراعاة لحرمتها وألا يكون منهم استعمال لهذه الجوالات في أي معصية لله سبحانه وتعالى.

قال – رحمه الله تعالى -الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ))
قال -رحمه الله تعالى-الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ
هذه الترجمة عقدها رحمه الله تعالى للتحذير من ذلك والنهي عنه وبيان ما جاء في السنَّة من النهي عن المراء في القرآن ، و المراء في القرآن هو الخصومة في كتاب الله والاختلاف والجدل سواء في أحرف القرآن أو في معاني القرآن ودلالاته فالمراء في القرآن منهي عنه وجاءت النصوص بالتحذير من ذلك
 وأورد -رحمه الله تعالى- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) وهذا مر معنا فيه باب خاص عند المصنف رحمه الله تعالى ومر أيضا الكلام على المراد بذلك
قال (الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ)المراء في القرآن مثل ما جاء في هذا الحديث قد يبلغ شيء منه درجة الكفر إذا شك او شكك في حرف من القرآن او في معنى من المعاني الصحيحة في القرآن جحدها او نفاها او جادل في صحتها او نحو ذلك فقد يبلغ المراء هذا المبلغ وما كان دون ذلك قد يُفضي بالإنسان إلى هذا المبلغ ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المراء في القرأن قال ((الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْر)
قال:أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً كُنْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ غَيْرَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَقَالَ: «كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ لَا تَخْتَلِفُوا فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ))
ثم أورد هذا الحديث حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه (قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً كُنْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ غَيْرَهَا)ومرَّ معنا في الحديث المتقدم (أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ) فمعنى يقرأ آية ، سمع الرجل يقرأ آية أي بحرف من هذه الأحرف
وسمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ غَيْرَهَا : أي بحرف آخر ولهذا المراء في الأحرف قد يصل إلى أن يجحد حرفا صحيحا ثابتا من الحروف المنزلة، فسمعه يقرأ آية كان سمع رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ غَيْرَهَا يعني يقرؤها بحرف آخر هذا هو المراد.
(فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ )رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ 
فَقَالَ: «كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ)يعني الحرف الذي عند هذا الرجل حرف صحيح والحرف الذي عند عبدالله بن مسعود ايضا حرف صحيح ولهذا وصف كلا منهما بأنه محسن قال (كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ) إذا كان كلاهما محسن فلماذا تغير وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لم يتغير وجهه للتلاوة التي عند هذا و التلاوة التي عند هذا ،هذا تلاوته صحيحة و هذا تلاوته صحيحة، هذا الحرف الذي عنده صحيح و هذا الحرف الذي عنده صحيح لكن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه بسبب الاختلاف الذي يؤدي إلى الهلاك وكان النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشى على أمته من الاختلاف ولهذا سيأتي الترجمة القادمة الاختلاف ، الاختلاف يؤدي بالناس إلى شر ، الخلاف شر والجماعة رحمة ؛ ولهذا ينبغي أن يحذر من مثل ذلك واذا حصل اختلاف في القرآن مثل ما سيأتي معنا في الحديث الآتي بالترجمة القادمة يجب على الإنسان أن يقوم ما يدخل في خلاف ونزاعات وخصومة لأن الأصل في القرآن انه كتاب ألفة يؤلف بين القلوب لا يُحدث تنافر وتباغض لا يجوز أن يقوم الناس من مائدة القرآن مختلفين ومتنازعين ومتشاحنين ومتصادمين ومتعادين بل يقوموا متحابين ومؤتلفين؛ لأن القرآن كتاب يؤلف بين القلوب، فإذا قاموا من القرآن بخصومة وبنزاع هذا غير المقصود والذي أنزل لأجله كتاب الله عزوجل.
قال رحمه الله تعالى :ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هَجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَسَمِعَ رَجُلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَخَرَجَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ))


ثم قال -رحمه الله تعالى-ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ
يعني ما جاءت به النصوص ، نصوص السنة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذم الاختلاف في القرآن والأصل في هذا القرآن أنه يؤلف ويجمع بين القلوب وهو الذي يعتصم به ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا ۚ﴾، فالقرآن كتاب اجتماع وألفة ومحبة وتآخي ولهذا لا يجوز ان يكون اختلاف في القرآن والاختلاف في القرآن يؤدي بالمختلفين بالهلكة كما سيأتي معنا
أورد رحمه الله حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما قال (هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هجَّرت أي جئت في وقت الهاجرة و الهاجرة هو الظهر وحرص على التبكير.
يقول فسمعت (رَجُلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ ) وجاء في بعض الروايات ( ارتفعت أصواتهما) اختلفا في آية من كتاب الله ،فَخَرَجَ عليه الصلاة والسلام( وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ).
(خَرَجَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ) ؛لأن القرآن ليس كتاب اختلاف ، القرآن كتاب اجتماع وتآلف ومحبة ، فَخَرَجَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ عليه الصلاة والسلام فقال (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ )، فهذا فيه التحذير من الاختلاف في الكتاب وأنه موجب للهلكة.

قال:أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا ائْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ فَقُومُوا» وَأَخْبَرَنَا بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ يَرْفَعْهُ

قال:أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ فَقُومُوا))

قال:أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا عَنْهُ))
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه وساقه -رحمه الله- من طرق وأشار في الطريق الأولى انه قال (وَأَخْبَرَنَا بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ يَرْفَعْهُ ) أي انه في بعض الروايات جاء موقوفا لكن الحديث صحَّ عن جندب بن عبد الله مرفوعا الى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصحيحين و غيرهما
قال: (اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا ائْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ ): (اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ ) أي على مائدة القرآن تأملا وتدبرا وأخذا من هدايات القرآن
(اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا ائْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ )أي ما ائتلفت عليه قلوبكم ، ما كان موجبا للألفة والمحبة والتآخي والتعاون والتآزر ، مادمتم على هذه الصفة اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ
(وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ فَقُومُوا) إذا حصل بينكم يوما ما تنازع في مثلا معنى من المعاني وخصومة ورفع أصوات وهذا يقول كذا وهذا يقول كذا، إذا بلغ هذا المبلغ فقوموا لا تجلسوا مجلسا هذه حاله لأن القرآن كتاب ألفة ومحبة وبرّ وتعاون وتآلف ليس كتاب خصومات ولا يثمر خصومات،فهذه الخصومة إذا وجدت توقفوا عن ذلك وقوموا إلى أن تزول عنكم هذه المعاني وتجتمعوا على القرآن مؤتلفين متحابِّين
هذا معنى قوله (اجْتَمِعُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا ائْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ عَلَيْهِ فَقُومُوا )
ذكر العلماء أن هذا يحتمل النهي عن القراءة اذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء مثل أن يقرأ أحدهم بحرف والآخر يقرأ بحرف آخر وهذا كان يحصل مرَّات عديدة في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،لكن هذه المسألة انتهت بعد أن جمع أمير المؤمنين الخليفة الراشد عثمان بن عفان الناس على حرف واحد وهو الذي أثبته في المصحف المعروف بمصحف عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، فيحتمل أن المراد هو ذلك النهي عن القراءة اذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يفترقوا وكلٌ يستمر على قراءته لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف
ويحتمل ان النهي عن ذلك أي فيما يتعلق بالمعاني عند الاختلاف في فهم معاني القرآن فاذا بلغ بالناس المبلغ في التنازع والخصومات والمراء والجدل في فهم معاني القران فليتوقفوا؛ لأن هذا يفضي الى شر مثل ما تقدم في الحديث الاول (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ )

قال:أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا اتَّفَقْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا)
هذا الحديث هو الحديث المتقدَّم اورده من طريق عبد الله بن عون عن أبي عمران الجوني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ وقد تقدَّم معنا لكنه جعله من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهذه الرواية علَّقها الإمام البخاري في صحيحه ، وقال ( وجندب أصح وأكثر ) يعني الرواية للحديث من حديث جندب بن عبد الله  أصح إسنادا وأكثر رواة ، والامام أو الحافظ بن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري عند قول البخاري: ( وجندب أصح وأكثر )،  قال الحافظ بن حجر : ( أي أصح إسنادا وأكثر طرقا وهو كما قال ) أي كما قال الامام البخاري ( فان الجم الغفير رووه عن أبي عمران عن جندب إلا انهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه ) ومرّ معنا إشارة من النسائي لهذا الاختلاف (اختلفوا عليه في رفعه ووقفه والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم وأما رواية بن عون فشاذة لم يتابع عليها , قال أبو بكر بن أبي داوود : لم يخطئ بن عون قط إلا في هذا ، والصواب عند جندب ) انتهى

أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثمَّ ختم الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- هذا الكتاب كتاب الفضائل بهذا الحديث والحديث الذي بعده حديث الحسن بن علي فيما علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه أن يقوله في الوتر، ختم بهذين الحديثين، ولعل الختم بذلك ان التالي للقرآن والجامع للقرآن لا يفوت الوتر بل هو من أهم اعماله وأهم وظائفه ومثل ما جاء عن علي رضي الله عنه قال ( أوتروا يا أهل القرآن) فأهل القرآن لا يفوتون الوتر
فلعله ختم بذلك لأن من أهم وظائف واعمال أهل القرآن وحملته صلاة الليل وقيام الليل والتهجد والناس نيام ، وهي أفضل الصلاة بعد المكتوبة كما صح بذلكم الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فجامع القرآن له عناية عظيمة بصلاة الليل وله حظ منها ثم يختم صلاة الليل بالوتر وفيه الصلاة على النبي الكريم وفيه ايضا قنوت الوتر هذه الدعوات العظيمة التي جاءت في حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما علَّمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يقوله في قنوته في صلاته في صلاة الوتر.
في هذا الحديث حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
(الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ) اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليما كثيرا
قال (الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ): البخيل : أي كامل البخل ، البُخل انواع ولا يعرف عند كثير من الناس إلا البُخل في المال والبذل من المال لكن البخل انواع ومن البُخل البخل في هذا الامر الذي لا يكلِّف المرء جهدا أن يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام , الرحمة المستاة والنعمة المهداة الذي أخرج الله سبحانه وتعالى به الناس من الظلمات الى النور ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَ‌سُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِ‌يصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَ‌ءُوفٌرَّ‌حِيمٌ﴾ [التوبة:128]، ان يصلي عليه عند ذكره ، عندما يُذكر صلوات الله وسلامه عليه
قال (الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ) وهذا الموطن من المواطن التي تتأكد فيها الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وهي مواطن عديدة فصَّلها الامام بن القيم في كتابه العظيم ( جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ) وهو من أحسن الكتب التي ألفت في الصلاة والسلام على النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كتاب حقيقة عظيم ومبارك ونافع جدا في بابه ، باب الصلاة على  النبي عليه الصلاة والسلام وفصَّل -رحمه الله- المواطن التي يتأكَّد فيها الصلاة على  النبي عليه الصلاة والسلام وذكر -رحمه الله- من هذه المواطن التي تتأكد فيها الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،ثم ذكر خلافا بين اهل العلم وساق أدلة هؤلاء و أدلة هؤلاء وأطال هل هذا واجب او مستحب ؟
وذكر أدلة القائلين بالوجوب مفصَّلة وأدلة القائلين بالاستحباب مفصَّلة ثم قال ان لهؤلاء أجوبة على أدلة هؤلاء وأولئك لهم أجوبة على أدلة هؤلاء وختم عرضه المُفصَّل -رحمه الله تعالى -لهذه المسألة بقوله ( والله أعلم بالصواب)
وبعضنا ربما لو سُئل عن هذه المسألة يجزم إما مثلا بالوجوب أو الاستحباب ولا يحضره لا دليل ولا .... ورأيت بن القيم -رحمة الله عليه- ساق أدلة هؤلاء مفصلة , الدليل الاول , الثاني, الثالث ثم ذكر أدلة القائلين بالاستحباب ايضا فصَّل فيها -رحمه الله -ثم قال إن لهؤلاء أجوبة على أدلة هؤلاء و هؤلاء لهم أجوبة على أدلة هؤلاء ويطول المقام بذكرها والله أعلم بالصواب  ختم هذا الفصل بذلك -رحمه الله تعالى-
الحاصل أنه من المواطن التي تتأكد فيها الصلاة على النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه عند ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال:أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ قَالَ: «قُلِ اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ تَوَلَّيْتَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ))
ختم -رحمه الله تعالى- بهذا الحديث حديث الحسن بن علي فيما علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوله من كلمات في الوتر وهذا الحديث العظيم المبارك نعقد له مجلسا خاصًا بإذن الله تبارك وتعالى فيكون الكلام عليه في مجلس الغد باذن الله جل وعلا ويكون مجلس الغد خاتمة لهذه المجالس في كتاب فضائل القران للامام النسائي -رحمه الله تعالى-
نفعنا الله اجمعين بما علمنا وزادنا علما وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما ،اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفَّة والغنى. اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله وصحبه .
 


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق