السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب

فضائل القرآن
من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي
(رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر 
(بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس التاسع
سُورَةُ الكَهف





بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله صحبه اجمعين، اما بعد،
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله تعالى في كتابه السنن الكبرى :الْكَهْفُ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ أنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ قَالَ: «مَنْ رَآهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ))
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً واصلح لنا شئننا كله ولا تكلنا الى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد:
قال النسائي -رحمه الله-: الكهف اي ما ورد من فضائل تختص بهذه السورة-سورة الكهف ،وكما لا يخفى سُميت بهذا الاسم لذكر الكهف الذي أوى اليه الفتية الذين آمنوا بربهم وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- خبرهم وقصَّتهم في أوائل هذه السورة المباركة.
 أورد المصنِّف -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة حديث النواس بن سمعان قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ قَالَ: «مَنْ رَآهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ))
المصنِّف -رحمه الله- اورد هذا الحديث مختصرا مقتصرا على موضع الشاهد منه للترجمة ، واما الحديث فسياقه طويل اطول من هذا وهو مخرج في الصحيح للإمام مسلم -رحمه الله تعالى- وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الدجال فخفّض فيه ورفّع صلوات الله وسلامه عليه فقال:((إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن لم أكن فيكم فكل مسلم حجيج نفسه)) ثم أورد عليه الصلاة والسلام هذه  الجملة قال ((مَنْ رَآهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْف ))ثم ذكر بقية الحديث



وقوله عليه الصلاة والسلام : ((من رآه منكم)) أي الدجال
((من رآه))اي ابتلي برؤيته والا الاصل ان يحرص المسلم اشد الحرص ان لا يرى الدجال وان لا يقترب من مكانه لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من سمع  بالدجال فلينئى عنه))اي ليبتعد وليكن في مكان بعيد ، لكن ان ابتلي بالدجال  قال عليه الصلاة والسلام : ((فليقرأ فواتح سورة الكهف)) اي اوائل السورة ولعل الحديث الذي بعده يفسر هذا الحديث في الحديث الذي بعده قال: ((من قرأ عشر آيات من الكهف عصم من فتنة الدجال)) فيكون المراد بالفواتح أي العشر الآيات الأول من هذه السورة المباركة.
وقوله ( فليقرأ): لا يخفى ما في ذلك من دلالة على أهمية الحفظ ؛لأن من كان حافظا يتيسر له اي وقت أن يقرأ هذه الآيات ، أما من لم يكن حافظا فليس على  كل حال يكون المصحف قريبا منه ، او يتمكَّن من القراءة في المصحف فقوله عليه الصلاة والسلام: ((فليقرأ)) هذا فيه إشارة  او دلالة على أهمية الحفظ لهذه الآيات والعناية بقراءتها.
قال فليقرأ: فواتح سورة الكهف اي اوائل سورة الكهف
زاد الامام ابو داوود  -رحمه الله- في روايته هذا الحديث قال: ((فليقرأ اوائل سورة  الكهف فإنها جواركم من فتنته)) ومعنى جواركم اي أمانكم يكون لكم  بقراءتها أمان من فتنة المسيح الدجال
والعلماء -رحمهم الله تعالى-  ذكروا في  الحكمة من القراءة لهذه السورة  وما يكون من جوار وأمان لمن يقرؤهامن فتنة المسيح الدجالأن الدجالأعاذنا الله من فتنته إذا خرج ، يخرج ومعه فتن  يخرج ومعه فتن عظيمة جدا وفتنه يُفتن فيها كثير من الناس لأنها فتن عظيمة جدا ، يقول للسماء أمطري فتمطر  ويقول للأرضأنبتي فتنبت  ويقول للقرية يأمر القرية أن تتبعه  كنوزها فتتبعه، يعني أمور عظيمة جدا يعاينها الناس ويشاهدونها فتفتن كثير من الناس، وسورة الكهف عندما يقرؤها المرء بتدبر يجد فيها آيات عجيبة وعظيمة على كمال قدرة الله  وعظمته وتدبيره وتسخيره سبحانه وتعالى ، ويكون بتأمل المرء لتلك الآيات العظيمة والدلائل على العظمة عظمة الرب وكمال تدبيره -سبحانه وتعالى - وعظيم قدرته  وتصريفه  للكون وتدبيره يكون في هذا التدبر يقظة في الايمان وقوة في الايمان ويكون بإذن الله –سبحانه- أمان للمرء  من هذه الفتنة . وهذا أيضا هذا يفيدناأن القراءة لا بد ان تكون عن تدبر وتأمل للآيات لان القراءة التي تكون بتدبر هي التي تزيد اليقين والثقة بالله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه  -جل في علاه -

أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ))
  ثم اورد رحمه الله تعالى هذا الحديث عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ))
لفظهفي صحيح مسلم : ((من حفظ عشر آيات))
وأيضا جاءت الرواية في صحيح مسلم لهذا الحديث مرة  بلفظ العشر آيات الاول ((من حفظ عشر آيات من اول سورة الكهف))وايضا في صحيح مسلم ((من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف))وقد بين العلماء رحمهم الله تعالى ان اللفظ الاول ((من حفظ عشر آيات من اول سورة الكهف))هو المحفوظ وأما اللفظ الثاني ((من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف ))فهو شاذ والمحفوظ هو الاول ويدل لذلك أيضا حديث النواس المتقدم وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فليقرأ فواتح سورة الكهف))
قال: ((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ)) لفظ مسلم كما قدمت : ((حفظ)) والمراد بالعشر الآيات اي الاول كما هو مصرَّح به في صحيح مسلم وهو المحفوظ- كما أشرت-
قال : ((عصم من فتنة الدجال)) أي كان ذلك سببا للعصمة والوقاية من هذه الفتنة العظيمة فتنة المسيح الدجال وأشرت الى ما ذكره العلماء مما في أوائل هذه السورة من ذكر لعجائب خلق الله وكمال تدبيره وعظيم قدرته -سبحانه وتعالى- مما يكون بإذن الله -سبحانه وتعالى-أمنة للمرء وعصمة من فتنة المسيح الدجال، قال الامام النووي: - رحمه الله تعالى- في شرحه لصحيح مسلمقال: "سبب ذلك ما في اولها  من العجائب والآيات  فمن تدبرها لم يُفتن بالدجال"
سؤال للشيخ :أحسن الله إليك، هل يمكن ان يُقال اذا كان من حفظ العشر آيات يعصم من الدجال فكيف بمن حفظ القرآن كله ؟؟
الشيخ– بارك الله فيه- :نعم لا شك اذا كان ممَّن أكرمه الله -سبحانه وتعالى- بحفظ هذه العشر آيات والعناية بقراءتها التدبر لمضامينها ودلالاتها كانت عصمة له من فتنة المسيح الدجال بكيف بمن كان حافظا لكتاب الله كله يُحسن قراءته وتدبُّره وتأمله، فهذا لا شك اعظم في باب العصمة والأمنة من فتنة المسيح الدجال ومن  الشرور وكتاب الله  -سبحانه وتعالى- وما فيه من هدايات يحقق للمرء كل خير وأمنة وعز في الدنيا والآخرة وكتاب الله يُحقق كل وخير وعز في الدنيا والآخرة.
وأيضا فيما يتعلق بسورة الكهف ورد مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ الكهف يوم الجمعة أضاء له نور ما بين الجمعتين))أو كما جاء في الحديث والحديث ورد من طرق وجاء بأسانيد  ضعيفة   بعض العلماء قوى هذه الأسانيد باعتبار أن بعضها يشد بعضا ويقوى بعضا وايضا ورد فيه بعض الآثار ، ولهذا أكثر اهل العلم استحبُّوا قراءتها يوم الجمعة -قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
 قال -رحمه الله تعالى-: الْمُسَبِّحَاتُ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ))
ثم قال (رحمه الله تعالى): المسبحات
المسبحات اي السور المبدوءة بالتسبيح والتي جاءت بعد الحواميم وهي ستسور بُدأت بالتسبيح ثلاث منها جاء ذكر التسبيح في أولها  بصيغة الماضي (سبَّح) وهي سورة الحديد والحشر والصف، واثنتان منها جاء ذكر التسبيح منها بصيغة المضارع (يُسبِح)  وهما سورة الجمعة والتغابن، وواحدة منها جاءت فيها  بصيغة الامر (سبِّح) وهي سورة الاعلى فهذه السور الست تسمى المسبحات، ولا يدخل في المسبحات سورة الاسراء  وهي مبدوءة بالتسبيح بقوله:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ لأن المراد بالمسبِّحات التي جاءت بعد الحواميم، وسيأتي معنا قريبا ما يشهد لذلك ويدل عليه .

أورد -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة عن العرباض بن سارية، قال : ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ ) أي في بيان الحامل له على القراءة لهذه المسبحات قبل أن يرقد، يَقُولُ: إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ: وأهل العلم اختلفوا في تعيين هذه الآية  وذكروا اشياء في تعيينها عن طريق الاجتهاد والتأمل :
• فبعضهم قال أن المراد بالآية قول الله عز وجل في سورة الحشر: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَاالْقُرْ‌آنَعَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَ‌أَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾
• وبعضهم قال وهو الامام بن كثير في تفسيره قول الله عزوجل :﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ‌ وَالظَّاهِرُ‌ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
• وبعضهم قال هي الآياتالمبدوءة نفسها المبدوءة بالتسبيح.
• وبعضهم قال إنها اخفيأمرها مثل غيرها من الامور العظيمة مثل اخفاء الساعة واخفاء ليلة القدروأشياء من هذا لقبيل
و هذا الحديث لو صحَّ لدلَّ على هذه الفضيلة فضل قراءة هذه المسبحات قبل النوم، قال:((كان يقرأ المسبحات قبل ان يرقد))  لكن الاسناد فيه : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بِلالٍ ) وهومقبول ، والمقبول عند أهل العلم اذا لم يوجدله من يتابعه لم يحتج بما تفرَّد به
والإمام النسائي أورد هذا الحديث في كتابه عمل اليوم والليلةمن طريق معاوية بن صالح عن بحير بن سعد به  وقال: قال معاوية ((أن بعض أهل العلم  كانوا يجعلون المسبحات ستا ،سورة الحديد والحشر ، والحواريين -أي سورة الصف- والتغابن والجمعة وسبِّح اسم ربك الاعلى)
وأيضا سياتي ما يدل على أن المراد بالمسبحاتهي هذه الستة وان الإسراء لا تدخل في المسبحات.
القراءة التي تسمعونها من الشيخ عبد الرحمن [قارئ المتن] اعتمدوها ، إن شاء الله هي الصواب.
قال- رحمه الله تعالى-:اذا زلزلت
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ الر» فَقَالَ الرَّجُلُ: كَبِرَتْ سِنِيَّ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي، وَغَلُظَ لِسَانِي قَالَ: «اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ حم» فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى قَالَ: «اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ» فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي سُورَةَ جَامِعَةً قَالَ: " فَاقْرَأْ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ))
ثم قال -رحمه الله - :اذا زلزلت:  أي ما ورد في فضل هذه السورة سورة الزلزلة فأورد حديث  عبد الله بن عمر بن العاص-رضي الله عنهما- قال : (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ)): أي اراد ان يُقرِأه آيات يستمسك بها  ويحفظها و يحافظ على قراءتها.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ الر: أي من السور المبدوءة بهذه الحروف الثلاثة المقطَّعة وهي خمس سور، والمراد بقوله ثلاثا اي ثلاث سور.
 فقال الرجل، فَقَالَ الرَّجُلُ :كَبِرَتْ سِنِيَّ ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي ، وَغَلُظَ لِسَانِي: قلبي اشتدّ يعني اصبح قلبي ليس عنده قدرة وتمكن  من  الحفظ ليس عندي قدرة على ذلك.
وَغَلُظَ لِسَانِي: أي في لساني ثقل يضعف عن ذلك يقول ذلك معتذرا لأنه لا يتمكن بسبب الكبر واشتداد قلبه وغلظ الليان،فارشده الى ما هو اقل من ذلك كمّا
قَالَ :قَالَ: اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ حم: وهي سبع سور
فَقَالَ الرجل  مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى ، قال:  كَبِرَتْ سِنِيَّ ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي ، وَغَلُظَ لِسَانِي
قَالَ :اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ:  اي المبدوءة بسبح او التسبيح  وهي ستة سور وهذا الحديث واضح ان سورة الاسراء ليست داخلة في المسبِّحات وان ما مر معنا من قول معاوية بن صالح احد رواة الحديث المتقدِّم حديث العرباض بن سارية أن المسبِّحات عند اهل العلم هي ست سور وليس منها سورة الاسراء، فالمراد بالمسبحات أي السور المبدوءة بالتسبيح والتي جائت بعد الحوامِّيم
قَالَ :اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ: أي قال : كَبِرَتْ سِنِيَّ ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي ، وَغَلُظَ لِسَانِي
ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ :وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي سُورَةَ جَامِعَةً
فقَالَلهالنبي عليه الصلاة والسلام  فَاقْرَأْ : إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ منها.
اشير هنا الى لطيفة انقدحت في ذهني ،الامام بن باز- رحمة الله عليه- في كتابه العظيم المبارك الذي ألَّفه لعوام المسلمين وأسماه الدروس المُهمة لعامة الامَّة،  لمَّا وجّه في اول الكتاب في الدرس الأولالى حفظ الفاتحة وقال : وأن يحفظ معها ما تيسَّر من قصار السور، ثم عيَّن -رحمه الله- قال :من الزلزلة الى الناس-. وهذا القدر عندما يُرشد العوام الى ان هذا القدر فيه كفاية  لهم وأن يضبط هذه السور بدءا من الزلزلة الى  سورة الناس ولعل الحديث هذا  فيه اشارة الى المعنى الذي ذكره الإمام بن باز -رحمه الله-بدءا من هذه السورة الى سورة النَّاس يحرص العامِّي على ضبطها وتكون كافية له بحيث يقرئها قراءة متقنة ويحفظها حفظا متقنا.
واذا قيل للعامِّي ان المطلوب منك من الزلزلة الى النَّاس وهذا يكفيك تعظم عنايته بها  ويكون جلوسه لضبطها ليس طويلا حتى وإن كان في ضعف او ثقل في لسانه او نحو ذلك ثم يقال له من بعد ذلكإن شئت المزيد فالباب واسع لكن هذه السور من الزلزلة الى الناس ينبغي ان تعتني بها عناية خاصَّة من الزلزلة الى الناس.
وكتاب الإمام بن باز هذا الدروس المهمة لعامة الأمة كتاب مبارك وعظيم النفع والشيخ -رحمه الله عليه- كان ذا عناية به الى آخر حياته حتى إنه في السنة التيمات  فيها- رحمة الله عليه- طُبع طبعة فيها بعض الزيادات وبعض التنقيحات والتعديلات وهو كتاب مفيد وقد يسَّر الله لي كتابة شرح على كتابه وهو الآن في المطبعة نسأل الله الكريم ان ييسر طبعه و الإفادة منه كما يسر الافادة من أصل كتاب الشيخ -رحمة الله عليه-

قَالَ: فَاقْرَأْ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا: الرجل قال أقرئنى سورة جامعة -هذا المطلوب-والنبي عليه الصلاة والسلام اقرأه هذه السورةالجامعة،و قد جاء في الحديث ان النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الحُمر الاهلية هل فيها زكاة؟  قال: ((لم ينزل علي فيها شيء الا هذه الآيةالفاذَّةالجامعة﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها فاذَّة وأنها جامعة.
ومعنى فاذّة :أي قليل مثيلها ونظيرها،فاذَّة اي  متفردة
ومعنى جامعة:  أي جمعت الخير كله
ولما قَالَهذا الرَّجُلُ :لا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا: لم تكن  حالهم مع سور القرآن مجرَّد الحفظ  بدون الفهم فعندما يقول هذا الرجل: (لا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا) أي قراءةً وعملاً بما دلت عليه ومن لم يزد عليها فإن هذه الآية جمعت الخير كله﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
فمعنى قوله لا أَزِيدُ عَلَيْهَا:يعني ان اعمل الخير واتجنب الشر مقتصرا في القراءة على هذه السورة معتنيا  بعمل الخير وتجنب الشر والبعد عنه
ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ:


الرويجل ليست تصغير رجل وانما تصغير راجل وهو من يمشي على رجليه، الرجل مشى وذهب على رجليه مدبرا ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِل، والتصغير له اغراض ومن أغراض التصغير التمليح:فيقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ)) أي إن التزم بهذه السورة وما دلَّت عليه
وكما قدمت في هذا  الحديث دلالة على أن من وفَّقه لحفظ سورة الزلزلة  وايضا ما بعدها من السورالى سورة الناس مع العناية بسورة الفاتحة وواظب على قراءة هذه السور واعتنى بفهمهافانه من المُفلحين اذا وفَّقه الله الى فهم هذه السور والعمل بها فانه من المفلحين الناجِّين الفائزين يوم القيامة .

ولهذا حقيقة  أجدها مناسبة أن اقولليت المساجد يُخصَّص فيها مقارئ خاصة بهذه السور ينتهي الدارس بالزلزلة، ثم بعد ذلك له ينتقل –إذا أراد- الى حلقات اخرى او مثل هذا الصحابي : ((لا أزيد عليها ابدا))له ذلك ، يكتفى بذلك ، وتكون هذه القراءة  لهذه السور عن حفظ جيد ومتقن، وعن أيضاً تفهيم لهذه المعاني والدلالات بحيث يلتحق بتلك الحلق في خلال شهر او شهرين او ثلاثة لأن حقيقة كثير من العوام حتى الفاتحة لا يتقنها وربما يظن الكثير منهم ان المطلوب منه القرآن كله فيستثقل ، لكن لما تخصص مقارئ خاصة بهذه السور بدءا  من الزلزلة الى الناس مع فاتحة الكتاب ، وتكون للعوام ولكبار السن ويُشجَّعون على الالتحاق بها أرى ان في ذلك خيرا عظيما وفائدة كبيرة وهذا الذي أشرت إليه اتمنى ان يكون هناك تعاون على نقله وتحقيقه فان فيه خيرا عظيماً لعوام المسلمين والله جل وعلى  الموفق وحده لا شريك له.
والحديث اسناده حسن

قال- رحمه الله تعالى-:قل ياأيها الكافرون
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] حَتَّى خَتَمَهَا قَالَ: «قَدْ بَرِئَ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ» ثُمَّ سِرْنَا فَسَمِعَ آخَرَ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فَقَالَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ))

ثم قال -رحمه الله تعالى- :قل ياأيها الكافرون أي ما ورد في فضل هذه السورة، وقد جاء عند الترمذي -رحمه الله تعالى-في جامعه انها تعدل ربع القرآن وقد جاء هذا في أحاديث يقوي بعضها بعضا.
و((قل يا ايها الكافرون)) ورد قراءتها في ركعتي الطواف ، وهذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث جابر في صحيح مسلم وغيره، كان يقرأ  في ركعتي الطواف في الاولى ب ((قل يا ايها الكافرون)) والثانية : ((قل هو الله احد)).
وايضا جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مشروعية قراءتها في اليوم والليلة ،وما وقفت عليه من أحاديث في هذا الباب تدل على مشروعية قراءتها في اليوم والليلة اربع مرات :
1.    مرة -كما ثبت في صحيح مسلم - ان تقرئ في ركعتي الفجر
2.    وايضا ثبت في المسند بإسناد صحيح قراءتها في سنَّة المغرب
3.    وثبت في حديث نوفل بن أبى فروة رضي الله عنه قراءتها عند النوم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ﴿قل ياايها الكافرون﴾ ثم نم على خاتمتها))
4.    وأيضا ورد قراءتها في الشفع والوتر
فهذه أربع مواضع يشرع فيها قراءة﴿قل ياايها الكافرون﴾  في كل يوم وليلة
أورد المصنف -رحمه الله-هذا الحديث عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم   قَالَ:((كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ حَتَّى خَتَمَهَا ، قَالَ : قَدْ بَرِئَ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ))الله اكبر ، فهذه السورة تبرئ قارئها من الشرك بالله، ولكن لابد ان تكون هذه القراءة عن فهم وعقل للمراد وإيمان بما دلَّت عليه من توحيد واخلاص لله سبحانه وتعالى فمن قرأها كانت براءة له من الشرك
ولهذا جاء في حديث ابي داوود في حديث نوفل بن ابى فروة -رضي الله عنه-قراءتها عند النوم قال له النبي صلَّى الله عليه وسلم ((﴿قل ياايها الكافرون﴾ ثم نم على خاتمتهافإنها براءة لك من الشرك))اذا قرأ المسلم ﴿قل ياايها الكافرون﴾ اذا آوى الى فراشه وجعلها في خاتمة اذكاره ونام على خاتمتها كانت له براءة من الشرك واذا قُبض من ليلته قبض بريئاً من الشرك كله من فضل الله تعالى.
ولهذا كثير من العلماء يسمي سورة الكافرون (المقشقشة) روى ذلك بن ابي حاتم في تفسيره عن زرارة بن أوفى قال:إنها المقشقشة، والمقشقشة هي التي تقشقش الشرك وتبرئ المرء منه معنى المقشقشة أي المبرِّئة لصاحبها من الشرك
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾
فهذه الآيات العظيمة كلُّها آياتتوحيد واخلاص لله -تبارك وتعالى- وبراءة من الشرك وخلوص منه ؛ ولهذا ينبغي على من يكرمه الله بقراءة هذه السورة في  صلاته او عندما يأوي الى فراشة ان يحرص على تدبر المعاني وما دلَّت عليه من توحيد واخلاص، فإن هذه القراءة مع التدبُّر تجدد التوحيد والايمان وتجدد الاخلاص وهذه فائدة قراءة القران وقراءة الاذكار المشروعة المأثورة عن النبي الكريم  صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
قوله في هذه السورة ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ ثم من بعد ذلك قال ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾
قوله  لَا أَعْبُدُ: هذا نفي للفعل وهي عبادة غير الله براءة من ذلك وخلوص منه
قوله ﴿لاأَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ هذا نفي للفعل
قوله فيما بعدها ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ﴾هنا جملة اسمية والنفي هنا للقبول ،فهو لا يفعل ولا يقبل هذا العمل ولا يرضى به ،هفذا فيه تأكيد البراءة من الشرك لأن الجملة الاسمية أبلغ في النفي ،فالأولى نفي للفعل والثانية نفي لقبول ذلك والجملة الاسمية ابلغ في النفي.
الحاصل ان هذه السورة العظيمة سورة الكافرون فيها البراءة براءة قارئها-قراءة بفهم وتحقيقا لما دلت عليه- فيها براءة من الشرك قال النبي صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَرِئَ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ .

ثُمَّ سِرْنَا ، فَسَمِعَ آخَرَ يَقْرَأُ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ غفِرَ لَهُ : وهذه فضيلة لسورة الاخلاص وأنها من موجبات غفران الذنوب وحط الأوزار.
 والسورتان- وقد جمع بينهما في هذا الحديث - كلتاهما تسميان سورة الاخلاص- هذه سورة الاخلاص وهذه سورة الاخلاص - لأن كل من السورتين أُخلصت في التوحيد لكن الاولى وهي سورة الكافرون أُخلصت في التوحيد العملي والثانية أُخلصت في التوحيد العلمي.

وينبغي ان نعلم أن التوحيد الذي خلقنا الله لأجله واوجدنا لتحقيقه نوعان:توحيد عملي وتوحيد علمي ، والله خلق الخلق لهذين التوحيدين العملي والعلمي:
الله عز وجل يقول:﴿وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون﴾وهذا عمل
ويقول جل وعلى في خاتمة سورة الطلاق: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّيَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾لماذا ؟؟؟؟ ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾
الاولى:  خلق لتعبدوا ، الثانية: خلق لتعلموا ، فالله خلق الخلق للعلم والعمل
•    للعلم بالله واسمائه وصفاته وجلاله وعظمته وكماله وان يوحَّد سبحانه وتعالى بذلك وسورة (قل هو الله أحد)أخلصت لذلك
•    وخلق الخلق ليعبدوه أي ليفردوه بالعبادة والذل وان لا يشركوا به احدا وسورة (قل يا أيها الكافرون)اخلصت لذلك

فهاتان السورتان فيهما الاخلاص لله في التوحيدين العلمي والعملي وهذا من اجله الحكمة في قراءتهمامعا في مواضع متكررة في يوم المرء وليلته يقرأ هاتين السورتينمعا  ليحقق التوحيد بنوعيه العملي : في سورة (قل يا ايها الكافرون) والعلمي في سورة: (قل هو الله أحد)
وكلنا نعرف قصة ذلك الصحابي الذي كان يقرأ في الصلاة ويختم ب (قل هو الله أحد) فالنبي صلَّى الله عليه وسلم لما قال: ((سلوهلأي شيء يفعل ذلك قال لأن فيها صفة الرحمن وانا احب الرحمن))
فسورة قل هو الله احد فيها صفات الرحمن واسمائه، ﴿قل هو الله احدالله الصمدلم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد﴾ ،لو قيل لاحد من هو الله فقرأ السورة لكان وافيا ، من هو الله ؟﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)﴾هذا هو الله سبحانه وتعالى،المتفرد بالكمال والجلال والعظمة عز وجل .

قال -رحمه الله تعالى-: سورة الاخلاص

أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ السُّورَةُ يُرَدِّدُهَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ رَجُلًا قَامَ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّحَرِ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، كَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَلَّلُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنَ))


ثم قال -رحمه الله- سورة الإخلاص أي ما ورد في فضل هذه السورة، وسورة الاخلاص من أكثر سور القران وروداللفضائل لها ، بل لم يصح في فضائل سورة  مثلما ما صح في فضائل هذه السورة - سورة الاخلاص - لأن جاء فيه احاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها هذا الحديث

 قال عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا عنعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ ، يعنى هذا التردد  قد جاء مصرحا في بعض  الروايات ((عن مالك  عنعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ))

قَالَ :أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، قَالَ : " قَامَ رَجُلٌ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَرَأَ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
، السُّورَةُ:أي الى تمامها
يُرَدِّدُهَا ، لا يَزِيدُ عَلَيْهَا:يقرأ وإذا ختم عاد إلى  السورة يقرئها ويكررها الليل كله لا يزيد عليها ابدا

  فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ، قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ رَجُلا قَامَ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّحَرِ ، فَقَرَأَ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، لا يَزِيدُ عَلَيْهَا ،  كَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَلَّلُهَا : أي يرى انها قليلة

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنَ :
والعلماء ذكروا معاني كثيرة في وجه كونها تعدل ثلث القرآن، ومن أوضح ذلك ان القرآن في مضامينه عموما ثلاثة اقسام:

1    - قسم قصص
2    - وقسم احكام ، اوامر ونواهي
3    - وقسم توحيد ، وهو اعظم هذه الاقسام  وسورة الاخلاص أُخلصت لذلك ليس فيها شيء الا توحيد الله سبحانه وتعالى

وهذا يفيدناأو يدلُّنا الى المعنىالذي سبق الاشارة اليه وهو أن سور القران وآياتهمتفاضله وان التفاضل عائد الى   المعاني و الكلام المشتمل علىتلك المعاني وان كلام الله سبحانه وتعالى عن نفسه افضل من كلامه سبحان عن غيره فليست ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في الفضل مثل (تبت يدا ابي لهب وتب)،والقرآن كله فاضل وكله عظيم لكن سور القرآن كله متفاضله باعتبار المعاني التي اشتملت  عليها  ألفاظ سور القرآن، فسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ سورة أخلصت لبيان صفة الرب العظيم -سبحانه وتعالى- اخلصت لبيان أمر عظيم فهي تعدل ثلث القرآن.

واستمعوا الى هذه اللطيفة الجميلة:اراد عليه الصلاة والسلام أن يغرس هذا المعنى ان ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾تعدل ثلث القرآن،  فجاء في صحيح مسلم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((احشدوا الناس –اجمعوهم- فحشد من حشد واجتمع من اجتمع فقال لهم عليه الصلاة والسلام:سأقرأ لكم ثلث القرآن في ليلة احشدوا سأقرأ ثلث القران في ليلة فحشدوا واجتمع من اجتمع، فلمَّا اجتمعوا قرأ عليه الصلاة والسلام ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ودخل بيته وهو حشدهم ليقرأ لهم ثلث القرآن في ليلة، فقرأ قل هو الله احد ودخل بيته عليه الصلاة والسلام ((قالوا لعله اوحي اليه بشيء)) لانهم كانوا ينتظرون أن يقرأ ثلث القرآن، ثم رجع عليه الصلاة والسلام  اليهم فقال:((الا  انها تعدل ثلث القرآن))

أيضا لطيفة اخرى أرويها اليكملما فيها من فائدة : في هذا المسجد على اثر أحد الدروس جاءني رجل كبير السن من احدى الدول كان جاء زائرا مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاءني بعد الدرس وقال لي : انا ما عندي الَّا ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾والحمد لله يقول: اقوم فيها من الليل الذي ييسره الله مرة ساعتين، مرة ساعة ونصف، ساعة ،  ما يقل عن ذلك ، ثم بكى الرجل وقال : والله ما عندي غيرها ولو عندي غيرها لقرأتها، قلت:  يا اخي هنيئا لك والله، فيه أناس كثير في صدورهم القرآن كله ولا يقومون ولا عشر دقائق، وانت ما عندك الا ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾فقط  وكل ليلة تقوم فيها ساعتين  او ساعة ونصف ثم ذكرت له هذا الحديث وكيف أن الصحابة بعضهم تقالّ هذه السورة  فقال النبي عليه الصلاة والسلام ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنَ))

قال رحمه الله تعالى: فضل الْمُعَوِّذَتَيْنِ

أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ))

ثم ختم  -رحمه الله تعالى- فضل هذه الاحاديث في فضال السوربفضل المعوذتين  وهما: ﴿قل اعوذ برب الفلق﴾ و﴿قل اعوذ برب الناس﴾
وهاتان السورتان هما افضل ما تعوَّذ بهما متعوِّذ كما جاء في هذا الحديث (لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ))،شأنهما عظيم وحاجة العباد الى التعوذ بهما حاجة ماسَّة وضرورة العباد الى التعوذ بهما ملحَّة حتى أن الإمام بن القيم -رحمه الله تعالى- قال وهو يتحدث عن عظم شأن التعوذ بهما ((قال أن حاجة العباد الى التعوذ بهما اشد من حاجتهم الى النفَس والطعام والشراب واللباس))

وقال -رحمة الله عليه-: ((أن لهما تأثيرا خاصا وعظيما في السلامة من السحر والعين والحسد والشرور))،  ولهذا ينبغي أن تكون عناية عظيمة بهاتين السورتين والمواظبة  على قراءتهما، لا سيما ما جاءموظَّفاًفي اليوم والليلة مثل أدبار الصلوات ومثل في الصباح والمساء ومثل أدبار الصلوات وعند النوم فيقرئها فينفث ويمسح فيعتنى بذلك وليعلم أن حاجته الى هذا التعوذ والمواظبة عليه أشد من حاجته الى النفس والطعام والشراب واللباس، وليعلم ان فيها خاصية وتأثير عظيم جدا الوقاية والسلامة من العين والسحر والحسد وأنواع الشرور.

اورد المصنف رحمه الله تعالى تحت هذه الترجمة حديث  عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ : الْمُعَوِّذَتَيْنِ))

لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ : الْمُعَوِّذَتَيْنِ: فهذا فيه فضل هاتين السورتين وعظَم شأنهما وانهما أعظم ماتعوَّذ به متعوذ وينبغي على كل مسلم ان يعنى بهما وان يعنى ايضا بتنشئة اولاده على التعوذ بهاتين المعوذتين ﴿قل اعوذ برب الفلق﴾ و﴿قل اعوذ برب الناس﴾


والامام بن القيم -رحمه الله تعالى -له شرح نفيس جداً لهاتين السورتين جعله في ضمن كتابه إعلام الموقعين وطُبع هذا الشرح مفردا هو شرح ملئ بالفوائد والنفائس وفيه حقيقة قواعد عظيمة جداً في الخلاص من العين والاسباب المعينة على السلامة من السحر وأنواع  الشرور كتاب عظيم ونفع الله سبحانه وتعالى به خلقا من عباده انصح حقيقة بقراءة هذا الكتاب وخاصة من كان مبتلى بشيء من هذه الأمور أن يقرأ هذا الكتاب بتمعُّن فانه بإذن الله -سبحانه وتعالى- سيجد ما فيه الكفاية والشفاء بإذن-الله سبحانه وتعالى-لأنه يُعين على تحقيق هذا التعوذ التي اشتملت عليه هاتان السورتان.

اختم مجلسنا هذا بفائدة انقلها عن الإمام بن القيم رحمه الله تعالى من كتابه المنار المنيف في التمييز بين الصحيح والضعيف فيما يتعلق بفضائل السور وما ورد فيها من أحاديث ذكر خلاصة مفيدة -رحمة الله عليه- قال:
((والذي صح في أحاديث السور:
-  حديث فاتحة الكتاب وانه لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور مثلها
-  وحديث البقرة وال عمران وانهما الزهراوان
-  وحديث اية الكرسيوانها سيدة أي القران
-  وحديث  الآيتين من اخر سورةالبقرة انهما من قرأهما في ليلة كفتاه
-  وحديث سورة البقرة لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان
-  وحديث العشر آيات من سورة الكهف من قرأها عصم من فتنة الدجال
-  وحديث (قل هو الله أحد) وأنها تعدل ثلث القران ولم يصح في فضائل سورة مثلما صحفيها
-  وحديث المعوذتين وانه ما تعوذ المتعوّذون بمثلهما وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ)) ثم قرئهما

ويلي هذه الاحاديث وهي دونها في الصحة:
-  حديث اذا زلزلت وانها تعدل نصف القران
-  وحديث قل يا أيها الكافرون وهي تعدل ربع القران
-  وحديث تبارك الذي بيده الملك وهي المنجية من عذاب القبر

ثم سائر الأحاديثبعده، كقوله من قرئ سورة كذا اعطي ثواب كذا فموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم



نسأل الله الكريم ان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وأن يصلح لنا شأننا كله وان لا يكلنا الى أنفسنا طرفة عين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة امرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات،اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكِّاها انت وليها ومولاها، اللهم اقسم لنا من خشيتك  ما يحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ، ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احيتنا واجعله الوارث منا ،واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك واتوب اليك اللهم صلَّى على رسولك عبدك ونبيك  محمدوآله وصحبه



(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق