السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الأول


بسم الله الرحمن الرحيم


شرح كتاب


فضائل القرآن

من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي

(رحمه الله)


للشيخ عبد الرزَّاق البدر

(بارك الله فيه وفي علمه)


الدرس الأول

كيف نزول الوحى




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمَّد عبده ورسوله ، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم لا علم لنا إلَّا ما علمتنا ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وأصلح لنا شأننا كلَّه ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد ،

فشهرنا شهر رمضان شهر القرآن، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ...﴾[البقرة:185]، ولعل من التوفيق -إن شاء الله-أن نعيش مع (فضائل القرآن) وذلك أن فضائل الشيء -أيشيء كان- تدعو العبد إلى عظيم العناية به والمواظبة عليه وادراك قيمته ومكانته العظيمة.فكم نحتاج إلى ان نقرأونقرأ في فضائل القرآن لنزداد عناية بهذا الكتاب العظيم ،تلاوة لآياته، وتدبراً لمعانيه وعملاً به محققين قول الله عزوجل ﴿آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ...﴾ [البقرة:121]، فإن من اعظم ما يعين على تحقيق ذلك: معرفة فضائل هذا الكتاب العظيم ، وأهل العلم -رحمهم الله تعالى- كتبوا في ذلك كثيرا ،كتابات مفردة ،وكتابات مضمَّنة للكتب الجامعة .

ومن أقدم من ألف الفضائل فيما ذُكر الإمام الشافعي-رحمه الله-  فذُكر في مؤلفاته منافع القرآن وكذلك الإمام أبو عبيد القاسم بن سلَّام ، وابن الضُّريس و آخرين من اهل العلم.ومن أهل العلم من جعل كتابته عن فضائل القرآن ضمن الكتب الجامعة كالصِّحاح والسُنن والجوامع ومن هؤلاء الإمام النسائي-رحمه الله تعالى- حيث خصَّ فضائل القرآن بكتاب ضمن كتابه (السنن الكبرى).


ومن العلماء المتأخرين الذين كتبوا في الفضائل فاحسنوا وأجادوا الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-فله كتاب قيم جدَّا  في الفضائل ،وقبل أربعة أعوام  تحديدا  يسَّر الله لنا  قراءته في مثل  هذا الوقت  من شهر رمضان  المبارك ومذاكرة  ما احتوى عليه من فوائد  عظيمة وفضائل كريمة  ومنافع متعددة .





وبين أيدينا رسالة مستخلصة أو مُستلَّة من السنن الكبرى للإمام النسائي-رحمه الله تعالى- ولذا نبَّهت أن كل من امتلك هذه النسخةأن يكتب عليها ما يدل على ذلك:(كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى) حتى لا يُظن أن هذه الرسالة مُؤلف مُفرد للإمام النسائي-رحمه الله تعالى .

وأسأل الله عزوجل  أن يَمُن علينا في هذا الشهر المبارك  بالعناية بهذا الكتاب العظيم  قراءة وتدبرا وعملا وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصَّة وأن يزيدنا  بالقرآن هدى وإيمانا وتُقى﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾[التوبة:124]، فنسأل الله عزوجل أن يرزقنا –أجمعين- زيادة الإيمان وطعمه وحلاوته وأن ييسر لنا اغتنام خيرات هذا الشهر وبركاته ، وأن يجعلنا من عُتقائه من النار ،وأن يصلح لنا شأننا كله ،وألا يكلنا إلى أنفسنا  طرفة عين إنه -تبارك وتعالى- سميع قريب مجيب ، ونشرع مستعينين بالله تعالى  مستمدين العون والتوفيق منه في قراءة هذه الرسالة أو فىفي قراءة هذا الكتاب من السنن الكبرى  للنسائيفي فضائل القرآن الكريم


المتن:بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام  على عبده  ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:

قال الإمام النسائي-رحمه الله تعالى-في كتابه  السنن الكبرى ، كتاب فضائل القرآن:

ثَوَابالْقُرْآن:

1 - كيف نزول الوحى

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا"


قال النسائي-رحمه الله تعالى- :"كتاب فضائل القرآن":هذا الكتاب خصَّه -رحمه الله  تعالى-في بيان فضائل كتاب الله -عز وجل- وما يتعلق بنزول القرآن  من حيث إثبات نزوله وأول نزوله وكيف نزل على  الرسول الكريم ﷺ، وصفة النزول ثم تعداد الفضائل للقرآن عموما،ولسوره أو آياته على وجه الخصوص ، فهو أفرد هذا الكتاب فيما يتعلق بالقرآن الكريم، والنسائي-كما هو معلوم-  له -رحمه الله تعالى- هذا الكتاب السنن  الكبرى ،وأيضا الكتاب المجتبى من السنن، على خلاف  بين أهل العلم في من اجتباه؟  هل هو النسائي نفسه أم تلميذه بنالسني-رحمهم الله تعالى-


وقيل في قول من قال إن المجتبى للنسائي نفسه -رحمه الله- أن اجتباءه له باختيار الصحيح وجمعه لكن بالتأمل تجد أن في السنن الكبرى أحاديث صحاح كثيرة ليست في المجتبى بل في السنن الكبرى كتب ليست في المجتبى عديدة من بينها هذا الكتاب (كتاب فضائل القرآن)  بما اشتمل  عليه من أحاديث كثيرة جلُّها صحاح  ثابتة عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلاموهذا الكتاب  ليس في المجتبى وثمة كتب أخرى  في السنن  الكبرى تقارب من العشرين  كتابا ليست في المجتبى ، فالحاصل أن كتاب السنن للإمام النسائي-رحمه الله- كتاب حافل  وجامع ، وأيضا تميَّز بدقة التبويب وحُسنه وإتقانه مما يدل على عظيم فقهه وجميل استنباطه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا ترى الحديث الواحد  قد يتكرر في مواطن عديدة عشر مرات أو اكثر بحسب ما يستنبطه منه -رحمه الله تعالى- من معانى أو أحكام أو هدايات وهذا من دلائل فقهه - رحمه الله تعالى-


قال:كتاب فضائل القرآن :

ثواب القرآن:وهذا سيأتي ما يتعلق بثواب القرآن وهو من جملة الفضائل - من جملة فضائل القرآن  ما يترتب على العناية  به من  ثواب عظيم وأجر جزيل - سيأتيفي أبواب خاصة اوردها -رحمه الله تعالى-

قال :"كيف نزول الوحى":أي على الرسول -صلى  الله عليه وسلم- وتحت هذه الترجمة بيَّن الكيفية - كيفية ما يتعلق بالنزول كما سيأتيفي أحاديث لاحقة ساقها –رحمه الله تعالى-  وأيضا بين ما يتعلق بمدة النزول :متى بدأ الوحى ومتى توقف الوحى ، وما هي مدة نزوله ، وأيضا صفة نزوله على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .

قال:"كيف نزول الوحى" :والنزول من أعلى  ونزول الوحى أي من الله ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193)عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾ [الشعراء]، نزول الوحى أي من الله  على نبيه صلى الله عليه وسلم أي بواسطة الرسول الملكي: جبريل عليه السلام فهو الواسطة في نزول الوحى،  يسمع من الله وينزل بما سمع إلى نبيه ومُصطفاه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.





أورد عن عائشة وبن عباس رضى الله عنهم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا))، ومن المعلوم أن بدء نزول الوحى على نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام كان على رأس أربعين سنة من عمره عليه الصلاة والسلام،وقد عاش ثلاثا وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه، منها بعد الوحى ثلاث عشرة سنة بمكة وعشر سنوات بالمدينة مجموعها ثلاثة وعشرين سنة ، فقوله وقولها رضى الله عنهم: ((لبث بمكة عشر سنين)) محمولٌ عند أهل العلم على إلغاء الكسر، وإلَّا فهي ثلاث عشر سنة بمكَّة، وعشر سنوات بالمدينة .



أخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلَهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة))

ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ((مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلَهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ))

أعطى من الآيات:أى ما يكفي لإقامة الحجة وإبانة المحجَّة وإقامة البرهان على صدق الرسول وصدق ما جاء به فما بعث  الله من نبي إلا  وأيَّده بالبراهين والحُجج التي تدعو  كل ذي عقل ولُب إلى تصديقه والإيمان به  وهى حُجج قوية وبراهين ساطعة كافية للإيمان به والتصديق ، ولهذا قال:((أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلَهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ))أي: انها كافية ، فيإثبات صدقه وصدق ما جاء به  وأنه مُرسل حقا من رب العالمين ، ولكن الآيات ما تغنى،  من كان مُعرضا، مُنصرفا ،غير مُقبل ، وإنما تنفع الآيات من أراد الله سبحانه وتعالى هدايته فإنها تنفعه وتدعوه إلى تصديق الرسول والإيمان  بما جاء به .


قال: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلَهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ)) : أي هذا القرآن المعجز الخالد ، فالقرآن آية عظيمة على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ،  وليس معنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام لم يؤت من الآيات إلا القرآن، فقد أوتى آيات كثيرة ، بل ما تفرق من الرسل اجتمع عنده  بل ما هو أعظم،  فإذا كان نبع الماء من الحجر  لبعض الأنبياء آية عظيمة فإن نبينا عليه الصلاة والسلام نبع الماء من بين أصابعه وهذا أعجب وأعظم ،لأن نبع الماء من الأرض وخروجه من الأرض من بين الحجارة في الجملة أمر معهود، أما نبع الماء من بين الأصابع هذا أعظم وأعجب، فنبينا عليه الصلاة والسلام أعطاه من الآيات والحُجج والبراهين المؤيِّدة له والدالَّة على صدق ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه ما لم يعط الرسل بل ما هو أعظم؛ لأنه سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام ، وخير النبيين والمرسلين-صلوات الله وسلامه عليه.


فقوله : ((وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ)):فيه عظم شأن  القرآن فيه عظم شأن القرآن  وأن هذا القرآن آية باهرة لهداية الخلق ومعرفة الحق وإبانة السبيل ، وكم من الخلق منَّ الله –سبحانه وتعالى- عليهم بالهداية بما رأوه في هذا القرآن من إعجاز عظيم ، وحُجج باهرة ، وآيات ساطعة دالة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.


قال: ((وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة)): وهنا تميُّز بخلود هذه الآية وبقائها، خلود هذه الآية إلى آخر الزمان  إلى أن يرفع المصاحف ويعود كلام الله إليه فمنه بدأ وإليه يعود -سبحانه وتعالى-فهي باقية ؛ ولهذا لا يزال هذا الإهتداء الذى يشير إليه عليه الصلاة والسلام  وأن يكون أكثر الانبياء تابعا يوم القيامة متجددا مع تجدد الأيام  ببقاء هذه الآية العظيمة  الباهرة ، فلا يزال  إلى يومنا هذا  وأيضاً وما بعده الناس تهتدى بالقرآن وبما جعله الله فيه من حُجج عظيمة وإعجاز بليغ وتأثير على القلوب ، ولو أن الناس في العالم  من أهل غير هذا الدين  عرفوا هذا القرآن وزالت عن قلوبهم الحجب لدخلوا في دين الله أفواجا ، والله لو عرفوا هذا القرآن لدخلوا في دين الله أفواجاً ، ولسارعوا إلى الإقبال على هذا القرآن العظيم.

وقد ذكر لي أحد من له عناية بالدعوة قال ترجمنا تفسير الإمام بن سعدى –رحمه الله-  إلى إحدى اللغات، فجاءنا -ونحن في ذلك البلد-أحد أكابر المتخصصينفي الجامعات وبيده الكتاب -يقول - فظننا جميعا أنه جاء مُنتقدا ويستنكر ترجمة هذا الكتاب وإيجاده في بلدهم ، ففاجأنا،  قال: " أنا جئت أخبركم أنكم ظلمة" وذكر عبارات أخرى قاسية ،سألناه لماذا؟ قال عندكم هذا الكتاب ولا توصلونه إلينا إلا في هذا الوقت وكان سبب دخوله في الدين .


ولهذا هذا القرآن ينبغيأن يكون  هناك عناية عظيمة بإيصاله إلى البشر ترجمة لمعانيه وبيانا لهداياته وذكرا لمحاسن هذا الدين في ضوء هدايات القرءان وسنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ويتحمَّل جزءا كبيرا من هذه المسئولية أهل الألسنة من هذه البلدان ممن يحسنون الترجمة والنقل سواء بالصوت عبر الدروس والكلمات والوسائل الحديثة أو عبر الكتابات والتآليف.

قال :((فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة)): إشارة إلى بقاء هذه الحُجَّة كتاب الله عزوجل.



قال :أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيُّ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:  ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُعَالِجُ مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً))


أورد –رحمه الله-  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُعَالِجُ مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً)) أي يجد وقت نزول الوحي عليه ، صلوات الله وسلامه عليه شدَّة عظيمة لثقل الوحي كما في الآية الكريمة : ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً﴾ [المزمِّل:5]، فقد ذكر جماعة  من اهل التفسير أن هذا هو المراد بالثِّقل الذى وُصف  به وحى الله  -سبحانه تعالى- فكان عليه الصلاة والسلام  يُعانى من ذلك شدةً وقت نزول الوحى عليه صلوات الله وسلامه عليه وهذا من عظمة الوحي، جاء عن زيد بن ثابت  -رضى الله عنه- قال :((نزل الوحى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وفخذه على فخذي فكادت فخذي أن تُرَضّ)) من الثقل -ثقل الوحى- وهذا من دلائل عظمة هذا الوحى  الذى ينزل على الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلم.


جاء عن أم المؤمنين عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام نزل عليه الوحى وهو على ناقة ومعروف قوتها واحتمالها فوضعت جرانها من ثقل الوحى الذى نزل على الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهو على الناقة فما استطاعت أن تتحرك مع أنها تحمل الناس وتحمل الأثقال، فنزل عليه الوحى عليه الصلاة والسلام وهو على الناقة  فوضعت جرانها وهو  باطن العنق على الأرض ، وما استطاعت أن تتحرك، قيل هذا المراد بقول الله عزوجل  ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً﴾.

وقال جماعة من المفسرين :ثقيلا:أي العمل به- العمل بالقرآن- إلا لمن هوَّنه الله ويسره جلَّ في علاه ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:17]

قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُعَالِجُ مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً)) : أي يجد وقت نزول الوحى صلوات الله وسلامه عليه شدة عظيمة وهذا كله من دلائل عظمة هذا الكتاب  العظيم.



قال :أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((سَأَلَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ: فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ، وَهُو أَشَدُّهُ عَلَيَّ وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صُورَةِ الْفَتَى فَيَنْبِذُهُ إِلَيَّ))

ثم أورد عن حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام –رضي الله عنه- سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((كيف يأتيك الوحى؟)):  كيف ينزل عليك الملك بالوحي

قَالَ: فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ:والصلصلة هي صوت وقع الحديد بعضه على بعض، والجرس معروف وهو الجُلجُل الذى يعلق على عنق الدابة، فيقول النبي عليه الصلاة والسلامفي مثل صلصلة الجرسأىفى مثل الطنين -طنين الحديد- صوت الحديد.

قال :فَيُفْصَمُ عَنِّي:أيينجلي ويقلع عنى

وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ: أي جمعت ما قال وفهمته، مع أنه قد جاء عليه السلام على هذه الصفة ،  قال: (فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ) هذا صوته فيما يسمع عليه الصلاة والسلام ولا ينفصم عنه إلا وقد فهم ووعى وجمع كل ما نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام، بينما الذين حوله عليه -الصلاة والسلام -لا يسمعون هذا الصوت  وإنَّما يسمعون كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ((إذا نزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع دوى كدوى النحل )) هذا بالنسبة للحاضرين الذين حول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-  أما صوت الصلصلة الذى هو صوت طنين الحديد إذا وقع بعضه على بعض فهذا يسمعه النبي عليه الصلاة والسلام  إذا نزل عليه جبريل بالوحي.



قال: وَهُو أَشَدُّهُ عَلَيَّ : يعني أشد ما يكون الوحي عندما يكون نزوله بهذه الصفة.

قال :وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صُورَةِ الْفَتَى : يعنى وأحيانا يأتيه جبريل على صورة رجل

فَيَنْبِذُهُ إِلَيَّ: أي الوحي يلقيه جبريل إلى  النبي الكريم  صلوات الله وسلامه عليه وهذا أخف



أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَوَّارٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَلَقِيَ ذَلِكَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: ((خُذُوا عَنِّي قَدْ جُعِلَ لَهُنَّ سَبِيلًا :الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ))

ثم أورد -رحمه الله تعالى -هذا الحديث عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه في صفة وكيفية نزول الوحى  علىالنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

قال: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ : كرب  أي اغتم واهتم واشتد به الأمر صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من شدة الاهتمام و وعظيم العناية منه صلوات الله وسلامه عليه بالوحي والمسئولية العظمى التي تحمَّلها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

كُرِبَ لِذَلِكَ: أيأصابه الكرب والشدة

لِذَلِكَ:أي لعظم هذا الأمر المنزَّل -وحى الله تبارك وتعالى

قال :وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ: أي تغير وجهه إلى شيء يكون ما بين السواد والبياض ، يحصل تغير لوجهه من هذه الشدة  والكرب الذى يصيبه –صلوات الله وسلامه وبركاته عليه

قال:فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَلَقِيَ ذَلِكَ:يعنى لقي هذا الكرب  وهذه الشدة التي يجدها  عند نزول الوحى صلوات الله وسلامه عليه

فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ :مثل ما جاء فيالتي قبله ((فَيُفْصَمُ عَنِّي))فلما سرى عنه : أي انجلى وأقلع

قَالَ: خُذُوا عَنِّي :مبادرة لبيان هذا الذى أُنزل عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه  إبلاغ المنزَّل.

قَدْ جُعِلَ لَهُنَّ سَبِيلًا :إشارة لقوله تعالى: ﴿...حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾[النساء:15]،إما كذا او كذا ،  ثم بيَّن ذلك.

فقال:الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ: أي الزانية  والزاني الثيب ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ

الثَّيِّبُ جلد مائة رجم بالحجارة والبكر  بالبكر

الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ: وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ: فيما يتعلق بالبكر جاء حكمه في القرآن : ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور:2]،  فجاءت السنَّة بزيادة التغريب كما في هذا الحديث  إضافة إلى الجلد وهو ثابت فى القرآن، وجاء أيضا في هذا الحديث  إضافة الجلد إلى الرجم في حق الثيب وهى مسألة فيها خلاف قوى بين اهل العلم ،هل يكتفى  بالرجم  أو يرجم ويجلد قبل ذلك مائة، كما في حديث عبادة بن الصامت  -رضى الله عنه-

وقوله الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ:ليس المقصود أن هذا  الحكم خاصٌفي ما إذا كان زنا  ثيب بثيب مثله  والبكر ببكر مثله وإنما  هذا حكم للثيب ، حكم للثيب أن عقوبته الرجم مع جلدٍ  قبل ذلك كما في هذا الحديث مائة جلدة وعقوبة البكر الجلد مع التغريب سنة قال :( ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ)

الشاهد من الحديث :ما يجده النبي صلى الله عليه وسلم  من كرب وشدة  وقت  نزول الوحى عليه  صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.



أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو يُنَزَّلُ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ بِالْجِعْرَانَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ، فَأَتَاهُ الْوَحْيُ أَشَارَ إِلَيَّ عُمَرُ– رضي الله عنه- أَنْ تَعَالَ، فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي الْقُبَّةَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ قَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بِعُمْرَةٍ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللهِ: ((مَا تَقُولُفِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ؟ إِذْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغِطُّ لِذَلِكَ فَسُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَنِي آنِفًا؟ فَأُتِيَ بِالرَّجُلِ» فَقَالَ: «أَمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا، وَأَمَّا الطِّيبُ فَاغْسِلْهُ))


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالْجِعْرَانَةِ أَتَاهُ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ» فَقَالَ: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيَّ هَذَا، فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَسُجِّيَ بِثَوْبٍ، فَدَعَانِي عُمَرُ فَكَشَفَ لِي عَنِ الثَّوْبِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغِطُّ مُحْمَرًّا وَجْهُه))


ثم اورد رحمه الله هذا الحديث حديث يعلى بن امية -رضى الله عنه- قال: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو يُنَزَّلُ عَلَيْهِ: ليتني هذا تمني ،تمنى -رضى الله عنه-أن يرى  النبي صلى الله عليه وسلم والوحى ينزل عليه، والغرض من هذا المشاهدة والمعاينة للنبي صلى الله عليه وسلم والوحى ينزل عليه تقوية للإيمان وهذا من حرص الصحابة -رضى  الله عنهم وأرضاهم-

قال لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو يُنَزَّلُ عَلَيْهِأي ليتقوى إيمانه بهذه المشاهدة أي مشاهدة النبي عليه الصلاة والسلام والوحي ينزل وما يعاينه عليه الصلاة والسلام وقت نزول الوحي من شدة عظيمة .

قال:فَبَيْنَا نَحْنُ بِالْجِعْرَانَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ:أى وضعت له صلى الله عليه وسلم يستظل بظلها

فَأَتَاهُ الْوَحْيُ أَشَارَ إِلَيَّ عُمَرُ– رضي الله عنه- أَنْ تَعَالَ: وهذا من تضافر الصحابة رضى الله عنهم ومن تعاونهم و لتحقيق رغبات بعضهم في الخير،علِم من أخيه يعلى بن أُميةرغبته وأمنيته أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه الوحى ،فناداه حتى يظفربتحقق هذه الأمنية.


فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي الْقُبَّةَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ قَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بِعُمْرَةٍ :ومعلوم ان الجبة من المخيط وهى من محظورات الإحرام .

قَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بِعُمْرَةٍ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ:وهذا محظور آخر،  فجاء مرتكب لمحظورين لبس الجبة والتضمخبالطيب وقد أحرم بعمرة فجاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك

قال: مَا تَقُولُفِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ؟: إذأُنزل عليه الوحى  صلَّى الله عليه وسلم


فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغِطُّ لِذَلِكَ :أي يتردد صوت نفسه كحال النائم يغط لذلك يتردد صوت نفسه كما هي حال النائم لثقل الوحى وما يعانيه عليه الصلاة والسلام وقت نزوله من شدة صلوات الله وسلامه عليه.

قال: فَسُرِّيَ عَنْهُ :أي كشف عنه

فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَنِي آنِفًا؟ فَأُتِيَ بِالرَّجُلِ: فَقَالَ: «أَمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا:لأن الجبة مخيط والرجل إنما يُحرم بإزار ورداء لا يُحرم في ثياب أ وقمص أو سراويل أو جبة أو برنس أو غير ذلك من الألبسة وإنما يحرم بإزار ورداء قال اما الجبة فاخلعها أي استبدلها بإزار ورداء.

وَأَمَّا الطِّيبُ فَاغْسِلْهُعنك

الشاهد من الحديث ما يجده عليه الصلاة والسلام من شدة وقت نزول الوحي صلوات الله وسلامه عليه


في الرواية الأخرى:

قال :أَتَاهُ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ : قيل المقطعات هي الثياب المفصَّلة على البدن، يُقال لها مقطعات يعني لها كُم ولها جيب  فتسمى مقطعات ، ولا تزال هذه التسمية  تستعمل فى بعض المناطق .

قال:وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ:أي بطيب كما في الرواية السابقة، وقيل المقطعات الثياب القصار ، وقيل الثياب المخططة .

فَقَالَ: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيَّ هَذَا:أي هذا الثوب

فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ»: وهذا يدل على أن الرجل يعرف الحج –له معرفة به


قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَسُجِّيَ بِثَوْبٍ، فَدَعَانِي عُمَرُ فَكَشَفَ لِي عَنِ الثَّوْبِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغِطُّ :أي لذلك للشدة التي يعاينها من الوحي.

مُحْمَرًّا وَجْهُه:هذا نظير ما تقدم ، قال: ((وتربَّد له وجهه)) صلَّى الله عليه وسلم يى تغير وجهه وهذا كله مما يعاينه  صلَّى الله عليه وسلم وقت نزول الوحى عليه من شدة.



أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


ثم ختم رحمه الله هذه الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ َ

تَابَعَ الْوَحْيَ أي والاه والموالاة :الشيء بعد الشيء فتابع الوحي على رسوله اي والى الوحى أو كثر نزول الوحي على رسوله صلَّى الله عليه وسلم

قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:والمراد بقوله حتى توفى أي الزمن الذى قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والحكمة من ذلك لتكميل الشريعة التي بُعث بها صلوات الله وسلامه عليه وحتى لا يبقى شيء من الوحى، وقد أنزل الله في ذلك قوله سبحانه ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]

ولم ينزل بعد هذه الأية-وقد عاش بعدها أكثر من ثمانين يوما - لم ينزل بعدها حلال وحرام ،نزل آيات،  لكن لم ينزل بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم حلال وحرام ؛ لأنه بنزول هذه الآية  جاء الإعلام باكتمال الأحكام﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾



قال رحمه الله تعالى :بَابٌ: مِنْ كَمْ أَبْوَابٍ نُزِّلَ الْقُرْآنُ؟

أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ فُلْفُلَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُعْفِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ((نَزَلَتِ الْكُتُبُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ))




قال -رحمه الله- :بَابٌ: مِنْ كَمْ أَبْوَابٍ نُزِّلَ الْقُرْآنُ؟، وأورد تحت هذه الترجمة هذا الحديث الموقوف على عبد الله بن مسعود رضى الله عنه.


قال: نَزَلَتِ الْكُتُبُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ: فقوله: مِنْ كَمْ أَبْوَابٍ نُزِّلَ الْقُرْآنُتبيانه في هذا الخبر الموقوف على عبد الله بن مسعود، قال : وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ: أي أنه تميَّز عن الكتب السابقة بأنه نزل من سبعة أبواب ،قيل  -والله تعالى أعلم في المراد بالأبواب-:أي أبواب البيان .


وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍوقديكون الأبواب أبواب السماء، وجاء فى الحديث -أظنه حديث بن عباس رضى الله عنهما- : قال: ((بينما جبريل قاعدٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضاً من السماء،  فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط قبل اليوم ، ثم قال هذا ملك نزل من السماء اليوم لم ينزل قط قبل اليوم، وقال:أتى هذا الملك وسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبشر يامحمد بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك ، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة))


قال: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: والمراد بالأحرفيأتي بيانه في الترجمة الآتية ، وهذا الحديث الذى ساقه  المصنف موقوفا على بن مسعود حسَّنه الألباني–رحمه الله- مرفوعا في السلسلة الصحيحة برقم خمسمائة وسبع وثمانين ، وأيضا لعلها تُبحث من بعض  من يتيسر لهم ذلك في المراد بالأبوابفى قوله ((نَزَلَتِ الْكُتُبُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ))





قال -رحمه الله تعالى-:عَلَى كَمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ -رضي الله عنه- يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَعْجَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ((إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا» فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ» فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ))


لعلنا نكتفى ويكون الكلام على هذه الترجمة  في لقاء الغد بإذن الله -سبحانه وتعالى - ونسأل  الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما  وان يصلح لنا شأننا كله وألا يكلنا إلى انفسنا طرفة عين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة امرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والاموات، الهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها انت خير من زكاها  أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسالك التقى والهدى والعفَّة والغنى، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك  ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا ،ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت  استغفرك واتوب إليك

اللهم صلِّي وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه وسلم 


(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3 
 
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ



0 التعليقات:

إرسال تعليق