السبيل إلى العزة والتمكين

شرح كتاب فضائل القرآن من السنن الكبرى لإمام النسائي - الدرس الثاني


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب فضائل القرآن من كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي (رحمه الله)

للشيخ عبد الرزَّاق البدر (بارك الله فيه وفي علمه)

الدرس الثاني : عَلَى كَمْ نُزِّلَ الْقُرْآن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد :
فيقول الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله تعالى في كتابه السنن الكبرى: عَلَى كَمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ
قال :أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَعْجَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا» فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ» فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ))

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
اللهمَّلا علم لنا إلَّا ما علمتنا ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أما بعد،
 قال الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- :عَلَى كَمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ: أي على كم حرف نزل القرآن، وساق -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن عمر بن الخطاب  رضى الله عنه ،وفيه الجواب على هذاالسؤال ،وأن القرآن نزلعلى سبعة احرف،وأهل العلم -رحمهم الله تعالى- اختلفوافي هذه السبعة الأحرف الوارد ذكرهافى هذا الحديث وفى حديث أبىّ الآتى وأيضا في حديثعبد الله بن مسعود المتقدِّم وفي غيرها من الاحاديث، ما المراد بهذه السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن الكريم .
وليست هي القراءات السبعةوإنما الأحرف السبعة -على الصحيح من اقوال اهل العلم رحمهم الله تعالى- فى المراد بها أنها أوجه من أوجه لغات العرب ولاسيما سبع من لغات العرب المشهورة المعروفة وأعظمها لغة قريش، فبها نزل القرآن على سبعة أحرف، سبعة أحرف أي منلهجات العرب وأوجه لغات العرب .
ولايعنى ذلك أن كل كلمة يكون فيها أوجه سبعة لكنها لا تزيد على السبع؛ لأن القرآن أنزل على سبعة احرففقد يكون فى بعض الكلمات الأحرف السبعة كاملة وفى بعضها قد يكون فيها حرف أو حرفين او ثلاثة او أربعة، بمعنى انه لا يلزم أن كل حرف او كل كلمة نزل فيها سبعة أحرف من لهجات العرب أو أوجه لغات العرب ، وإنما كان ذلك النزولعلى هذه الأوجه تخفيفا على الناس ،اذ كانوا على لهجات ، حتى إن الكلمة الواحدة تجد نطقها مختلفًا من لهجة إلى أخرى، هذا يقول أقبل والآخر يقول هلم،الثالث يقول تعال، والرابع يقول ايت ، وكلها تدل على معنى واحد لكنها لهجات ، فنزل القرآنعلى سبعة أحرف . وكان هذا النزول -كما بين العلماء رحمهم الله تعالى- من باب التخفيف علي الناس اذ كانوا قبائل وكل يتكلم بلهجة فخفف عليهم وأنزل القران علي سبعة احرف، و بقيت هذه الاحرف،  ومن قرأ بحرف منها لا يُنكر عليه؛ ولهذا سيأتي في قصة عمر من بعدها قصة أبيّ لمَّا سمع عمر   قارئا يقرأ على غير الحرف الذى كان حفظ عليهكاد أن يَعجل على القارئ ويقطع عليه قراءته -رضي الله عنه وأرضاه -لكنه صبر ثم أخذه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأمره أن يقرأ صلى الله عليه وسلم ثم أمر الآخر أن يقرأ وقال لكل منهما : ((هكذا أنزل)) ثم قال : ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ))فلا يُنكر أحد على أحد ،ولا يخطئ أحد أحد ؛لأن هذه كلها أحرف نزل بها القرآن على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

ثم لمَّا جمع الله -سبحانه وتعالى- هذه القبائل المختلفة والمفترقة والمتعادية لمَّا جمعهم الله عزوجل على الإسلام وألَّف بين قلوبهم بالإيمان وزال ما كان بينهم من تعادي ونحو ذلك وأصبح الأمر دون ما كان عليه من احتياج إلى هذا التخفيف وهذه الأحرف، جمع عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- الناس على حرف واحد في المصحف الذي أمر رضي الله عنه وأرضاه بكتابته وسيأتي الحديث بذلك وذكر خبره رضي الله عنه بذلك ومن جمعهم أيضا لهذا الأمر العظيم، فجمع الناس على حرف واحد من هذه الأحرف ؛لأن هذه الأحرف نزلت في أول الأمر تخفيفا ثم لم يُصبح الامر محتاجا إليه بعد ذلك ، فجمعهم رضي الله عنه وأرضاه على حرف واحد من هذه الأحرف السبعة ، فلم يبق من هذه الأحرف إلا حرف واحد وهو الحرف الذي كتبه عثمان -رضي الله عنه- أو أمر عثمان بكتابته في المصاحف وأرسل به للآفاق ، كتب سبعة مصاحف وأرسل واحدا إلى مكة وواحدا إلى الكوفة وآخر إلى الشام وإلى اليمن وأبقى واحدا في المدينة ، كلها على حرف واحد وانتهت تلك الأحرف وجمع الناس على حرف واحد، وكان أيضا من قبله أبو بكر وعُمر قد فعلا ذلك في المصحف الذي كان عند حفصة ، وطلبه عثمان منها -رضي الله عنها- لما أراد ان يجمع الناس .
وأيضا علي بن ابي طالب -رضي الله عنه- في زمانه قال: (( لو لم يفعل ذلك  عثمان لفعلته) والصحابة كلهم أقروا ذلك ،وهو فعل الخلفاء الراشدين الأربعة وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسَّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور))الحاصل أن هذه الأحرف السبعة نزل بها القرآن وكان النزول بها من باب التخفيف والتيسير على العباد

اورد رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ((سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا: يعني على حرف غير الحرف الذي اقرؤها به.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا: يعني أنا متأكد من قراءتي بالتلقي عن
فَكِدْتُ أَعْجَلُ عَلَيْهِ : يعني اقطع عليه تلاوته وأوقفه
ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ: يعني قضى تلاوته
ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ : أي شددته بردائه وجئ
فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا» فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ» فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ : يعني قرأ هشام رضي الله عنه على القراءة الذي سمعها منه عمر
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة  
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ: هذا حرف وهذا حرف وكلها حق وكله منزل كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍفَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ أي لكم مِنْهُ
وكما عرفنا ان ذلك النزول بالسبعة الاحرف هذه كان من باب التخفيف والتيسير، ولمَّا جمع الله -سبحانه وتعالى- قلوب أهل الايمان وألف بينهم وأصبح بينهم التلاقي والاجتماع على الإسلام وطاعة الله -سبحانه وتعالى- حصل توحيد هذه الأحرف وجمع الناس على حرف واحد ، حصل جمع للناس على حرف واحد فيما صنعه عثمان وسيأتي معنا قريبا إن شاء الله الحديث بذلك
قال : أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَا حَاكَ فِي صَدْرِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا أَنِّي قَرَأْتُ آيَةً، فَقَرَأَهَا رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي» فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَقُلْتُ: أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَيَانِي فَعَمَدَ جِبْرِيلُ، فَقَعَدَ عَنْ يَمِينِي، وَقَعَدَ مِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِي،فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ فَقُلْتُ: «زِدْنِي فَزَادَنِي» فَقَالَ جِبْرِيلُ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ» فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُفَقُلْتُ: «زِدْنِي» فَقَالَ جِبْرِيلُ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ حَتَّى بَلَغَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَقَالَ مِيكَائِيلُ: «اسْتَزِدْهُ» فَقَالَ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلٌّ شَافٍ كَافٍ))
ثم أورد -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه وأرضاه- وهو معناه في الجملة مقارب لما تقدَّم معنا من قصة عمر مع هشام بن حكيم 0رضي الله عنهما0
وهنا في هذا الخبر عن أبيّ يقول رضي الله عنهمَا حَاكَ فِي صَدْرِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا أَنِّي قَرَأْتُ آيَةً، فَقَرَأَهَا رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي» فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا: كل واحد من هذين يقرأ على حرف وكل منهما قد سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا يقول أقرأنيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم والآخر أيضا يقول اقرأنيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم
هَكَذَا فَقُلْتُ: أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»
فانظر هنا وتأمل قول أبيّ رضي الله عنه: ((مَا حَاكَ فِي صَدْرِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ)):معنى ما حاك في صدري أي أنه وقع في صدره شيء، شيء مثلا من التكذيب ، الشك وقع في نفسه شيء من ذلك ؛ لأنه حفظها من النبي عليه الصلاة والسلام على حرف ثم يسمعها على حرف آخر والآخر يقول أنه سمعها من النبي عليه الصلاة والسلام وهذا مُنزَّل وهذا منزل فوقع في نفسه شيء يعني كما جاء في لفظة في صحيح مسلم قال ( فسقط في نفسي شيء من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية)) ولا إذ كنت في الجاهلية.

هنا حقيقة لابد أن نقف قليلا مثل هذه الأمور التي قد تقع في النفس أو ان شئت قلت تهجم على النفس ليست أمرا مستقرا في النفس وعقيدة ثابتة وإنما شيء يهجم في مواقف معينة على النفس ويلقيه الشيطان في نفس الإنسان ، وساوس تتحرك في نفسه لكنها ليست عقيدة وهذا لا يؤاخذ به العبد ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها))، هذا الشيء الذي يهجم من رحمة الله سبحانه وتعالى وفضله على العباد أنه لا يؤاخذهم به ، لكن المصيبة عندما يسترسل المرء مع مثل هذه الأمور ويتحدث بها وربما أيضا يكتبها .

وهنا ندرك الفرق بين السلف والمتأخرين، السلف -رحمهم الله تعالى- في مثل هذه المواقف لا يسترسلون مع هذه الأمور، يستعظمونها وتكرهها نفوسهم ،حتى قال قائلهم للنبي عليه الصلاة والسلام : ((إن أحدنا ليجد في نفسه ما أن يخر من السماء أحب إليه من أن يتكلم به، قال : أوجدتم ذلك؟ قالوا : نعم، قال:  ذلك صريح الإيمان)) لكن المصيبة عندما تأتي هذه الوساوس فيتحدث بها ، ويلقيها في الناس وربما يكتبها في كتاب ، بل أقول لكم: كثير من كتب أهل البدع ولا سيما كتب أهل الكلام منشؤها وساوس الصدور، يلقي الشيطان في نفوسهم الوساوس فتُعجب نفوسهم بتلك الوساوس فيؤلفون بها كتباً وينشرونها بين الناس وهي ليست من دين الله وإنما وساوس صدور ولو أنهم استعاذوا بالله منها وكفوا لسلموا و سُلم أيضا من شرور بدعهم وأهوائهم وضلالاتهم ؛ ولهذا يكثر في كتب اهل الأهواء - بسبب هذه الوساوس -من يعترض على القرآن ويعترض على السنَّة وينتقد الأحاديث وغير ذلك من الأمور العظيمة الشنيعة .

الحاصل أن أبيّ رضي الله عنه وقع في نفسه شيء ،وفي اللفظ الاخر في صحيح مسلم قال ((فسقط في نفسي شيء من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية )) وجاء في صحيح مسلم قال:(( فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني)) لأن هذا كرب عظيم ( لما رأى ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عزوجل فرقا، فقال لي : يا أُبيّ أرسل إلى أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه : أن هوِّن على أمتي فزاد فردَّ إلى الثانية أقرأه على حرفينفرددت إليه : أن هوِّن على أمتي)) وهذا يفيدنا أن نزول القرآن على هذه السبعة الأحرف كان تهويناً على الأمة وتخفيفا على العباد، تيسيرا بحسب اللهجات القائمة ولا سيما أكبرها وأشهرها فخُفف على العباد ونزل القرآن بسبعة أحرف، لكن هذه السبعة الأحرف انتهت في زمن عثمان وجمع الناس على حرف واحد؛ لأن الحكمة التي أنزل من أجلها القرآن على سبعة أحرف انتهت بالتقاء الناس واجتماعهم وتأليف الله -سبحانه وتعالى- بين قلوبهم على هذا الدين العظيم فجمعهم عثمان على حرف واحد.
قوله: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ: كل شاف كاف يعني كل حرف من هذه الأحرف الكفاية وفيه الشفاء﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ...﴾[الإسراء:82]، ﴿...وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ...﴾[يونس:57]، فهي كلها أحرف منزلة لكنها نزلت كذلك تخفيفا على العباد وتهوينا عليهم .
أن هوِّن على أمتي: يقول النبي عليه الصلاة والسلام فهوَّن الله على الأمة وخفف على العباد وأنزله على سبعة أحرف كل منها كافٍ شاف يعني كل منهم فيه الكفاية﴿...أَوَلَمْيَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ...﴾[العنكبوت:51]القرآن فيه الكفاية وكل حرف منها كافٍ شاف لأنه منزل من الله -سبحانه وتعالى- و هذا التنزيل على هذه السبعة الأحرف إنما كان من أجل التهوين والتخفيف للحاجة إلى ذلك ولما زالت هذه الحاجة في زمن عثمان جمعهم على حرف واحد.

قال رحمه الله تعالى :بَابٌ كَيْفَ نُزِّلَ الْقُرْآنُ
أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ : ((أَيْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ قَالَتْ: «لِمَ؟» قَالَ: «أُرِيدُ أُؤلِّفُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّا نَقْرَؤُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ» قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا نُزِّلَ أَوَّلُ مَا نُزِّلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ لِلْإِسْلَامِ نُزِّلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نُزِّلَ أَوَّلُ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَوْ نُزِّلَ أَوَّلُ شَيْءٍ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا، وَإِنَّهُ أُنْزِلَتْ ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرٌ﴾ [القمر: 46] بِمَكَّةَ وَإِنِّي جَارِيَةٌ أَلْعَبُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ ، قَالَ: فَأَخَرَجَتْ إِلَيْهِ الْمُصْحَفَ فَأَمَلَّتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ))

ثم عقد الإمام النسائي رحمه الله تعالى هذه الترجمة قال: بَابٌ كَيْفَ نُزِّلَ الْقُرْآنُ: وهذه الترجمة عقدها -رحمه الله تعالى- في بيان ما يتعلق بتأليف القرآن أي ترتيبه- ترتيب القرآن- ولاسيما من حيث ترتيب السور، وترتيب السور هو من الأمور الإجتهادية بخلاف ترتيب الآيات فإن ترتيب آيات القرآن أمرها توقيفي، حسب ما جاء عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ولهذا لما قالت عائشة -رضي الله عنها- :  (وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا نُزِّلَ أَوَّلُ مَا نُزِّلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ ) المراد بذلك قراءة سورة قبل سورة، ليس المراد أن يقرأ القرآن منكسا الآية تقرا ثم تقرأ الآية التي قبلها ثم الآية التي قبلها، هذا لايجوز ولكن فيما يتعلق بتقديم قراءة سورة على سورة فالأمر في ذلك أيسر وهو محل اجتهاد بين أهل العلم، إلى أن جمع عثمان المصحف على هذا الترتيب الذي رتب عليه المصحف بتشاور واجتهاد من الصحابة -رضي الله عنهم- فبقي الأمر بعد ذلك يُلتزم في القراءة بنحو ما جاء في هذا الترتيب الذي هو اجتهاد من عثمان رضي الله عنه ومن معه من خيار أصحاب النبي الكريمصلوات الله وسلامه وبركاته عليه .

قالبَابٌ كَيْفَ نُزِّلَ الْقُرْآنُ: أي فيما يتعلق بترتيب السور والاتيان بالسور
يقول أورد هذا الخبر يوسف بن ماهك قال:إِنِّي لَعِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ : ((أَيْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ قَالَتْ: لِمَ؟)):يعني ماذا تريد من مصحفي ؟ ما الغرض ؟ ما الغاية ؟
قَالَ: أُرِيدُ أُؤلِّفُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ:يعني ارتب على نحو ترتيبه، ترتيب السور في القرآن، أرتب على ضوء ترتيبه هذا معنى قوله :أُرِيدُ أُؤلِّفُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فإذن الترجمة (كيف نزل القرآن): يعني يتعلق بالتأليف الذي هو الترتيب ترتيب السور وترتيب الآيات التي في السور
قَالَ: أُرِيدُ أُؤلِّفُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ: أييعني ارتب عليه القرآن على نحو الترتيب الذي في مصحفكِ
فَإِنَّا نَقْرَؤُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ: وهذا من قبل أن يبعث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالمصاحف إلى الآفاق، يعني هذا القول من هذا العراقي (إِنَّا نَقْرَؤُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ ): يعني هذا قطعا قبل أن يبعث عثمان لأنه لما بعث أُلغي كل شيء وجُمع الناس على هذا المصحف، جُمع الناس واأُزموا أن يجتمعوا على هذا المصحف حتى إن عبدالله بن مسعود كان متوقفاً بعض الشيء في أول الأمر ثم رجع إلى هذا الذي اتفق عليه الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- فقوله: ( فَإِنَّا نَقْرَؤُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ ) يعني على غير ترتيب هذا قبل أن يبعث عثمان بن عفان بالمصاحف إلى الآفاق، بعث إلى الكوفة ،وبعث إلى الشام، وبعث إلى البحرين، وبعث ايضا إلى اليمن ،وبعث إلى مكة ،وأبقى واحدا في المدينة كتب نسخا من المصحف، وأرسل حتى يجتمع الناس على مصحف واحد وعلى ترتيب واحد ،فقول هذا العراقي (فَإِنَّا نَقْرَؤُهُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ ) يعني قبل الترتيب الذي حصل في زمن عثمان -رضي الله عنه-
قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟: المقصود بقولها :أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟:أي أيّ سورة قرات قبل الأخرى ، ليس الآيات فالآيات يضر ولهذا  بالنسبة للآيات انظر فى آخر حديثها : ((فَأَمَلَّتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ)) هذه لا بد منها ،لابد أن يؤتى بها مرتبة لأن الأمر فيها توقيفي،  لكن فيما يتعلق بالسور و تقديم سورة على أخرى،  قالت:((وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟)) يعنى ما يضرك إن قدمت سورة على أخرى، وهذا كله كما  قدمت قبل أن يوحِّد عثمان -رضى الله عنه- وأرضاه الناس علي المصحف علي الترتيب الذي هو موجود فيه وهو إلي زماننا هذا .
قالت: (إِنَّمَا نُزِّلَ أَوَّلُ مَا نُزِّلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ لِلْإِسْلَامِ نُزِّلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ):  أول ما نزل سورة من المفصَّل وأول ما نزل تحديدا (اقرأ)، و (اقرأ) فيها ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾[العلق:18] أي زبانية  جهنم في الوعيد والتهديد والتخويف بالنار، ومن بعدها أيضا (المدثر) فيها ذلك في قول الله عزوجل ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)﴾  ففيها ذكر النار فيها ذكر الجنة ، وهكذا أيضا الآيات جاءت بذكر النار والجنة والوعد والوعيد والثواب والعقاب .
قالت:حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ لِلْإِسْلَامِ: يعني رجعوا إليه وأقبلوا عليه ودخلوا فيه عرفوا بهذا الإسلام الجنَّة والنار والثواب والعقاب وأصبح في قلوبهم خوف من عقاب الله ومن لقائه وحرص على الجنة وثوابه ، وهذا يعتبر قاعدة عظيمة جدا مهمة في التربية على معاني الإسلام ، وهذا حقيقة ينبغي أن يستفاد منه في باب الدعوة إلى الله –عزوجل- لأن أول ما يُبدأ فيمن يُدعى إلى الله سبحانه وتعالى بأن يُعرَّف بالله سبحانه وتعالى وأن يعرف أيضا بما أعده الله لمن أطاعه وما  أعدَّه أيضا لمن عصاه يُذكرله الجنة والنار والثواب والعقاب ليكون ذلك قاعدة يُبنى عليها ما بعدها .
قالت :حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ لِلْإِسْلَامِ: استسلموا ،انقادوا ، تقبلت نفوسهم ، أقبلت، خافت، رغبت في الثواب، وخافت من العقاب.
نُزِّلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ: فيما بعد وسيأتي أيضا من كلامها مزيد توضيح
قالت: وَلَوْ نُزِّلَ أَوَّلُ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَوْ نُزِّلَ أَوَّلُ شَيْءٍ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا: لأن النفوس مطبوعة على ما ألفت واعتادت ، النفس مطبوعة على الميل للشيء الذي ألفته واعتادت عليه ولهذا النقل نقل الإنسان من مألوفاته إلى أمر آخر يحتاج إلى قواعد قبل ذلك وأسس يُبنى عليها هذا النقل، لكن لو أتاهم من أول الأمر: لا تزنوا ، لا تشربوا الخمر ونحو ذلك، لقالوا : لا ، لا ندع الزنا ، لا ندع شرب الخمر ، وهذا فيه الحكمة في الدعوة والتدرج في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ومراعاة الأولويات أيضا في باب الدعوة إلى الله عزوجل .
قالت: وَإِنَّهُ:هذا تأكيد لما قررته فيما سبق -رضي الله عنها-
قالت:وَإِنَّهُ أُنْزِلَتْ ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرٌ﴾هذه في أي سورة؟ القمر ، سورة القمر من أولها إلى آخرها ليس فيها ذكر للحلال والحرام كلها في القصص والوعيد والتخويف والإنذار ومن ذلك ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرٌ﴾هذا تقعيد لما بعده وتأسيس تبنى عليه فيما بعد الأحكام والحلال والحرام ؛ ولهذا العابد عندما يعبد الله بالصلاة والصيام والطاعات، يعبد الله رجاء الثواب خوف العقاب، فلو بُدئ معه بالعمل قبل تعريفه بالثواب والعقاب أو بالنهي عن المحرمات قبل أن يُعرف بالثواب والعقاب لم يكن عنده قاعدة يبني عليها ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ...﴾[الإسراء:57] فالعابد يعبد الله يرجو الرحمة ويخاف العذاب ولهذا يُعرَّف بذلك ويبين له ذلك فكان النزول نزول الوحي على هذا الوصف
قالت:وَإِنَّهُ أُنْزِلَتْ ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرٌ﴾ بِمَكَّةَ وَإِنِّي جَارِيَةٌ أَلْعَبُ: هذا من أوائل المنزَّل ،  قالت ما فيها أحكام ما فيها نهي عن زنا ولا نهي عن شرب خمر ولا فيها أوامر كلها قصص ووعيد وذكر ما يتعلق بالنار والتهديد والتخويف وأخبار الأولين وكيف عاقبهم الله -سبحانه وتعالى- على كفرهم وصدودهم وإعراضهم هذا الذي فيها .
قالت: وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ: أي في المدينة
قالت :وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ: أي المُشتملتان على التفصيل لكثير من الأحكام والأوامر والنواهي ،تجد في سورة البقرة وفي سورة النساء تفصيل واسع جداً لأحكام الشريعة واوامر الدين وذكر الحلال والحرام
•    ويُعد هذا الحديث او هذا الخبر وغيره أصل في أهمية معرفة المكِّي والمدني من السور وينبني على ذلك معرفة التدرج أيضا في الدعوة إلى الله ومراعاة الأولويات في ذلك
قالت: وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ: أي بالمدينة
قَالَ: فَأَخَرَجَتْ إِلَيْهِ الْمُصْحَفَ فَأَمَلَّتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ: أملت عليه آي السور لأن الترتيب فيها توقيفي وأما ترتيب السور هذه قبل هذه فأمرٌ اجتهادي لهذا ففي الاول قالت :وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟:أي أىَّ سورة  قرأت قبل الأخرى
والحاصل أنه فيما بعد تم الجمع و الترتيب لسور القرآن باجتهاد من عثمان رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وأصبح الذي ينبغي في القراءة أن يُراعى قراءة القرآن على هذا الترتيب الذي جاء في مصحف عثمان -رضي الله عنه وأرضاه -

قال رحمه الله تعالى: بَابٌ بِلِسَانِ مَنْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ:
أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ كَمَا اخْتَلَفْتُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ –رضي الله عنها- أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا إِلَيْهِ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسِخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا وَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ مُصْحَفًا مِمَّا نَسَخُوا))

يؤجل الكلام عليه إلى لقاء الغد بإذن الله -سبحانه وتعالى-
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا وأن يزيدنا علما وأن يُصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفَّة والغنى
اللهم إنا نسألك الهدى والسداد
اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرُشد ونسالك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلباً سليماً ولسانا صادقا
ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علَّام الغيوب
اللهم أعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكُر علينا واهدنا ويِّسر الهدى لنا انصرنا على من بغى علينا
اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين إليك أوَّاهين منيبين لك مخبتين لك مطيعين
اللهم تقبَّل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا واهد قلوبنا وسدد ألستنا واسلل سخيمة صدورنا
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم
اللهم إنا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمَّد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلَّى الله عليه وسلم
وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا
اللهم يسِّر أمورنا واشرح صدورنا وفرِّج همومنا واقض ديوننا ونفث كرباتنا واشف مرضانا وارحم موتانا يارب العالمين، اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالميناللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد ﷺ
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم ناصراً ومعيناً وحافظا ًومؤيدا اللهم وعليك بأعداء الجين فإنهم لا يعجزونك اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين،ربنا اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله  أوله وآخره علانيته وسره ،اللهم اغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه
(التفريغ قام به متطوعون)

الشريط صيغة mp3
  
مصدر الملف الصوتي : موقع الشيخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق